السيسي قرين الانتحار ودمار الأسر المصرية.. شواهد ودلالات!!

- ‎فيتقارير

تحدثت عشرات التقارير الصحفية عن انتشار الانتحار في مصر بالآونة الأخيرة، نظرا لزيادة رقعة الفقر بين الناس، وعجز الآباء عن تلبية احتياجات أبنائه من المأكل والتعليم، الأمر الذي لا يجد معه سوى التخلص من حياته وحياة أبناتئه من قبله.

وانتشرت أخبار الأب الذي قتل زوجته وطفلتيه لمروره بضائقة مالية، والزوج الذي قتل زوجته في شبرا بسبب أزمة مالية، وسائق يقتل زوجته بسبب ملابس العيد، آخر يقتل زوجته أمام أبنائها الخمسة بسبب كعك العيد، وعجوز يقطّع زوجته بعد 25 عامًا من الزواج بسبب نفقة أحد أبنائه على “الجيم”، وشاب يقتل والده للحصول على الميراث في الإسماعيلية، وزوجة تقتل زوجها بسبب “مصروف البيت”.

كما رصدت التقارير انتحار عاطل من الدور العاشر لمروره بضائقة مالية، وانتحار عامل في الفيوم للسبب ذاته، وانتحار بائع متجول لعجزه عن تحمل تكاليف الحياة، وانتحار نقاش بالصف لضيق ذات اليد، وانتحار ربة منزل بالزاوية الحمرا بسبب ضغوط اقتصادية، وعامل يشعل النار في نفسه لعدم قدرته على توفير نفقات تزويج ابنته.

وقالت دراسة بحثية للدكتور حنان سالم أستاذة علم الاجتماع، رصدت خلالها عشرات حالات الانتحار التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، إن هذه الجرائم ليست حصيلة سنوات، وإنما 6 أشهر فقط؛ من بداية 2018 حتى نهاية يونيو، ربما الأمر صادم بعض الشيء لكن هذا حقًا ما آل إليه الحال في مصر، فبعد زيادة مجحفة للأسعار والفواتير لمختلف السلع والخدمات، بات المواطن المصري عاجزًا عن تحمل تكاليف الحياة لأسرته وحتى لنفسه منفردًا.

وأضاف أنه خلال السنوات القليلة الماضية تعرض المجتمع المصري لعدة هزات اقتصادية متلاحقة أفقدت الكثير من المواطنين القدرة على التكيف معها؛ وهددت مستقبل الأسر المصرية، بداية من تحرير سعر صرف الجنيه المصري في الثالث من نوفمبر 2016 وانخفاض قيمته بشكل كبير أمام الدولار، ما أدى بالتبعية لزيادة معدلات التضخم وزيادة حجم الدين الخارجي، مع ارتفاع جنوني ومتكرر لأسعار السلع والخدمات، خاصة فواتير الكهرباء والمياه وأسعار الوقود، تتحمله على الأرجح الطبقات الدنيا فقط، في ظل ثبات أو ارتفاع غير مناسب للرواتب والأجور.

وأكد أن النتيجة الوحيدة الذي أسفرت عنها هذه الزيادات، هي ارتفاع معدل الجريمة بين الأسر المصرية، حتى أن مصر احتلت المرتبة الثالثة عربيًا، والـ 24 عالميًا، في آخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية «نامبيو»، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة بها، وذلك في ظل إصرار الداخلية المصرية على عدم الكشف عن إحصاءات التقرير السنوي لقطاع الأمن العام منذ نهاية التسعينات.

وكشف أن تقرير ملتقى الحوار للحرية وحقوق الإنسان عام 2006 أكد أن هناك 2.73 جريمة ترتكب بسبب الفقر يوميًا، أبرزها جرائم السرقة بنسبة 59.67%، يليها القتل بنسبة 31.25%، ثم الشروع في القتل بنسبة 4.43%، والانتحار بنسبة 2.62%.

القتل العائلي

إلا أن المرعب في القضية، انتشار «جرائم القتل العائلي» التي حدثت بسبب الضغوط الاقتصادية والأزمات المالية فقط، والمنشورة بالطبع في الصحف والمواقع المصرية، دون إشارة لجرائم أخرى تحدث داخل نطاق الأسرة كالتعذيب والاغتصاب وزنا المحارم والسرقة والشروع في القتل.

وكشفت دراسة حديثة أن 63% من الجرائم أصبحت ترتكب داخل نطاق الأسرة.

كما أوضحت دراسة بعنوان «الدوافع الاجتماعية والاقتصادية لجرائم القتل في الأسرة المصرية»، للدكتورة حنان سالم، أستاذ علم الاجتماع الجنائي جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي تمثل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، وهو معدل ضخم ومخيف.

 

وتحدث جرائم القتل العائلي في مصر لأسباب عديدة، أبرزها جرائم الشرف، والعجز الجنسي للأزواج، وانخفاض الوازع الديني، وانخفاض المستوى التعليمي أو الجهل، وخلافات الميراث، والضغوط النفسية والمشكلات الاجتماعية، واستجابة بعض الأشخاص للأزمات بطريقة مُدمِرة. لكن يبقى ثالوث الفقر والإدمان والبطالة الأبرز في الآونة الأخيرة.

وقال إن العوامل الاقتصادية لعبت دورًا مؤثرًا في هذا التحول، وخاصة عوامل مثل؛ الفقر وبطالة رب الأسرة وانخفاض مستوى الدخل وارتفاع الأسعار مقابل ثبات الدخول، وكذلك الرغبة في الحصول على المال أو الميراث.

الفقر وتدمير الأسر

كما تهدد الأوضاع الاقتصادية المزرية بمزيد من التفكك الأسري، فبسبب عدم كفاية الدخل يضطر الكثير من الأزواج للترحال للبحث عن عمل بالخارج، أو هجر أسرته والتخلي عن مسئولياته تجاهها، وبالتالي ترتفع نسب الطلاق والمرأة المعيلة، في الوقت الذي تزداد فيه جرائم التحرش والاغتصاب لعجز الشباب عن تدبير تكاليف الزواج، مع زيادة تشغيل الأطفال وتسريبهم من التعليم للمساعدة في موارد الأسرة، ولجوء البعض للإدمان كوسيلة للتغيب عن الواقع المؤلم، وكل هذه العوامل تصب باتجاه ارتكاب المزيد من الجرائم الأسرية والمجتمعية وانهيار الأمن داخل المجتمع.

وأشارت حنان سالم إلى مكمن الخطورة وتكمن خطورة انتشار العنف والجرائم الأسرية إلى أن الأجواء الأسرية المشحونة بالتوتر والصراع تكون بيئة مُهيَئة للإصابة بالأمراض العقلية والنفسية والسلوكية للأبناء؛ أي أنها تُخرِج للمجتمع أجيالاً متأهبة لارتكاب مزيد من العنف والجريمة والانحراف دون شك.

ونبهت إلى تأثير الظروف الاقتصادية في السلوك الإجرامي، وأبرزها النظرية الاقتصادية لتفسير السلوك الإجرامي، التي تبناها العالم الهولندي «ولهلم بونجر»، وهي تذهب للتأكيد على أن المجتمع الرأسمالي، القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج -كما هو الحال في مصر- به مثالب عديدة تتمثل في الاستغلال والطبقية أو التمييز بين المواطنين على أساس الغنى أو الفقر، حيث يتم استغلال الأطفال وتشغيل النساء، ناهيك عن انتشار البطالة في الطبقات الفقيرة.

وقالت إن العنف الأسري استجابة للضغوط والإحباطات، وبما أن الحرمان المادي أشد الأنواع قسوة –بحسب علم الاجتماع- يصبح من المنطقي تخيل أن الزوج أو رب الأسرة العاجز عن مواجهة أعباء أسرته وسد احتياجاتها يكون أكثر عنفًا تجاه أفراد أسرته للتنفيس عن غضبه.

وتؤكد دراسة أخرى على أن المكانة الاقتصادية المنخفضة للأسرة تؤثر وبشكل مباشر في ارتكاب بعض أفرادها للجريمة أو السلوك المنحرف، خاصة عندما لا يستطيع أفرادها إشباع الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن بالطرق المشروعة؛ فيلجأون لطرق غير مشروعة للتكسب كالقتل والسرقة والسطو والبغاء أي العلاقات المحرمة.

وتكشف دراسة الدكتورة «حنان سالم» أن السياسات الاقتصادية الحديثة من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثته هذه السياسات من مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة أبرزها البطالة وانخفاض الدخول خاصة مع ارتفاع الأسعار. إذ أدت هذه التحولات لتأثير سلبي واسع المدى على النسق الثقافي والقيمي داخل الأسر؛ فأصبحت السلبية والأنانية واللامبالاة والفردية هي القيم المنتشرة بين أفراد الأسرة الواحدة بدلاً عن التعاون والمشاركة والولاء والانتماء التي كانت سائدة في الماضي.

ما يعني أن كل فرد أصبح يبحث عن مصلحته الخاصة فقط، وينشغل بهمومه وحده، ولا يجد حرجًا من ارتكاب أي فعل يجني منه المكاسب والأموال، حتى إذا كان فيه ضرر لبقية أفراد عائلته أو كان مخالفًا لقيم المجتمع.

وأكدت أن الأب عامل يومية، أصبح، مع الزيادات الأخيرة لأسعار جميع المنتجات وفواتير الخدمات، عاجزًا عن تلبية متطلبات الأسرة، والأشقاء الذكور عاطلون ويمارسون العنف والضرب والسباب ضد الشقيقة الصغرى، التي تعيش ظروفًا نفسية حرجة للغاية عقب وفاة الأم في حادث سير، حتى أنها ترفض عروض الزواج المتكررة.