“أمك عندنا يا صلاح”.. هل تحوّل 100 مليون مصري إلى رهائن في قبضة السيسي؟

- ‎فيتقارير

ليس غريبًا أن تسمع أخبارًا تتناول عمليات سطو يقوم بها مسلح منفرد أو مجموعة مسلحين، أشهرها في أمريكا معقل عصابات العالم، مثلاً تسمع عن احتجاز مسلح لرهائن داخل متجر بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية، وتنتهي القصة بالقبض على المسلح أو مصرعه وإصابة أو قتل بعض الرهائن، إلى هنا والأمر في غاية البساطة، لكن أن تتحول عملية السطو إلى سرقة دولة بأكملها، ويبلغ تعداد الرهائن نحو 100 مليون نسمة، فأنت تتكلم عن مصر في زمن السفيه قائد الانقلاب.

وتواصل سلطات الانقلاب ترهيب المعارضين وأسرهم عبر منعهم من السفر وتجميد أموالهم، حتى تخطى الأمر السياسيين إلى تهديد رموز رياضية مثل اللاعب محمد صلاح، وقبله محمد أبو تريكة، بمنع عائلتهما من السفر، وتعيش مصر منذ خمس سنوات واقعا يبدو الأسوأ في تاريخها.

وألغت سلطات الانقلاب في يناير 2018، سفر والدة نجم نادي الأهلي والمنتخب المصري المعتزل محمد أبو تريكة، وذكر مصدر أمني، في تصريحات صحفية، أن قائد الطائرة الأردنية المتجّهة إلى عمان رفض اصطحابها على متن رحلة الطائرة رقم “504”؛ بزعم سوء حالتها الصحية. منظمة هيومن رايتس ووتش اعتبرت أن عدد حالات المنع في ظل الانقلاب تعدى ما كان في ظل نظام مبارك بكثير… فهل أصبح 100 مليون مصري رهائن؟

مفيش سفر

وفوجئت والدة أبو تريكة، فاطمة حسين (73 عاما)، بعد إنهاء إجراءات سفرها على الطائرة الأردنية رحلة رقم 504، والمتجهة إلى عمان، في طريقها إلى العاصمة الدوحة، لاستكمال علاجها في قطر، بإلغاء سفرها وقامت سلطات الأمن بالمطار بإنزال السيدة المسنة وإلغاء سفرها، ويتمتّع أبو تريكة بشعبية وجماهيرية كبيرة في مصر والوطن العربي، حتى بات يُلقب بـ”أمير القلوب”.

ويطرح المراقبون والنشطاء تساؤلا: أليس من حقوق الإنسان أن يعلم الممنوع من السفر ابتداءً بمنعه، بالإخطار مثلاً، فيعلم أنه ممنوع قبل أن يشرع في السفر، وعليه يبحث أسباب منعه، ويعمل على رفع قرار المنع بالقانون؟. يقول الناشط عاشور عبد الحميد: “من يومين واحد كل شهرته في الحياة كان سببها إنه دخل مصر كأس العالم بالجول اللي جابه من أكتر من ٢٤ سنة اسمه مجدي عبد الغني، صرح بأن محمد صلاح عايز يتشهر على قفا اتحاد الكرة المصري. فقررنا أنا وصديقي ياسين إن إحنا نروح نشوف الموضوع ده آخرته فين”.

مضيفا: “دورنا على الجرافيتي الشهير بتاعه في ميدان الحرية في نيويورك.. الجميل في الموضوع إن إحنا لم نقف أكتر من ٥ دقايق، خلالهم أكتر من ٢٠ شخصا على الأقل من جميع جنسيات العالم كانوا بيدوروا على نفس الرسم علشان يتصوروا معاه”.

وتابع “الاتحاد ميكفهوش الهلفطة اللي اتقالت في حق الراجل المحترم، قاموا طالعين مهددين الراجل متنساش الست الوالدة لسه عندنا.. أي نظام يحكمنا يا سادة، وأي دولة بوليسية تقمع حرياتنا”.

وغالبا ما يكون المنع مفاجئا من جهة سلطات الانقلاب وفى جوازات المطار، ولا يأخذ الممنوع من السفر خبرا قبله، لماذا دائما يكون المنع صادما، وعادة لا يطلع الممنوع من السفر على أسباب وجهة المنع، ليقصدها باكرا قبل الجوازات وإنهاء الإجراءات وتحديد الارتباطات؟.

وتخسر مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013 كثيرا من سمعتها في المجال الحقوقي، بتكرار أخبار المنع من السفر لأكاديميين وسياسيين وحقوقيين ورجال أعمال وحتى عاديين، والتي تأتى دائما من المطار، وعادة ما تُذاع أخبار منع المشاهير منهم دون إيراد الأسباب.

هل أنت معارض؟

“ممنوع من السفر ممنوع من الغناء، ممنوع من الكلام، ممنوع من الاشتياق، ممنوع من الاستياء، ممنوع من الابتسام، وكل يوم فى حبك تزيد الممنوعات”.. هذه الكلمات التي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم، وغناها الشيخ إمام قبل أربعة عقود، في مصر في عهد أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر بعد أن منعهما المدعي العام الاشتراكي من السفر إلى فرنسا بدعوة من وزير الثقافة الفرنسي آنذاك، لكن النشطاء في مصر يتداولون هذه الكلمات بقوة من جديد على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تزايد حالات المنع من السفر، خاصة بالنسبة للنشطاء والمعارضين للانقلاب.

خلال عام 2015 كان هناك عدد كبير من حالات المنع من السفر، كان أبرزها منع الحقوقي محمد لطفي، مدير المفوضية المصري لحقوق الإنسان، من السفر إلى ألمانيا، حيث كان من المقرر أن يلقي كلمة أمام البرلمان الألماني، حول موضوع “انتهاكات حقوق الإنسان” في مصر، في حين تم السماح بسفر نشطاء موالين للانقلاب.

كما منع الشيخ محمد جبريل في يوليو 2015 من السفر إلى بريطانيا، إضافة إلى منعه من الإمامة في أي مسجد مصري، لأنه دعا في صلاة التراويح في جامع عمرو بن العاص في يوليو 2015، على “الحكام الظالمين والسياسيين والإعلاميين الفاسدين” الذين وصفهم بـ«سحرة فرعون»، رغم أنه لم يذكر اسم أي شخص في دعائه.

ومع كل منع تبدو سلطات الانقلاب في صورة كالحة تتندر بها المحافل الحقوقية ومنتديات حقوق الإنسان، وينعتونها بالدولة البوليسية نسبة إلى البوليس، تخسر مصر من سمعتها الدولية بتكرار أخبار المنع من السفر، ومع تجهيل أسباب المنع تحال دوماً لأسباب سياسية، وحسب الأسماء الممنوعة أخيراً توصف بأنها إجراءات عقابية لمعارضي الانقلاب، ولو تفحصنا الأسباب الحقيقة لرأينا عجبا من العجاب، ولكن عدم الشفافية يسمح بتخمين أسباب في الغالب سياسية وأمنية.

وبحسب خبراء حقوقيين يعد المنع من السفر ثقيلا على النفس، ولا يقبله حر على نفسه أو على الآخرين حتى لو كانوا معارضين، وكونه يأتي دوما دون إبداء الأسباب يفضح العسكر في ميزان حقوق الإنسان، وبدون معلومية الممنوع من السفر وكونه يأتى مفاجئا وصادما يزيد الطين بلة، وتسوء الصورة كثيراً.

وأحيانا تقوم سلطات الانقلاب بمنع سفر الزوج وهو بصحبة زوجته وأولاده، وسط عويل وبكاء، أو يكلفه المنع من السفر ما لا يحتمل، أو يحرمه من زيارة أسرية معتادة، أو يضيع عليه موعدا لعملية جراحية أو عيادة الطبيب، أو يعوق مهمة أكاديمية، هذا لا يدخل في باب التبريرات ولكنه واقع معاش.