الجباية وليس التطوير .. وراء سيطرة السيسي على الاقتصاد غير الرسمي

- ‎فيتقارير

في ظل الفشل الذريع الذي مني به الاقتصاد المصري، عقب الانقلاب العسكري، أثَّر فشل العسكر في إدارة شئون البلاد والسيطرة القمعية من قبل شركات الجيش على الاقتصاد وكل المناقصات بالأمر المباشر ، وحرمان ميزانية مصر من العوائد والرسوم والضرائب، التي تعفى منها شركات الجيش بقوة العسكر .. لم يعد أمام السيسي أي طريق للجباية من ورائه ومحاولة إنقاذ موازنة البلاد من العجز الكبير، سوى الجري وراء الباعة الجائلين وملاحقة صغار العمالة غير الرسمية والموسمية وأصحاب الفُرُشِ البسيطة في الأسواق والطرقات والشوارع، بدعوى ضمهم للاقتصاد الرسمي، تحت دعاوى الشمول المالي، والذي يستثنى منه اقتصاد الجيش وشركات الداخلية العاملة بالاقتصاد .

دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، إجراء اقتصادي منشود في الاقتصادات العالمية القائمة على التطوير والتوازن بين الحقوق والواجبات، بحيث يجري توفير الخدمات الاجتماعية والتأمين والمعاشات والخدمات الصحية لأصحاب الاقتصاد غير الرسمي، بالمقابل مع دفع الضرائب والرسوم .. أما في مصر فالأمر مختلف ، خاصة في ظل حكومة الجباية.

ففي محاولات مستميتة من جانب حكومة العسكر، تعمل على دمج الاقتصاد غير الرسمي ليكون تحت مظلة وزارة المالية؛ من أجل الاستفادة بجزء من عائداته المالية الضخمة، خاصة أنَّه لا يدخل ضمن الناتج الإجمالي القومي، وليس له أية بطاقات ضريبية أو تجارية رسمية.

ويبلغ حجم الاقتصاد غير الرسمي ما بين 40% و60% من حجم اقتصاد الدولة، وفق تقديرات رسمية، ويشتغل به ملايين المصريين، ما يوازي حوالي من 2 إلى 3 تريليونات جنيه .

وعلى هامش المؤتمر المشترك بين حكومة السيسي وصندوق النقد الدولي، كشف رئيس حكومة الانقلاب، أنَّ هناك جهودًا كبيرة تبذل لضم الاقتصاد غير الرسمي، الذي يمثل 40% من الناتج المحلي، والاستفادة من المزايا الممنوحة للمستثمرين، دون أن يوضح طبيعة تلك المزايا والحوافز.

وتوقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن تفشل محاولة الحكومة؛ بسبب غياب الرؤية الاقتصادية، ووضع بند “الجباية” في اعتباراتها قبل كل شيء من أجل سد عجز الموازنة ليس إلا.

الاقتصاد غير الرسمي يمتص عددًا كبيرًا من العمالة الموسمية فيقلل من نسبة البطالة ، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، الذي أرجع أسباب اهتمام الحكومة بملف الاقتصاد الموازي لإخفاق الحكومة في زيادة حجم الناتج القومي، وسيحقق للحكومة الفاشلة هدفها في زيادة الناتج القومي، بجانب تحصيل رسوم وضرائب جديدة. مشيرًا إلى أن “حجم الاقتصاد الموازي هو تريليونان ومائتا مليار جنيه، ويحرم الدولة من ضرائب تُقدر بنحو 130 مليارًا”.

وتوقع فشل الحكومة في مسعاها، قائلاً : “لن تنجح في دمج الاقتصاد الموازي وإلا لكانت نجحت في السنة الأخيرة من برنامج صندوق النقد الدولي في السيطرة على عجز الموازنة المرتفع، أو القروض وخدمة الدين التي وصلت لـ 520 مليار جنيه، وأضاعت الطبقة الوسطى”، مشيرًا إلى أن “كل إجراءات الحكومة الحالية الاقتصادية وراء الفشل الاقتصادي الذي نعاني منه”.

وقال رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب السابق، النائب صابر أبو الفتوح : “إنه من أجل مواجهة العجز المستمر بالموازنة العامة للدولة لجأ نظام السيسي إلى فرض الضرائب، ورفع الدعم، ومن ثم بدأ يفكر في الاستفادة من أموال الاقتصاد الموازي، والذي استطاعت فئة من الشعب الكادحة من خلاله خلق فرص عمل لهم”.

وألقى باللوم على نظام السيسي في “تبديد أموال المساعدات، وعسكرة الاقتصاد القومي بنسبة 90%، إلا أن فشل السيسي في إدارة ملف الاقتصاد جعلته عاجزًا أمام حجم الديون المتزايد وأعبائها، فبدأ – استجابة لشروط صندوق النقد الدولي – في بيع شركات قطاع الأعمال العام، وتسريح العمال، وزيادة البطالة”.

برلمان السيسي يسارع

عادت مسألة دمج الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي إلى دائرة اهتمام برلمان العسكر، بالتزامن مع تصريح شريف إسماعيل رئيس مجلس وزراء الانقلاب ، بأن تقديرات حجم الاقتصاد غير الرسمي وصلت إلى 1.8 تريليون جنيه، إذ أكد النواب على أن القضية تحتل أهمية كبرى لدى البرلمان خلال دور الانعقاد الثانى، خاصة وأن تحقيق الدمج يحتاج إلى ثورة تشريعية، مرجحين أسباب نمو وازدهار الاقتصاد غير المنظم بسبب معوقات الإجراءات الخاصة بإصدار التراخيص واشتراطات البنوك لمنح التمويلات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.

وقال عمرو غلاب رئيس لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس نواب العسكر، إن الرقم الذى أعلنه شريف إسماعيل رئيس حكومة الانقلاب حول حجم الاقتصاد غير الرسمى بأنه 1.8 تريليون جنيه، رقم تقديرى حيث أنه لا يوجد لدى الحكومة أرقام حقيقية بحجم الاقتصاد غير الرسمي .

وأوضح غلاب فى تصريحات صحفية، إن دمج الاقتصاد غير الرسمي يتطلب إيجاد خطوات إيجابية للعاملين به حول ما هي الفائدة والمردود الذي يعود عليه كي ينضم للاقتصاد الرسمي ؟ وعلى سبيل المثال توفير مظلة تأمين اجتماعي وصحي ووضع روشتة حوافز لتشجيع العاملين بالاقتصاد غير الرسمي لتحقيق عملية الدمج.

وأشار رئيس لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس نواب العسكر، إلى أنه لابد من وضع حزمة قرارات تمكن الدولة من تحقيق دمج الاقتصاد غير الرسمي إلى الرسمي ، ومن بينها غلق التعامل بالمدفوعات النقدية ووضع حد أقصى للتعامل، وما يزيد عنه يشترط حسابًا بنكيًأ ووجود بطاقة ضريبية وسجل تجارى، فضلاً عن أنَّ دخول الشركات الصغيرة للاقتصاد الرسمي تساعد على مزيد من التنافسية بما ينعكس على المستهليكن، بالإضافة إلى تفعيل الدور الرقابي للحكومة لوضع حصر للاقتصاد غير الرسمي.

فيما أكد النائب مدحت الشريف، إن الاقتصاد غير الرسمي ليس مقصورًا على الباعة الجائلين، موضحًا أن هناك أنشطة اقتصادية تدر كثيرًا من الأرباح وغير مسجلة، مثل أعمال السمسرة العقارية وعمليات نقل المواطنين بشكل أو آخر مثل شركة أوبر وكريم، وكلها اقتصاديات تعمل بالمليارات ولا تدفع ضرائب.

مخاطر الدمج بالقوة

وبحسب خبراء ، فإن عملية الدمج لن تأتي من خلال المواجهات الأمنية وتشريع قانون لتغليظ عقوبات، لأن المشروعات غير الرسمية توفر دخلاً لعدد ضخم من الأسر التى تعيش فى مصر فى هذه المرحلة الاقتصادية، وبالتالي لا يمكن غلقها ومنع ممارساتها بشكل مباشر لما تحققه من أثر سلبي ، بالإضافة إلى أن هذه المشروعات توفر سلعًا محدودة السعر إلى حد ما، وجزء كبير منها يوفر للفئات الأكثر احتياجًا في مصر وتساعدهم على تحمل الظروف المعيشية الصعبة، فى ظل إجراءات ما يسميه السيسي “الإصلاح الاقتصادي”، بالإضافة إلى أن ممارسة النشاط تبعدهم عن الدخول في الجريمة والانخراط فى الأعمال الخارجة عن القانون لتحصيل دخل لأسرهم .

وخلال الفترة الأخيرة ، سارع برلمان المخابرات نحو الدمج بالقوة التشريعية الناعمة في ظاهرها، من تحصيل رسوم وضرائب من عربات الأكل والفول والبطاطا المتنقلة، وتشريع لمهنة “الركين” في الشوارع، وغيرها من التشريعات التي تستهدف الجباية .. وهكذا يعوض السيسي فشله في زيادة الناتج القومي، من جيوب الغلابة!