الزعامات الورقية ودمار الأمم!

- ‎فيمقالات

بعد مرور أكثر من نصف قرن على هزيمة العرب أمام الصهاينة في حرب 5 يونيو 1967، حيث نجح الصهاينة في الاستيلاء على شبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان، والقدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة في ستة أيام، والتي أطلق عليها الصهاينة “حرب الأيام الست”، فيما أطلق عليها العرب مصطلح النكسة!.

حيث استطاع الطيران الصهيوني خلال سويعات أن ينفذ أكثر من 492 غارة، دمر خلالها أكثر من خمسة وعشرين مطارا حربيا وما لا يقل عن 85% من الطائرات، وهي جاثمة على الأرض، فضلا عن الخسائر فى الأرواح التي زادت على عشرين ألفا، وآلاف الأسرى!.

وقد أنهت هزيمة 5 يونيو 1967 جعجعة الإعلام الناصرى وحديثه عن قدرات ناصر العسكرية، والذى سيُلقى إسرائيل ومن وراء إسرائيل في البحر.

وكان زعيم القومية العربية، صاحب الخطب والتصريحات العنترية، الذى خاض العديد من المعارك ولكنه لم يجن إلا الهزائم المتكررة، أراد أن يكون زعيما، فكانت زعامته نهيقا أمام مكبرات الصوت وتجارة بالشعارات، فقاد الأمة من هزيمة إلى هزيمة، ومن كارثة إلى كارثة!.

فكم جعجع في خطاباته، عن الصاروخين القاهر والظافر، وأن مدى الصاروخ القاهر يصل إلى 600 كيلو متر، ومدى الصاروخ الظافر يصل إلى 350 كم، ويستطيعان ضرب إسرائيل بسهولة، وشارك الصاروخان في العروض العسكرية لجيش ناصر، وكم هللت الجماهير للصاروخين، وأن زوال إسرائيل أمر محتوم، وبعد الهزيمة تساءل الشعب: أين الصاروخان؟،  والطريف أنه حينما تولى السادات الحكم، طلب إعداد تقرير عن القاهر والظافر، وكانت نتيجة التقرير أن الصاروخين كبيران في الوزن والحجم، حيث كان القاهر يزن 2.5 طن، ولا يمتلكان أي وسيلة دقيقة لتحديد الهدف!.

فى عام 2009، قال “إيريك رولو”، الكاتب الصحفى بصحيفة لوموند الفرنسية: إنه أجرى مقابلة مع الجنرال إسحاق رابين، رئيس أركان الجيش الصهيونى، فى فبراير 1968، حيث قال لرابين: لقد أجريت مقابلةً مع عبد الناصر قبل الحرب بثلاثة أيام، وأبلغنى أنه لا يفكر إطلاقا فى مهاجمة إسرائيل، بل إنه يحاول كبح جماح القادة العرب الذين ينادون بالحرب!.. فهل يا سيادة الجنرال لم تصل إليكم هذه المعلومات؟ وإن كانت قد وصلت، فلماذا قمتم بالحرب؟ فقال رابين: لقد وجدنا نحن القادة ثمة فرصة سانحة كى نغير الجغرافية والتاريخ فى هذه المنطقة، فهل نتركها؟ وكنا نعلم أن عبد الناصر لا يملك القوة للتفكير فى دخول حرب معنا!، فقواته كانت فى وضع سيئ فى سيناء، وقد أصابها الترهل من طول بقائها فى اليمن!.

وفى مناسبة أخرى قال إيريك رولو، عن أوضاع الجيش المصرى ليلة الحرب، في كتابه “في كواليس الشرق الأوسط”: “كان من الصعب تصديق ما اعترى القيادة العليا للجيش من تراخٍ، فلم يكن اللواء صدقي محمود، قائد القوات الجوية، في موقعه يوم وقوع الهجوم الإسرائيلي، فقد آوى إلى فراشه فجر الخامس من يونيو، بعد ليلة سمر واحتفالات لا تنسى، قضاها عشية في أنشاص، في قصر الصيد القديم الخاص بالملك فاروق، وبفضل سهير زكي، راقصة مصر الأولى، انتهى الحفل الميمون بإعصار من البهجة الهوجاء، والمثير للفضول هو أن اللواء محمود كان قد منح إذنًا بإجازة أربعة وعشرين ساعة لحوالي ثلاثين بالمائة من طياريه في اليوم نفسه الذي قامت فيه الحرب، كما غاب أيضا اللواء مرتجى، قائد جيش سيناء، الذي كان قد أخذ إجازة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بصحبة زوجته على ضفاف بحيرة التمساح، القريبة من قناة السويس، ولما كان الالتزام بحالة التأهب يستمر طوال الليل فحسب– وكأن شن الحرب نهارا أمر غير لائق– فقد كان الطيارون يتناولون قهوتهم الصباحية حين كانت مدارج الطيران في مطاراتهم تتعرض للتدمير تحت وابل القصف، أما ذروة هذه الملهاة المأسوية، إذا جاز التعبير، فهى أن القائد الأعلى للقوات المسلحة، المشير عبد الحكيم عامر، كان مفقودا، فقد كان يتنقل بطائرته الخاصة، غير قادر على الهبوط في أي من المطارات، التى كانت خاضعة لقصف المهاجمين”.

وكما قال فيلسوف النكسة “محمد حسنين هيكل”: “لم تكن هزيمة يونيو مجرد هزيمة عسكرية لجيش أو نظام حكم، بقدر ما هي نتيجة طبيعية لحقبة من الاستبداد السياسي مارستها المؤسسة العسكرية المصرية عندما خاضت غمار السياسة باعتلائها الحكم، وتركت ميدانها الرئيسي العسكري الموكل إليها، فلا نجحت في إدارة البلاد سياسيا اللهم إلا بالقمع والقهر، ولا انتصرت في ميدان المعركة عسكريا، فالجيش قبل حركة 23 يوليه 1952 كان جزءا من منظومة الحكم لا يتجاوز حدوده المتعارف عليها دستوريا!.

وهو نفسه الذى دعم الانقلاب العسكرى على الرئيس المنتخب، وعلى أول تجربة ديمقراطية في مصر، وكان حريصا على استنساخ التجربة الناصرية المستبدة!.

ومع ذلك ما زال القومجية والناصرجية يتغنون بالبطولات والإنجازات الوهمية لزعيم الأمة العربية!.

 

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها