بعيدًا عن بروباجندا إعلام العسكر، والذي يبالغ كعادته في تصريحات ونتائج “فُسح” الجنرال عبد الفتاح السيسي الخارجية، وما تسمى بمشروعاته القومية التي تيقّن الشعب أنها مشروعات “وهمية” لم تسهم مطلقًا في زيادة الدخل القومي بقدر ما أسهمت في تدهور مستويات المعيشة وتآكل السيولة وتضخم الديون.
إزاء ذلك يمكن معرفة جوانب وأبعاد الزيارة الرسمية التي يقوم بها جنرال الانقلاب حاليا إلى العاصمة النمساوية “فيينا” والتي تستغرق 4 أيام، للمشاركة في أعمال منتدى رفيع المستوى بين إفريقيا وأوروبا لتعزيز الشراكة بين القارتين؛ تلبيةً لدعوة كل من المستشار النمساوي “سباستيان كورتس” الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، والرئيس الرواندي “بول كاجامي” الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي.
وتسعى النمسا لاستغلال أيامها الأخيرة في رئاسة الاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز حملة الاتحاد الرامية لدفع دول شمال إفريقيا لاستيعاب مزيد من المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون المتوسط باتجاه القارة العجوز.
وتأتي هذه التطورات في ظل توترات حادة بشأن ملف المهاجرين غير الشرعيين، حيث أطلقت الشرطة، أمس الأحد 17 ديسمبر، قنابل الغاز المسيلة للدموع على متظاهرين، وفتحت مدافع المياه في اتجاههم أمام المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي في بروكسل، بعدما تجمَّع حوالي 5 آلاف شخص في مسيرةٍ منددة باتفاقٍ للأمم المتحدة يتعلق بالهجرة.
ملامح الصفقة
وبحسب تقرير نشرته صحيفة The Financial Times البريطانية، فإن رد القاهرة حتى الآن كان فاترًا تجاه محاولات الاتحاد الأوروبي إقناعها بالمشاركة في تحمُّل المسئولية وتوسيع نطاق دورياتها الساحلية، لمواجهة عمليات تهريب البشر على امتداد ساحل شمال إفريقيا الأوسع نطاقا.
ويُعَد منتدى أوروبا-إفريقيا آخر فعالية كبيرة تجري في فترة رئاسة فيينا للاتحاد الأوروبي والتي تستمر ستة أشهر، كانت خلالها قضية إدارة الهجرة أحد نقاط التركيز الأساسية.
صحيفة The Financial Times البريطانية، قالت إن كلًّا من كورتز ودونالد تاسك، يحاولان خطب ود السيسي ضمن جهودهما لمنع تدفق موجات الهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى أوروبا.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي: «نودُّ التعاون مع الدول الأخرى لمنع الأشخاص من مغادرة بلادهم بشكلٍ غير قانوني بالأساس. وهنا يأتي دور مصر لأنَّها كانت فعَّالة للغاية (في مياهها الإقليمية) في قمع الناس من مغادرة البلاد. وقد أظهرت أنَّه يمكن تأمين ساحل طويل، ويمكن للآخرين الاقتداء بهذا». ويأمل الداعمون لخطة مصر أن يستغل السيسي زيارته لفيينا للإسهاب في توضيح ما هو على استعداد لتقديمه للاتحاد وما يريد الحصول عليه في المقابل.
مهمةً صعبة
وقالت الصحيفة البريطانية، نقلاً عن دبلوماسيين أوروبيين، إنَّ الاتحاد الأوروبي لا يزال ينتظر موافقة القاهرة على مقترحات أوروبية لمشاركة القاهرة في دوريات بحرية إقليمية مشتركة، لإنقاذ المهاجرين وإمكانية العودة بهم إلى مصر. ويعي الاتحاد الأوروبي أنَّ مصر تشعر بالقلق لأنَّ أولئك الذين يجري إنقاذهم قد يتسبَّبون في مشكلاتٍ أمنية، وقد ينتهي بهم المطاف بالبقاء في مصر لسنواتٍ.
ويُعَد إرجاع المهاجرين إلى بلادهم الأصلية مهمةً صعبة في الغالب، لأنَّ وثائقهم الشخصية تكون ضائعة أو تالفة أو لم تكن بحوزتهم مطلقا. وسبق أن تحدَّث السيسي وكورتز هاتفيا الأسبوع الماضي قبل لقائهما المزمع في فيينا. لكنَّ مقترحات الاتحاد الأوروبي للسيسي قُوبِلَت بالتشكُّك من جانب بعض الدبلوماسيين، الذين يشيرون إلى أنَّ القاهرة ليست مستعدة لتقديم مزيد من المساعدة بالنظر إلى ضعف حركة تدفق المهاجرين من مصر إلى الاتحاد الأوروبي. ويخشون كذلك من أنَّ مصر قد تطلب ثمنا باهظا مقابل زيادة تعاونها، مشيرين إلى نموذج حصول تركيا على 6 مليارات يورو بموجب اتفاقٍ أُبرِم في 2016، يقضي بإعادة المهاجرين الذين سافروا من أراضيها إلى الجزر اليونانية إليها مرةً أخرى.
لماذا نوقظ كلبا نائمًا؟!
وقال دبلوماسي أوروبي: «لم نفهم مطلقا في المقام الأول لِمَ كل هذه الحماسة بشأن مصر. لِماذا نُوقِظ كلبًا نائمًا لأسباب خاطئة تمامًا؟».
وتضيف صحيفة The Financial Times البريطانية أن خطوة التعاون بصورة أوثق مع السيسي أثارت قلق المجموعات المهتمة بحقوق الإنسان، في ظل تشديد الجنرال السابق، الذي وصل إلى الحكم بعد انقلاب عسكري عام 2013، حملته القمعية ضد المعارضين أكثر من أي وقتٍ مضى.
ويقول المعارضون لخطة التعاون مع السيسي، إنَّ النموذج الأفضل سيتمثَّل في التعاون الأكثر بساطة حاليا مع المغرب، حيث يمنح الاتحاد الأوروبي الرباط المال لتحسين تأمين الحدود وشراء معدات مثل نظارات الرؤية الليلية. وتأمل الدول الأوروبية أن تضع ملف الهجرة ضمن أجندة أول قمة تجمعهم بجامعة الدول العربية، البالغ عدد أعضائها 22 عضوا، وتضم الخمس دول الواقعة على ساحل البحر المتوسط في شمال إفريقيا، وهي مصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب.
علاقات اقتصادية ضعيفة
وسيختتم السيسي الزيارة، صباح الأربعاء، بعقده لقاء مع 12 من مسئولي كبريات الشركات النمساوية وعدد من رجال الأعمال المصريين، تنظمه الغرفة التجارية النمساوية.
وفي تحليل لهيئة الاستعلامات التابعة لحكومة الانقلاب، يبلغ حجم التبادل التجارى نحو 400 مليون يورو سنوياً، كما بلغت قيمة الاستثمارات النمساوية في مصر حوالي 26 مليون دولار، وبلغ أيضًا عدد الشركات النمساوية العاملة في السوق المصرية حوالي 600 شركة.
وهي أرقام هزيلة للغاية مقارنة بحجم العلاقات الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي عموما، ما يؤكد أن الهدف هو تحسين صفقة توطين اللاجئين في مصر على غرار صفقة تركيا في 2016م والتي بلغت 6 مليارات يورو.