«التطرف العلماني».. السبب الأبرز في هزيمة المعارضة التركية أمام أردوغان

- ‎فيعربي ودولي

يبدو أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى فشل المعارضة التركية في وقف صعود الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، يعود إلى إصرار هذه الأحزاب وخصوصا حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه الطاغية مصطفى كمال أتاتورك، على التمسك بالعلمانية في نسختها المتطرفة، التي تعادي معتقدات وثقافة الغالبية العظمي من الشعب التركي، التي تعود إلى الجذور الإسلامية التي نشأت عليها الدولة العثمانية منذ الزعيم أرطغرل بن سليمان شاه وأحفاده السلاطين من بعده.

وأرجع الكاتب والمحلل السياسي السفير علاء الحديدي، هزيمة المعارضة التركية أمام الرئيس رجب طيب أردوغان وتحالف حزبي العدالة الاجتماعية والحركة القومية، في انتخابات الرئاسة والبرلمان التي جرت في 24 يونيو الماضي، إلى نزوعها نحو التطرف العلماني وعدم احترام الخلفية الدينية والثقافية لعموم الشعب التركي.

وفي مقاله «تركيا.. ومحاولة فهم ما حدث»، المنشور اليوم الثلاثاء 3 يوليو 2018م، يتهم الحديدي الزعيم التركي بالنزوع نحو الديكتاتورية، وفق زعمه، لكنه يعزو أسباب فوز أردوغان، إلى نجاحه في التخلص من الكثير من القيود، وتغيير العديد من القوانين التى تتعارض مع الموروث الثقافى والدينى للكثير من المواطنين الأتراك، واعتبر ذلك عاملا مهما فى زيادة شعبيته، والتأييد الذى كان قد حصل عليه لنجاحه فى مضاعفة الدخل القومى لتركيا ثلاث مرات خلال السنوات العشر الأولى من حكمه، وتوسعه فى تقديم جميع أشكال الدعم والخدمات الاجتماعية، وهو ما انعكس إيجابيا على قاعدة عريضة من المواطنين. ولذلك أيضا استمرت شعبية أردوغان.

ويشير الحديدي، الذي عمل سفيرا سابقا في تركيا، إلى أن المشهد التركي منذ عقود طويلة، ينقسم إلى نخبة علمانية تعيش في العاصمة والمدن الكبرى على غرار النموذج الغربي الأوروبي في كل شيء، بينما تبقى الغالبية من المجتمع في القرى والريف والمناطق الشعبية تلتزم بقيمها وثقافتها الدينية من ارتداء النساء للحجاب وغيره من مظاهر التدين.

“3” أمثلة على التطرف العلماني

ويسوق الحديدي- الذي تولى السفارة في 2007، والذي تزامن مع انتخاب عبد الله جول رئيسا للبلاد قبلها بأسابيع قليلة، واحتدام الصراع السياسى بين النخبة العلمانية وحزب العدالة والتنمية- ثلاثة أمثلة على تطرف النخبة العلمانية:

الأول: عندما تلقت السفارة دعوة من إحدى الشركات الكبرى لحضور حفل استقبال بها لمناسبة ما، وذلك خلال شهر رمضان المعظم، وكان حفل استقبال على النمط الغربى، بما فى ذلك تقديم مشروبات روحية دون أدنى اعتبار لشهر رمضان أو للحضور من الصائمين.

الثاني: عندما حضرت مجموعة من ضباط الداخلية المصرية للمشاركة فى دورة تدريبية تنظمها أكاديمية الشرطة التركية، وكيف ضغطت لتغيير البرنامج ليأخذ فى الاعتبار صلاة الجمعة، وهو ما كان يمثل تنازلا كبيرا من جانب الداخلية التركية آنذاك، والتى كانت تقوم بإعفاء أى ضابط وطرده من الخدمة لأدائه أبسط الشعائر الدينية؛ باعتبار ذلك مناهضا لسياسة الدولة.

والثالث وهو أهمها، والأكثر حدة ووضوحا على ممارسات هذه النخبة العلمانية: كان الموقف من الحجاب، والذى كان يحتل موقع الصدارة فى العديد من المعارك السياسية التى دارت بين هذه النخبة «العلمانية» وبين حزب العدالة والتنمية «المحافظ اجتماعيا»، وما يمثله من قاعدة اجتماعية. فقد كان محظورا على من ترتدى الحجاب مثلا دخول الجامعة والتسجيل بها، أو العمل فى أى من مؤسسات الدولة ودواوينها الحكومية. ولذلك كان من أولى الأزمات التى نشأت بين هذه النخبة التركية العلمانية وبين الرئيس جول؛ حين رفض قادة الجيش أداء التحية العسكرية له فى العرض العسكرى بمناسبة يوم الجيش؛ نظرا لارتداء زوجته الحجاب. هذا بالإضافة إلى منع دخولها لقصر الرئاسة باعتبار أن ذلك يمثل انتهاكا لقيم ومبادئ «العلمانية» التى صاغها مؤسس الدولة كمال أتاتورك، وتلتزم بها جميع مؤسسات الدولة. وقد كسب جول معركة دخول المحجبات القصر الجمهورى حين دعا زوجات الشهداء من الجنود للإفطار بالقصر فى شهر رمضان تكريما لهن. وكان معظمهن زوجات لجنود من القرى والأحياء الشعبية ويلتزمن بارتداء الحجاب، وهو الأمر الذى لم يستطع قادة الجيش الاعتراض عليه، فدخلت المحجبات زوجات الشهداء القصر الجمهورى وسقطت إحدى قلاع العلمانية الأتاتوركية.

إصرار على التطرف العلماني

وحول موقف حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه الطاغية أتاتورك، يرى السفير الحديدي أن مرشح الحزب محرم إنجه والذي حل ثانيا بعد أردوغان ب30ـ% من نسبة الأصوات، لم يستطع أن يخرج عن القاعدة الإنتخابية «الأتاتوركية العلمانية» لهذا الحزب فى المدن والمناطق الحضرية وخاصة المتواجدة منها فى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط. فرغم محاولته اختراق القاعدة الانتخابية لأردوغان بالعمل على طمأنتهم من بعض مواقف وممارسات حزبه كقوله أنه ليس ضد الحجاب أو حتى قيامه بالصلاة يوم الجمعة فى أحد الجوامع الشهيرة، إلا أن ذلك لم يشفع له. فقد ظل الخطاب السياسى للمعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهورى أسيرا لمبادئ «العلمانية الأتاتوركية»، ودون تطوير نفسه وبما يتلاءم مع التغييرات التى حدثت فى المجتمع نتيجة الإصلاحات التى أقدم عليها أردوغان وحزبه.

على الجانب الآخر، فقد استطاع أردوغان أن يعوض بعض التراجع فى شعبية حزبه (بلغ التراجع ٧٪ )، بالعمل على استمالة التيار القومى لصالحه. وبعد أن كان أردوغان يحرص على تقديم نفسه للغرب كنموذج للتيار المحافظ اجتماعيا بجذور إسلامية معتدلة، فقد بات يتبنى خطابا قوميا معاديا للغرب، مع تصوير نفسه على أنه الزعيم الوحيد القادر على مواجهة مؤامرات الغرب وخططه، وهو الأمر الذى يشى بمدى اعتماد أردوغان المتزايد على أصوات القوميين الأتراك، وإدراكه أن استمرار نجاحه بات مرهونا بالحصول على دعمهم. هذا التحالف بين المحافظين الإسلاميين من ناحية، مع القوميين الأتراك من ناحية أخرى، سيكون له تداعياته المنتظرة على الكثير من سياسات تركيا الداخلية والخارجية، وفقا للحديدي.