أنبوب غاز سيناء يعود للحياة ناقلا الغاز الصهيوني لمصر.. ما التنازلات التي قدمها السيسي؟

- ‎فيتقارير

بعد ساعات من عقد السيسي ثاني لقاء علني مع رئيس الوزراء الصهيوني في نيويورك، في رسالة بارزة علي وصول التطبيع مراحله النهائية بين سلطة الانقلاب ودولة الاحتلال الصهيونية، تم الكشف عن “صفقة تاريخية” بين شركتي “ديليك” الإسرائيلية و”نوبل إنيرجي” الأمريكية من جهة، وشركة شركة EMG المصرية (غاز شرق المتوسط)، صاحبة أنبوب الغاز الممتد بين إسرائيل وسيناء، من جهة ثانية، ملخصها إعادة استخدام خط الغاز الذي كان يجري تصدير الغاز المصري منه لإسرائيل ثم توقف عقب ثورة يناير 2011، مرة أخري ولكن بالعكس، أي تصدير الغاز الصهيوني لمصر.

وأكدت صحيفة “إسرائيل اليوم” بحث السيسي ونتنياهو في أمريكا تفاصيل هذه الصفقة قبل أن تخرج للنور قائله إن “عبد الفتاح السيسي، بحث هذه الصفقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورحبا بها”، وهذا أهم ما خرج به اجتماع السيسي ونتنياهو التطبيعي الثاني منذ انقلاب 3 يوليه 2013.

الشركة الإسرائيلية (ديليك للتنقيب لصاحبها رجل الأعمال الإسرائيلي يتسحاق تشوفا) أعلنت أنها اشترت 39% من الشركة المصرية بصفقة مقدراها 1.3 مليار دولار. بالشراكة مع شركة “نوبل إنرجي” الأمريكية، ما يعني حل مشكلة تصدر الغاز الصهيوني لمصر.

فحسب الاتفاق ستحصل “ديليك” و”نوبل إنرجي” على حق تشغيل خط الغاز الطبيعي لشركة EMG وتأجيره، وهو خط طوله 90 كلم، ويربط بين منشآت تسييل الغاز في مدينة أشكلون في الجانب الإسرائيلي، ومنشآت تسييل الغاز في مدينة العريش في الجانب المصري، وعبره سيتم نقل الغاز من حقلي “تمار” و”لفيتان” الإسرائيليين إلى مصر.

وجاء في تفاصيل الاتفاق أن الشراكة الإسرائيلية الأمريكية المصرية في الأنبوب ستتوزع على النحو الآتي: 25% لشركة ديليك، 25% لشركة نوبل إنيرجي، و50% لشركة غاز المتوسط.

ورحب وزير الطاقة، يوفال شتاينتس، بالخطوة قائلا إن “ترميم أنبوب الغاز الطبيعي الإسرائيلي – المصري، إلى جانب إنهاء بناء أنبوب الغاز إلى الأردن، يربط دول محور السلام بواسطة بنية تحتية إقليمية مشتركة للغاز”.

وأضاف: “هذه المرة الأولى التي تربط فيها بنية تحتية ذات أهمية جيوسياسية إسرائيل بجاراتها”.

ما الثمن الذي دفعته مصر؟

بحسب ما نشر من معلومات حول الاتفاق يتبين أن الأمر انطوي على صفقة كبيرة متبادلة مصر، قدمت فيها تل أبيب تنازلا جزئيا عن حجم التعويضات التي سبق أن قضت بها محاكم دولية على القاهرة، مقابل مكاسب بالجملة لدولة الاحتلال أبرزها التطبيع الاقتصادي وضمان بيع نفطها بأسعار خيالية لمصر وهي التي تدلل عليه ولا تعرف كيف تبيعه لأوروبا بسبب تكلفة نقله.

ويقول الخبير المصري المتخصص في شئون الغاز “نايل الشافعي” الذي سبق أن كشف أن الغاز الصهيوني مسروق من المياه الاقتصادية المصرية، أن التسوية مع إسرائيل حول تعويضات توقف مصر عن إمداد الغاز لإسرائيل، والتي فرض بموجبها تحكيم فرنسي غرامة على مصر 2 مليار دولار تضمنت أربع عناصر:

1-  تعهد مصر (شركة دولفينوس) باستيراد الغاز الإسرائيلي لمدة عشر سنوات بما قيمته 15-30 مليار دولار، والعقد الذي تم في فبراير 2017، قابل للتجديد.

2-  شراء إسرائيل أنبوب حسين سالم واستخدامه لنقل الغاز الإسرائيلي إلى عسقلان-العريش-القاهرة، وهوما تم في 27-9-2018.

3- شراء إسرائيل “أنبوب الغاز العربي” واستخدامه لنقل الغاز الإسرائيلي من حيفا-عمان-العقبة-طابا-العريش-القاهرة، وهو ما تم أيضا في 27-9-2018

4-  تمرير القانون الذي أصدرت مصر، في يونيو 2015 وديسمبر 2016، بشأن تحرير سوقي الكهرباء والغاز، واللذان اتاحا تشكيل شركات خاصة (بمساهمة أجنبية/إسرائيلية) لبيع الغاز والكهرباء مباشرة للمستهلك المصري، ولكن القاهرة ربطت تمريره بقبول إسرائيل تخفيض قيمة التعويض الدولي المحكوم بها به على مصر بدعوي أن مصر خالفت اتفاق مد الاحتلال بالغاز الطبيعي.

وتضمنت الصفقة موافقة شركة “غاز شرق المتوسط” على إنهاء المحاكم مع مصر وإسقاط الدعاوى بحق القاهرة، فيما يتعلق بإلغاء صفقة غاز مع إسرائيل قبل عدة سنوات، حسبما ذكرت شركة “ديليك دريلينغ” في بيان.

وأكدت شركة “ديليك دريلينغ” أنها ستمكن من البدء في تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر مطلع 2019 بموجب هذا الاتفاق.

وفي فبراير الماضي، تم توقيع اتفاقية وصفت بـ “التاريخية” بين ‎إسرائيل و‎مصر، وقعت بموجبها شركة “ديليك دريلينغ” الإسرائيلية مالكة حقلي الغاز “ليفياتان” و”تمار” مع شركة “دولفينوس” المصرية اتفاقية لتوفير الغاز الطبيعي من إسرائيل لمصر لمدة 10 سنوات بقيمة 15 مليار دولار، وبموجب الاتفاقية ستوفر إسرائيل لمصر 64 مليار متر مكعب من الغاز، ولكن وزارة البترول أعلنت أنها لن تسمح بإصدار تراخيص استيراد الغاز من إسرائيل ما لم يتم حل مشكلة النزاع القضائي والتعويضات، وهو ما تم بالاتفاق الأخير.

وفي تعليقه على الاتفاق، أكد حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول أن “الوزارة ترحب بهذه الخطوة الجديدة التي أقدمت عليها الشركات الخاصة القائمة على المشروع التجاري المزمع تنفيذه”، مشيرا لسعى وزارة البترول “لتسوية النزاعات القائمة مع المستثمرين بشروط تعود بالفائدة على جميع الأطراف”.

وسبق أن برر عبد الفتاح السيسي صفقة استيراد شركة “دولفينوس” الخاصة التابعة للمخابرات المصرية، للغاز الاسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، بأنها “ستدعم مركز مصر كمركز اقليمي للطاقة في الشرق الأوسط”، وتشغيل منشأت تسييل وتكرير الغاز المصرية المتوقفة والمعطلة منذ نضوب الغاز في الحقول المصرية وتوقف التصدير الي اسرائيل، في إشارة لتعطل خط أنابيب الغاز الذي كان يجري التصدير منه لإسرائيل، وكذا معملي تسييل الغاز في دمياط وادكو.

وتحدث السيسي كأنه كان يبحث لإسرائيل عن مخرج لتصدير غازها الذي يعاني منافسه كبيرة في أسواق الغاز ويصعب تصديره لأوروبا دون المرور عبر أنابيب مصر وتسييله أولا، فذكر أنه كان هناك 3 خيارات (يقصد أمام اسرائيل لتصدير غازها) هي: أن تصدره الي تركيا عبر انبوب جديد تحت البحر ومنها لأوروبا، أو أن تقوم بنقله عبر حاويات تسييل الغاز لأوروبا، وكلاهما خيار مكلف لإسرائيل.

أما الخيار الثالث فكان عن طريق مصر التي لديها تسهيلات ومنشآت للتعامل مع الغاز الطبيعي الخام غير موجودة في أي دولة بشرق المتوسط، زاعما أن هذا سيجعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة في شرق المتوسط، على اعتبار أنها سوف تجني (عبر الشركة الخاصة) أرباحا علي نقل الغاز الصهيوني إلي أوروبا عبر مصر.

إذ يطمح السيسي إلى جذب الغاز الخام المكتشف في كل من قبرص وإسرائيل ولبنان ودول المنطقة الأخرى ومعالجته في منشآت مصر ومصنعي الإسالة في دمياط وإدكو المعطلين قبل إعادة تصديره لأوروبا والحصول على عائد كوسيط.

ولكن تعليقات المحللين الإسرائيليين والمصريين أشارت لعكس ما يثار في الإعلام المصري من أنه سيحول مصر لمركز اقليمي للطاقة، وأن الاتفاق يخدم اسرائيل ولا يخدم مصر لأنه الغاز الذي سوف تستورده من اسرائيل سيكون للاستهلاك المحلي ويصعب تصديره لأنه سيكون أغلي من الغاز الروسي المنافس الذي تستورده أوروبا.

حيث كشف الكاتب “ديفيد روزنبرغ” في تقرير نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن اتفاق تصدير الغاز بين القاهرة وتل أبيب يفيد إسرائيل وأنه سيكون غالبا للتصدير لمصر فقط بسبب صعوبة تكاليف نقله مسيلا لأوروبا

والأهم أن الاتفاق سوف يتضمن حلا للنزاع القائم حول القرار التحكيمي الصادر بتغريم مصر 1.76 مليار دولار لصالح إسرائيل منذ قطع الغاز المصري عنها سابقا وهو ما يبدو أنه تم الاتفاق عليه دون إعلان فهل وافق السيسي علي تصدير غاز من حقل ظهر المصري باسم إسرائيل مقابل هذا التعويضات؟

لهذا قال السيسي علي نفس طريقة الترويج لتفريعه قناة السويس التي لم تحقق أي مكاسب حتى الآن: “إحنا جبنا جون يا مصريين في الموضوع ده .. إننا نبقى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة”.

ويوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول مصنع إدكو، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة؛ والآخر في دمياط ويتبع شركة يونيون فينوسا الأسبانية الإيطالية ويضم وحدة واحدة فقط.

وتساهم وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في مجمع مصنع إدكو من خلال الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» بنسبة 12%، والهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12%، فيما تتوزع باقي الحصص بين شركة بريتش جاز (شل حاليًا) بـ35.5%، وبتروناس الماليزية بـ35.5%، وجاز دي فرانس الفرنسية (إنجي حاليا) بنحو 5%.

كما تدير شركة يونيون فينوسا مصنع دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، والذي يخضع لملكية مشتركة بين يونيون فينوسا وشركة إيني الإيطالية بنسبة 80% من المشروع. أما باقي الأسهم فتملكها الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي «إيجاس» بنسبة 10%، والهيئة المصرية العامة للبترول (10%.

وبموجب الاتفاق ستقوم شركة “ديليك دريلينج” الإسرائيلية وشريكتها “نوبل إنرجي” بتوقيع اتفاقيتين ملزمتين مع شركة “دولفينوس القابضة” التي يملكها رجل الأعمال علاء عرفة (ابن اللواء طيار أحمد عبد المقصود عرفة صديق مبارك وصاحب شركات جولدن تكس والتي كان يعمل بها الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام)، لتصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفايثان على مدار 10 سنوات في اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار.