استثماراتها بـ20 مليار دولار.. هروب شركة صينية من العاصمة الجديدة

- ‎فيتقارير

في ضربة جديدة لجنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، تعثَّرت المباحثات بين حكومة العسكر وشركة المعمار الصينية CFLD (شركة تنمية الأراضي الصينية) حول تطويراتٍ بقيمة 20 مليار دولار في العاصمة الإدارية الجديدة، بحسب ما نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية، الأحد 16 ديسمبر 2018م. ونقلت الوكالة الأمريكية عن مسئولين بحكومة الانقلاب أن سبب الخلافات كان حول كيفية تقسيم عوائد المشروع.

وباستثناء حي الأعمال، الذي تتولَّى تطويره شركةٌ صينيةٌ أخرى، فقد أُوكِلَت كافة أعمال التطوير في العاصمة الجديدة حتى الآن إلى وزارة الإسكان المصرية، والجيش، والمقاولين المصريون الذين ابتاعوا العديد من قطع الأراضي الصغيرة بصورةٍ مباشرةٍ.

وأفاد خالد الحسيني، المتحدث باسم الشركة المشرفة على مشروع العاصمة الجديدة، بأنَّ مصر طلبت 40% من عوائد المشروع، فيما عرضت الشركة الصينية 33%. وقال: «وجدنا ذلك غير مقبولٍ، لا سيما أنَّهم كانوا سيمتلكون قطعة أرض مميزة».

وبحسب الوكالة الأمريكية، انتهى عامان من المفاوضات الصعبة بعدما أرسلت سلطات الانقلاب ردًّا على المقترح الأخير من شركة تنمية الأراضي الصينية، بخصوص عقد مدته 25 عاما، يهدف إلى تطوير 15 ألف فدانٍ في العاصمة الإدارية الجديدة. وصرَّح أحمد زكي عابدين، رئيس الشركة التي تأسست للإشراف على بناء العاصمة الجديدة، لوكالة Bloomberg قائلًا: «لم نتلقَّ منهم ردًّا.. لقد توقفت المفاوضات».

وترجح الشبكة الأمريكية أن يثير الفشل في التوصُّل إلى اتفاقٍ التساؤلات حول قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضرورية لتنشيط النمو الاقتصادي. لكنَّه ربما لن يثني الشركات المملوكة للحكومة الصينية عن البحث عن فرصٍ أخرى في الدولة العربية، بفضل العلاقات القوية بين الحكومَتَين.

تضيف “بلومبرغ” أن الفرع العالمي لشركة تنمية الأراضي الصينية رفض التعليق. ولم يستجب مسئولو الشركة في مصر لطلبات التعليق. ومن ناحيته، قال خالد عباس، مساعد وزير الإسكان المصري لشئون المشروعات القومية: إنَّ السلطات قد تتعاون مع الشركة الصينية في عمليات تطويرٍ أخرى، ولكن ليس في العاصمة الجديدة. وصرَّح هاتفيا: «قد يكون هذا بديلا عن مشروع العاصمة الجديدة»، دون توضيحٍ منه.

وتعاني حكومة الانقلاب من عدم قدرتها على استقطاب الاستثمارات الأجنبية الكبرى فيما عدا قطاع البترول والغاز الطبيعي. وحتى بعد تعويم العملة في نوفمبر 2016 واتِّخاذ إجراءاتٍ قاسية للحصول على قرضٍ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 200 مليون دولار ليصل إلى 7.7 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2018.

يُذكَر أنَّ الشركة الصينية كانت قد بدأت التفاوض مع حكومة العسكر  في يونيو 2016، ووقَّعت على مذكرة تفاهمٍ في أكتوبر من ذلك العام، وافقت فيها على تولِّي مهام التخطيط والتطوير والإدارة والتسويق لقطاعٍ من العاصمة الجديدة.

وتُعَد العاصمة الإدارية الجديدة واحدة من عدَّة مشروعات كبرى أطلقها جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي منذ اغتصابه للسلطة منتصف 2013م، سعيا لإنعاش الاقتصاد وترك بصمته على أعلى الدول العربية كثافةً سكانيةً.

ويطمح مشروع العاصمة الإدارية المقسَّم لثلاث مراحل إلى تحويل مساحةٍ صحراويةٍ تبلغ 700 كم مربع إلى مركزٍ حديثٍ للمباني الحكومية والسفارات الأجنبية والشركات الكبرى. ويهدف ذلك المشروع إلى تخفيف الضغط على القاهرة التي تعاني من الاختناق المروري، وهي المدينة الواسعة التي يعود تاريخها إلى ألف سنة وتُعَد موطِنا لـ23 مليون نسمة. ومن المقرَّر انتهاء المرحلة الأولى من مشروع العاصمة الإدارية بحلول منتصف العام المقبل 2019.

حصن السيسي خوفًا من الثورة

ونشرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي تحليلًا مطولًا على موقعها الإلكتروني، في 29 نوفمبر 2018م، تناولت فيه بالنقد والتحليل مشروع العاصمة الإدارية، ووصفته بــ”جدار الخوف” الذي يشيد لفصل الشعب عن الدولة.

وقالت كارنيغي، إن المدينة الجديدة “وديان” ستكون شبيهة بالمنطقة الخضراء التي أنشأتها قوات الاحتلال الأمريكي إثر غزوها العراق عام 2003 لتحصين المباني الحكومية والإدارية، مشيرة إلى أنها تكشف عما يخطط له السيسي لمصر.

وأوضحت المؤسسة- التي تتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرًا لها- أن “وديان” القابعة وسط سكون الصحراء الموحش تنطوي على رمزية مفادها أن الشعب المصري “لا مكان له في رؤية السيسي” المستقبلية. ولأن الدخول إلى المدينة الجديدة سيكون مقيدا، فيمكن القول ساعتئذ إنها بمثابة “جدار الخوف” الذي يشيد لفصل الشعب عن الدولة، بحسب تعبير مؤسسة كارنيغي.

وعدّد المقال تجاوزات وانتهاكات السيسي لحقوق مواطنيه منذ اعتلائه سدة الحكم عام 2013، وما صاحب ذلك من إجراءات قمعية كان الهدف من ورائها إسكات أصوات كل المعارضين، بالعنف أحيانًا وبالسجن والترهيب أحيانا أخرى.

وأشار إلى أن مؤسسات المجتمع المدني لم تسلم من بطش السيسي الذي طال وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية الخاصة والأحزاب السياسية.

وكان العميد المتقاعد خالد الحسيني سليمان- الذي كان المتحدث الرسمي باسم اللجنة المشرفة على مشروع بناء العاصمة الجديدة- قد كشف في مقابلة أجرتها معه قناة (إن بي سي) الإخبارية، في أغسطس الماضي، أن الجيش سيتولى الإدارة والإشراف على المدينة برمتها عبر مركز للقيادة والتحكم.

وترى مؤسسة كارنيغي أن هذا الترتيب “المريح”- الذي تعتبره ثاني أكبر إنجازات السيسي- بمثابة إعادة توجيه لمسار الاقتصاد المصري والحكومة “خدمة لمصالح جيشها”.

وفي هذا السياق، أشار المقال إلى أن الجيش يمتلك عشرين شركة تجارية تدر عليه إيرادات هائلة معفاة من الضرائب، كما يملك مساحات شاسعة من الأراضي وغير ذلك من الامتيازات.

وربطت مؤسسة كارنيغي بين توجهات السيسي نحو تمرير تعديلات دستورية تفضي لبقائه في الحكم فترة أطول وبين مشروع العاصمة الجديدة، ففي منتصف 2020 سيجد السيسي في المنطقة الخضراء “وديان” المحاطة بجنود الجيش- والتي تعج بالموظفين المدنيين والدبلوماسيين الأجانب- ملاذا يحتمي فيه بعيدًا عن ضوضاء القاهرة ودون أن تؤرقه حشود غاضبة على أعتاب قصره الرئاسي، وسيكون من العسير بكل تأكيد تخيل آلاف الجماهير تحتشد أمام المباني الحكومية بالعاصمة الجديدة- على غرار ما حدث إبان ثورة يناير 2011- لتطالب بتغيير النظام.

لكن “كارنيغي” قالت إن ذلك لن يعجز الشبان الأذكياء والإسلاميين ورجال الأعمال الساخطين وضباط الجيش الطموحين الذين ربما يجدون وسائل لهدم قلعة السيسي “الرملية”، في إشارة إلى هشاشة النظام الذي يحتمي بالرمال بدلا من العدالة والحكم الرشيد.