القضاء الشامخ.. خدم عصابة مبارك ويفعلها الآن مع القذافي

- ‎فيتقارير

لقد كانت بحق أسطورة وهمية، تلك التي رسخها إعلام العسكر والمتحالفون معهم من رجال الأعمال، في أذهان المصريين لعشرات السنين، حول نزاهة القضاء وقدسيته وضرورة عدم التعليق على أحكامه باعتبارها “عنوان الحقيقة”، كانت تلك السنوات كفيلة بتزييف الوعي العام وإقناع قطاعات شعبية وحركات سياسية “إصلاحية وثورية” بمجموعة من المقولات تنطوي على مغالطات كبرى، ومنها أن القضاء هو “الحصن الحصين” و”ملاذ المظلومين” وأن عملية التغيير في مصر ينبغي أن تعتمد على “شرفاء القضاء” باعتبارهم الأغلبية العظمى.

هل يتم إطلاق رجال القذافي؟

وبعد انقلاب 30 يونيو 2013 ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، وكشف الانقلاب ورقة التوت عن أسطورة “القضاء الشامخ” الذي كان الأداة الرئيسية لدولة العسكر في إجهاض التحول الديمقراطي وإهدار الإرادة الشعبية وتبرئة كل ظالم وإدانة كل مظلوم، ومن مصر إلى ليبيا الأمر لا يختلف، فقد نقلت وسائل إعلام ليبية عن مصادر أمنية ما وصفته بمعلومات مسربة، تفيد باتخاذ السلطات الليبية إجراء مفاجئا قد يؤدي لإطلاق سراح مسئولين بارزين من نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، المسجونين في كل من طرابلس وبنغازي.

وبحسب صحيفة “الوسط” الليبية، فإن من بين هؤلاء القادة المسجونين رجل “القذافي المقرب ورئيس جهاز الأمن الخارجي “أبوزيد دوردة”، ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله إن “هذا القرار كان بالتنسيق مع مكتب النائب العام، مشيرة إلى أنه يمكن تنفيذ هذا القرار في وقت لاحق من اليوم”.

وتعاني ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، عام 2011، من أعمال عنف تحولت إلى صراع مسلح على الحكم، وقسّمت البلاد بين سلطتين، أما في مصر فالانقسام تعمق ما بين شعب مظلوم وعصابة عسكرية قامت بإجهاض ثورته والانقلاب على أمنياته الثلاث: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.

الإفراج عن الأبرياء واعتقال الشرفاء

يقول الكاتب الصحفي مفتاح سحنون: “هذا القضاء الذي ظل شامخًا و“شاهد ما شافش حاجة”، عندما تعلق الأمر بجرائم مبارك وأعوانه وبلطجيته، ينزع النظارات السوداء ويلبس نظارات ثلاثية الأبعاد، عندما تخرج فتيات في عمر الزهور للتظاهر ضد السيسي وزبانيته!”.

مضيفا: “منتهى الخزي والجبن والحقارة أن تعتقل فتيات لا يتعدى سن أكبرهن 18 عاما وأغلبهن في سن 15 سنة، والعار الشنار أن يُحكم عليهن بالسجن 11 سنة كاملة بتهمة لا يتصورها عاقل وهي البلطجة، تخيلوا معي فتاة بلطجية محجبة لا يتعدى سنها 16 سنة، والله إن هذه اللقطات لا تصلح حتى لتكون مشهدًا في فيلم هندي!”.

جدير بالذكر أن السجل الأسود للشامخ في مصر متضخم جدا، ومن مواقف الشامخ ما قاله المستشار أحمد الزند، وزير العدل السابق في عهد العسكر، بُعيد مقتل أربعة جنود في العريش في أواخر شهر يناير 2016: “لن تنطفئ النار في قلبي إلا إذا كان قصاد كل واحد قتيل من القوات المسلحة على الأقل 10 آلاف قتيل من الإخوان المسلمين ومن يعاونهم ومن يحبهم ومن يسايرهم”.

وهذا تصريح قبلي يُرجعنا للقرون الوسطى، ولكن ذلك التصريح ليس غريبًا كليًا في سياق سلسلة من الأحكام القضائية المسيّسة منذ انقلاب 30 يونيو 2013 من أحكام الإعدام بحق المئات، والحبس الاحتياطي المطوّل بدون محاكمات بحق الآلاف، بل وعدم السماح للمتهمين بحضور جلسات محاكماتهم في بعض الأحيان.

غياب المحاسبة السبب

وغياب المحاسبة عن قيادات عصابة الانقلاب عن اعتداءات لا حصر لها خلال السنوات الست الماضية، مثل كشوف العذرية ومذبحتي ماسبيرو وميدان رابعة العدوية، وغيرها الكثير، ويبدو أنه لن يُحاسب أحد عن تلك الجرائم في المستقبل القريب، ولكن كلما تُذكر تلك الحقائق، يرد بعض مهرّجي الانقلاب بأن “القضاء شامخ”، فهل قضاء العسكر فعلًا شامخ؟.

ولم يكن إعلان 3 يوليو مجرد انقلاب عسكري تقليدي، بل كان إعلانا بنهاية أساطير تزييف الوعي العام، ومنها الجيش “الوطني”، والقضاء “الشامخ”، والإعلام “التنويري”، والمخابرات “الشريفة”، والأزهر “الوسطي”، وبنهاية هذه الأساطير من العقل الجمعي المصري تكون عجلة التغيير الحقيقي قد بدأت في الدوران، وإن احتاجت بعض الوقت، وذلك بعد تنقية الصفوف من عملاء العصابة العسكرية، وتنقية العقول من أساطير أسهمت في سوء إدارة الثوار لمعركتهم الأولى.