الصهاينة أصدقاء السيسي يضغطون على مصر بسد النهضة

- ‎فيتقارير

على الرغم من التواطؤ المصري الكبير في عهد الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، والرضوخ التام للمصالح الأمريكية والصهيونية، إلا أن الدراسات المتتالية حول القارة الإفريقية تثبت أن إسرائيل وأمريكا تلعبان على إضعاف مصر في القارة، وتهديد مصالحها المائية التي تعتبر خطرًا يهدد حياة ملايين المصريين.

ففي ظل الغياب العربي، تواصل إسرائيل لعب دور مهم في بناء مصالح لها في إفريقيا، على حساب الشعب المصري، وتحت سمع وبصر النظام الانقلابي.

فمنذ انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي، وهو يسعى بشتى الطرق لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع الكيان الصهيوني، وهو ما أتاح للعدو الصهيوني التوغل والتلاعب بمنطقة منابع النيل والسيطرة على هذه البلاد، وعمل على تقوية أواصر التعاون معها، حتى وصل إلى التعاون الكامل مع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي ورّط مصر في الموافقة على سد النهضة الإثيوبي، ما يسمح بعد ذلك بمرور المياه إلى الصهاينة مقابل السماح لمصر بالحصول على نسبة من مياه إثيوبيا.

ومن خلال التوقيع على وثيقة “إعلان مبادئ سد النهضة”، التي فاجأ السيسي بها المصريين، حيث أعطى ما لم يتحقق سابقا على طبق من ذهب للعدو بكل أريحية، والذي لم يتحقق في السابق ولا في الفترات الأولى من الحكم العسكري، قدمه السيسي بكل سهولة لدول المنبع خدمة للعدو الصهيوني.

وكان موقع “ميدل إيست أوبزرفر” قد كشف، في 28  نوفمبر 2016، عن اعتزام نظام الانقلاب تزويد الصهاينة بالمياه من خلال بعض الأنفاق الستة الضخمة التي يجري حفرها أسفل قناة السويس لربط شبه جزيرة سيناء بالدلتا.

ويقول الدكتور محمد حافظ، أستاذ السدود بجامعة تناجا بماليزيا: هناك سحّارة ضخمة شرق قناة السويس، تدعى سحارة سرابيوم فيها أربع بيارات بعمق 60 مترا وقطر 20 مترا، مؤكدا أن الهدف من هذه السحارة نقل المياه إلى الكيان الصهيوني، وليس الأنفاق التي يتم العمل فيها الآن.

وكان إعلان إثيوبيا عن بناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي يرفد نهر النيل والسد العالي في مصر بالمياه، أثار أزمة في دول حوض النيل، فتحت المجال لخيارات كثيرة يمكن أن تشهدها المنطقة، خاصة في ظل الاستياء المصري من الخطوة التي ستهدد مجالات الزراعة والطاقة والصناعة، التي تعتمد بنسب كبيرة على حصة مصر التاريخية من المياه بموجب اتفاقيات 1929 و1959.

تداعيات سياسية

ولا يقتصر خطر الخطوة الإثيوبية على مصر من الناحية البيئية، بل يمتد إلى الجانب السياسي، الذي سيطول ملفات عدة في المنطقة، من ضمنها القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الدور الخفي لإسرائيل في دعم المشروع وتغلغلها في إفريقيا، والذي سيؤدي إلى السيطرة على موارد مصر المائية وابتزاز مواقفها السياسية.

ورأى مجموعة من الخبراء والمختصين الفلسطينيين في الشأن المائي، خلال ندوة عقدت في مدينة رام الله، مؤخرا، أن خطر سد النهضة الإثيوبي لن يقتصر على مصر، بل سيمتد إلى قضايا عدة في المنطقة.

حيث استعرض مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين وخبير المياه العربي عبد الرحمن التميمي، مراحل إنشاء السد، والذي أعلنت الحكومة الإثيوبية في الثاني من أبريل 2011 عن تدشين إنشاء مشروع السد، لتوليد الطاقة الكهرومائية (5250 ميجاوات) على النيل الأزرق بولاية (جوبا- بني شنقول – قماز)، غربي إثيوبيا وعلى بعد نحو 20-40 كيلومتر من حدود إثيوبيا مع السودان بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار.

الدور الأمريكي

وأشار التميمي إلى أن السد يأتي نتاج الدراسة التي قامت بها الحكومة الأمريكية استجابة للطلب الإثيوبي، حول حوض النيل الأزرق في عام 1964، خاصة بعد عزم مصر إنشاء السد العالي في ذلك الوقت، حيث جرى التوقيع على اتفاق رسمي بين الحكومتين في أغسطس 1957، وما يتم الآن هو نتاج تلك الدراسة.

وتظهر الدراسة التي استعرضها التميمي، أن المكتب الأمريكي حدد 26 موقعا لإنشاء السدود، أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق الرئيسي، وهي: ” كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد الحدود (النهضة)”، بإجمالي قدرة تخزين 81 مليار م³، وهو ما يعادل جملة الإيراد السنوي للنيل الأزرق مرة ونصف تقريبا.

وأشار إلى أن بعض الدراسات الحديثة زادت من السعة التخزينية لسد “ماندايا” من 15.9 مليار م³ إلى 49.2 مليار م³، وسد “النهضة” من 11.1 مليار م³ إلى 13.3 مليار م³، وألغت سد “مابيل” واقترحت سد “باكو أبو” بدلاً منه.

يذكر أن إثيوبيا أعلنت في فبراير 2011، عن عزمها إنشاء سد “بودر” على النيل الأزرق، والذي يعرف أيضا بسد “حداسة”، على بعد 20-40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار م³، وإسناده إلى شركة ساليني الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلق عليه مشروع “إكس”، وسرعان ما تغير الاسم إلى سد الألفية الكبير، ووضع حجر الأساس في 2 أبريل 2011، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في نفس الشهر ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير. وهو أحد السدود الأربعة التي اقترحتها الدراسة الأمريكية عام 1964.

وفي السياق ذاته، استعرض التميمي النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء، ومساعيها في السيطرة على منابع نهر النيل في منطقة الهضبة الإثيوپية، والتي ترفد نهر النيل بحوالي 85% من مياهه.

وبين أن إسرائيل قدمت دراسات تفصيلية إلى الكونغو ورواندا لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج شامل لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى. كما تعد العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول الحوض، أحد أهم المؤشرات على تنامي المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في المنطقة، حيث تظهر الأرقام تضاعف الصادرات الإسرائيلية إلى أثيوبيا منها أكثر من ثلاثين مرة خلال السنوات القليلة الماضية.

وتشهد العلاقات الإسرائيلية تطورًا متزايدًا خاصة في إثيوبيا والكونغو الديمقراطية، والتي شهدت في السنوات الأخيرة انتعاشًا في إقامة الغرف التجارية المشتركة، والمنح في مجالات الصحة والتعليم والتدريب، هذا وخصصت الحكومة الإسرائيلية أحد المراكز المتخصصة بوزارة الخارجية، لتقتصر مهامه على تعميم وتطبيق التعاون الإسرائيلي- الإفريقي.

وأشار التميمي إلى أن حكومة الاحتلال وقعت اتفاقيتين، إحداهما مع جنوب السودان منذ شهرين تقريبًا وإثيوبيا، تتعلق بتوزيع الكهرباء التي سيتم إنتاجها من سد النهضة. وقد بدأت بإنشاء خط لنقل الكهرباء إلى كينيا، وخط آخر إلى جنوب السودان، موضحًا أن عقود توزيع الكهرباء تُظهر أن إسرائيل جزء أساسي من عمليات وسياسات التشغيل بسد النهضة.

وتهدف إسرائيل من خلال تغلغلها في إفريقيا إلى استكمال خطة الطوق الإفريقي (جنوب السودان، كينيا، ارتيريا، اثيوبيا)، عبر آليات عدة منها شراء العدد الأكبر من السندات في سد النهضة، والتعامل مع مصر من خلال الطوق الإفريقي، وإيجاد آلية للتعاون مع الصين التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، وإغراق مصر في المشكلة وابتزازها في المواقف السياسية.

كما أجمع المختصون أن الضعف الذي تعاني منه مصر، يلقي بظلاله على طريقة التعاطي مع ملف سد النهضة، لكنهم أشادوا بفكرة إسناده إلى جهاز المخابرات، الذي قد يكون لديه أدوات للضغط على إثيوبيا لوقف بناء السد.

وأشارت الدراسة إلى أن الحل العسكري الذي لوحت به مصر، قد يكون خيارًا مستبعدًا لعدم جاهزية مصر لذلك، وحالة الضعف التي تمر بها الدولة رغم عدم استبعاده من قبل المسئولين.

وهكذا تضيع المصالح الاستراتيجية للشعب المصري، بفضل الانقلاب العسكري الذي يقدم كل الأثمان للصهاينة والأمريكان الذين دعّموا وجوده منذ ما قبل الانقلاب العسكري!.