“الداخلية”.. كيف تحولت إلى كيان إرهابي يقتل المصريين؟

- ‎فيتقارير

أينما وليت وجهك في مصر ستجد الدماء على الإسفلت والرصيف، وآخر تلك الدماء تصفية 40 ضحية ألقاهم حظهم العاثر في طريق الانقلاب، وصفتهم داخلية الانقلاب بـ”الإرهابيين” بعد ساعات من تفجير حافلة سياحية في الجيزة، أودى بحياة 4 ضحايا تم اختيارهم بعناية من فيتنام، وذلك بعد يومين من مقتل 8 ضحايا آخرين برصاص ميليشيات الأمن، في حادث تتشابه ظروفه مع حالات التصفية التي تُعلَن منذ الانقلاب العسكري عام 2013.

وتأتي المكافآت من العسكر سخية وتنهال على ضباط الداخلية، تلك الوزارة التي تعد بحق الذراع الباطشة للعسكر، أو كلاب الصيد القاتلة، وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من ضربات موجعة، تعوم وزارة الداخلية على سطح ميزانيتها الضخمة، وتنفق أموالا طائلة تساهم في قمع المصريين.

أكبر ميزانية قتل!

وتُقدر الميزانية المعلنة لوزارة الداخلية في حكومة الانقلاب بأكثر من ٢٠ مليار جنيه، وهي تعادل خمسة أضعاف وزارتي الصحة والتعليم العالي مجتمعتين، حيث تسيطر الأجهزة الأمنية على كل مفاصل الدولة في مصر، وأنفقت ربع مليار جنيه كمكافآت للضباط والجنود التابعين لها، عقب مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة.

وقال أحمد الهلباوي، رئيس الاتحاد العام لأفراد هيئة الشرطة: “إن الوزارة صرفت مبلغ 225 جنيهًا للأفراد الذين يبلغ عددهم 380 ألف فرد تقريبًا، ما بين أمناء وأفراد وخفراء”، مشيرًا إلى أن ذلك المبلغ تم صرفه كحافز تشجيعي لما بذلوه من مجهودات في الفترة منذ انقلاب 30 يونيو حتى الآن.

وهي الفترة التي قتلت فيها وزارة الداخلية بالتعاون مع الجيش أكثر من 5٠٠٠ مصري، بينهم ١٥٠٠ على الأقل خلال فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بحسب التقديرات الحقوقية شبه الرسمية. يقول الإعلامي أسامة جاويش: “بلطجة وزارة الداخلية وارتكابها جريمة القتل العشوائي لأربعين مصريًّا بدعوى الإرهاب دون تحقيق أو أدلة إدانة هو أمر مدان ومرفوض في كل الشرائع والدساتير، ولا توجد دولة في العالم تحترم سيادة القانون ترتكب هذه الحماقات.. مصر السيسي أصبحت غابة بلا قانون ولا عدالة”.

ويقول الكاتب أحمد عبد الجواد: “اختار السيسي ضحايا تفجير الأتوبيس السياحي من فيتنام لأنه يعلم أن العالم لن يهتم لمقتلهم، ونفذ الجريمة لتكون الجسر الذي يمر من خلاله لتنفيذ جريمة أبشع، وقام بقتل 40 مواطنًا مصريًّا لتكون الرسالة مزدوجة: الأولى للعالم بأن مصر بها إرهاب، الثانية إرهاب الشعب قبل حلول 25 يناير”.

تقول صاحبة حساب “حرة أبية”، في تغريدة على موقع تويتر: “الداخلية المصرية تحولت لأكبر كيان إرهابى يقتل المصريين بدم بارد بزعم مكافحة الإرهاب. ما يجرى جرائم ضد الإنسانية.. نظام فاشل”. وتقول الناشطة عائشة محمود: “طالما التفجير مدبر من قبل النظام الفاشي الفاشل فلا بد من أن يحدث تخبط في التصريحات، وللتغطية ارتكبت جريمة أشنع بقتل أربعين مصريا من المختفين قسريًّا واتهامهم بأنهم من فجروا، والعجيب أن كل تصفية لا يصاب فيها أحد من بلطجية الشرطة، ولم يقبض على أحد حيًّا لمعرفة من يقف وراءه، وتكرر هذا في جميع العمل”.

وتعددت خلال الأعوام الماضية عمليات التصفية التي تُعلنها الداخلية في عدة محافظات، والتي بدأت في عهد وزير الداخلية السابق اللواء مجدي عبد الغفار، لكن اللافت في بيانات الداخلية هو عدم اعتقال أي مسلح أو إصابته رغم ما تمثله عملية الاعتقال من كنز معلومات للأمن، واللافت أيضا عدم وجود ضحايا في صفوف قوات الأمن على الرغم من الإعلان المتكرر عن أن الاشتباكات شهدت تبادلا كثيفا لإطلاق النار بين الطرفين.

وهو ما دفع بيشوي جوزيف للتعليق على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية متسائلا: “لماذا لا توجد إصابات في الشرطة طالما كانت هناك اشتباكات؟ لماذا لم يسلم أي مسلح نفسه؟”، كما علق أحمد نبيل قائلا: “لماذا لا نعتقلهم حتى نعرف ماذا يحدث ومن وراءهم؟”.

شواهد الإجرام

بدورها تشكك منظمات حقوقية مصرية ودولية في عمليات التصفية التي تُعلنها الداخلية، وتقول إن بعض المختفين قسريا لمدة شهور كانوا ممن أعلنت الداخلية تصفيتهم في اشتباكات مسلحة، كما قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن “هناك عدة حوادث بدا أنها عمليات قتل خارج القضاء، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا خلال إطلاق نار مُدبّر”.

هذا التشكيك عند كل عملية تصفية، يدفع النشطاء لتداول مقطع فيديو أذاعته قناة مكملين الفضائية، في أبريل 2017، يُظهر قوات من الجيش تطلق النار على بعض المعتقلين في سيناء، وأظهر الفيديو قيام عناصر من الجيش بوضع أسلحة آلية إلى جوار الجثث، فيما يقوم شخص بالتقاط صور تم نشرها لاحقا باعتبارها صورا لمسلحين تمت تصفيتهم أثناء الاشتباكات مع قوات الأمن، وذلك في بيان رسمي للمتحدث باسم القوات المسلحة المصرية.

ولا يقتصر الجدل المصاحب لعمليات التصفية الجسدية على عدم تمكن الداخلية من اعتقال أو إصابة المسلحين، بل ينتقل إلى التساؤل عن المفارقة بين سرعة الأجهزة الأمنية في تعقب المطلوبين وتصفيتهم، وبين عدم قدرتها على الحماية المسبقة التي تعتبر من أهم واجبات الأجهزة الأمنية.

من جهته يقول الناشط السياسي أسامة لاشين: إن “كثيرا من الشواهد تثبت تخلُّص النظام من معارضين بادّعاء أنهم إرهابيون قُتلوا في مواجهات مسلحة مع قوات الأمن. غير أن كثيرا من هؤلاء يكونون معتقلين في أماكن سرية لأشهُر، أو قتلوا تحت التعذيب وظلوا في ثلاجات الموتى، ويأتي بهم النظام إلى مسارح اشتباكات وهمية ليقول إنهم قتلوا فيها، ويتخلص من عبء اعتقالهم غير القانوني”.