استحداث وحدة بالمخابرات لتوظيف «حروب الشائعات» لصالح النظام

- ‎فيتقارير

هناك اعترافات للواء حسن الرويني، عضو المجلس العسكري سابقا وقائد المنطقة المركزية السابق، على قناة دريم منتصف عام 2011م، يؤكد فيها أنهم كانوا يطلقون الشائعات للتحكم في أحداث الثورة. خاصة أن الشائعات تعد واحدة من أهم معالم الحرب النفسية التي يتم تدريسها في الكليات الحربية، ليس في مصر بل في العالم بأثره للتأثير في نفسية العدو. ومن المعروف أن النظام العسكري الحاكم في مصر اعتاد منذ عقود إطلاق الشائعات قبل اتخاذ أي قرار يخشى عواقبه، وكان يُسمي ذلك بسياسة “جس النبض”.

وأمام فشل النظام العسكري على كافة المستويات والأصعدة، ورصد تنامي معدلات الغضب والرفض الشعبي لتوجهات وسياسات النظام، الأمر الذي انعكس تلقائيا على شعبية الجنرال عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، التي تآكلت بشدة منذ قرارات التعويم في نوفمبر 2016م، ورفع أسعار الوقود والسلع والخدمات الرئيسة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات وتعريفة الركوب وغيرها، استحدث النظام وحدة خاصة جديدة في إدارة جهاز المخابرات العامة، للتعامل مع ما وصفها بالشائعات، واستعان- إلى جانب ضباط في الجهاز- بخبراء متخصصين في مجال العلوم الاجتماعية، وعلم النفس، وما يُعرف بـ”حروب الشائعات”.

ومن ضمن خطط الوحدة: التعامل بشكل استباقي مع الهجوم والنقد الذي يتعرض له النظام من معارضيه، عبر تشويههم تارة، أو تسريب وبث عدد من المعلومات والأخبار المغلوطة على مواقع التواصل، ثم نفيها ببيانات صحيحة ودقيقة، من جهات حكومية رسمية، وذلك لهز ثقة المواطنين فيما يتم نشره بشكل عام، وتداوله لاحقا على “سوشال ميديا”، لزرع الشك لدى المواطنين، وتأهيليهم لتكذيب المعلومات الصحيحة.

تضخيم مصطلح “الشائعات”

ويعمل النظام على تضخيم مصطلح “الشائعات”؛ وذلك لمواجهة عمليات الانتقاص مما يسمى بـ”المشروعات القومية”، وقرارات السيسي الخاصة بـ”الإصلاح الاقتصادي”، ويعزز ذلك أن رأس النظام نفسه هو من أعلن عن رصد 21 ألف “شائعة” في 3 أشهر، معتبرا أن انهيار الدول يبدأ من الداخل عبر الشائعات، وهو التصريح الذي سبقته تمهيدات إعلامية كبيرة اتفقت على طريقة مواجهة مروجي الشائعات عبر القوة الغاشمة، واختلفت في الأرقام التي تدرجت ما بين 60 ألف شائعة- ووصلت بعد ضبط جهاز رصد الشائعات- إلى 21 ألف شائعة فقط.

ويستند هذا التوجه إلى تعظيم مصطلح الشائعات في وسائل الإعلام، ولصقها دوما بجماعة “الإخوان المسلمين” وأنصارها، مع تكريس بعض أجهزة وقطاعات الدولة للقيام بدور الرد على المعارضين، ووصف انتقاداتهم بـ”الشائعات التي تستهدف هدم الدولة المصرية”. وتقوم المخابرات بإرسال بيانات لعدد من الجهات الدينية، وفي مقدمتها مرصد الفتاوى التابع لدار الإفتاء، لإضفاء نوع من القدسية على تلك البيانات الصادرة عنها”، وهو المرصد الذي أصدر بيانات عدة، يحذر فيها مما يسمى بالشائعات التي تنشر على وسائل الإعلام، ومواقع الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي”.

سياسة تسريب الشائعات

يعد النظام العسكري هو المصدر الأول لجميع ما يمكن وصفه بالشائعات؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف، منها مثلا التشكيك في الأخبار الصحيحة التي تضر بشعبية النظام، ومنها كذلك رسائل تهديد لجهات داخل النظام أو للمعارضة، ففي 25 أغسطس الماضي، سرّب النظام معلومة عن شروع الاستخبارات في حملة اعتقالات لعدد من ضباط الجيش في مدينة نصر، ومصر الجديدة، شرقي العاصمة القاهرة، وهي المعلومة التي لم يتسن تأكيدها أو نفيها، وهدفت إلى إحداث حالة من الخوف لدى الضباط في المؤسسة العسكرية، خصوصا في صفوف القيادات الوسطى، والتي قد يكون لديها اعتراضات على توريط النظام للمؤسسة في دهاليز السياسة، وما يطاولها من انتقادات من جراء ذلك.

ومن أهداف النظام كذلك لجم الأفواه، والإجبار على تبني الخطاب الرسمي للنظام، وذلك في محاولة لحصار العقل والمنطق و”التوقع والتحليل والاستنتاج”، عبر اتهام كل صاحب وجهة نظر بأنه من مروجي الشائعات.

وصباح كل جمعة، يخرج مركز معلومات مجلس الوزراء، لينفي مجموعة من الشائعات التي جرى ترويجها على مدار الأسبوع، في تقرير مجمع له، ويكون من بينها “شائعات مختلقة” من النظام نفسه، لم يجر تداولها من جانب المعارضين أو من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من الأصل، لجعل المواطنين حاضرين نفسيا لتكذيب أي إجراءات أو قرارات مرتقبة للنظام.

وكذّب مركز معلومات مجلس الوزراء ما يتردد عن اتجاه الحكومة نحو خصخصة مرفق السكك الحديد، بذريعة أنه مملوك للدولة، علما أن مجلس النواب وافق نهائياً في مارس الماضي، على تعديل بعض أحكام قانون إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديد على مستوى الجمهورية.

ونفى أيضا عدم حذف أي مواطن من البطاقات التموينية خلال المرحلة الحالية، بخلاف الأفراد المتوفين، والمسافرين، والأسماء المكررة على أكثر من بطاقة، في حين أن التصريحات الرسمية الصادرة عن مسئولين في وزارة التموين، تؤكد اعتزام الوزارة حذف نحو 12 مليون مواطن مقيد على 3 ملايين بطاقة تموينية خلال الفترة المقبلة، في إطار منظومة تحديث بيانات البطاقات، والتي تنتهي مرحلتها الأولى في 8 نوفمبر المقبل.

الواقع أكبر من “الشائعات”

ويتناسى أو يتجاهل النظام وأجهزته ومخابراته، أن الواقع الذي يعيش فيه الناس لا يحتاج إلى شائعات لتنتقص من النظام وتروج فشل سياساته وتوجهاته سياسيا واقتصاديا على كافة الأصعدة والمستويات، فهل الغلاء شائعة أم حقيقة؟ ورغم أن النظام عبر أبواقه الإعلامية حاول اتهام التجار بالجشع والتسبب في موجات الغلاء المتلاحقة لكن الشعب على يقين تام أن قرارات النظام هي السبب، فمن أطلق تعويم الجنيه أمام العملات الأخرى وأفضى إلى تآكله لأكثر من الضعف؟ ومن اتخذ قرارات رفع الوقود 4 مرات منذ 2014 حتى اليوم بنسب وصلت إلى 500%؟ ومن رفع أسعار جميع الخدمات الكهرباء والمياه وتذكرة المترو واستخراج  الوثائق والأوراق الثبوتية بنسبة تصل إلى 600%؟ هل هو المواطنون أم النظام أم أنها أيضا شائعات؟!

وهل تضخم الديون حتى وصل حجم الدين الخارجي إلى 92,6 مليار دولار، في يونيو الماضي، بحسب تصريحات رئيس الوزراء، ووزير المالية، وقد كانت 44 مليارا فقط قبل انقلاب 30 يونيو هل هذا أيضا من الشائعات أم حقيقة تؤكدها تصريحات المسئولين؟!  ولماذا بلغت مستويات الدين المحلي 3,4 تريليون جنيه وقد كانت قبل الانقلاب “1.5” تريليونا فقط.. فهل هذه أيضا شائعات؟.