“المترو” وبركان الغضب المكبوت

- ‎فيمقالات

الانفجار الشعبي الذي حدث في محطات المترو بعد رفع أسعار التذاكر يكشف أن النار تحت الرماد، وأن ما يتم ترويجه عن تحمل المصريين لفاتورة الإصلاح المزعوم مجرد ادعاءات غير حقيقية وأمنيات القائمين على الحكم، فلا صبر ولا تضحية وإنما صمت مفروض بالإكراه بأدوات التخويف والترهيب لتمرير إجراءات الإفقار بالقوة المسلحة.

المترو هو شريان الحياة في القاهرة الكبرى وهو الوسيلة التي يستخدمها ملايين المصريين يوميا للتنقل داخل 3 محافظات وهي: القاهرة والجيزة والقليوبية حيث يسكن ما يزيد عن ربع سكان مصر، وليس في استطاعة الموظفين والطلبة وأصحاب المعاشات والطبقة الوسطى أن تتحمل الزيادات الجديدة.

لم يعد في مصر قدرة على الصمت، فالشعب المصري يتضور جوعا، وتحول حال معظم المصريين إلى جحيم لا يطاق، فرب الأسرة اليوم لم يعد يستطيع تحمل المسئولية أمام زوجته وأولاده، ولم يعد قادرا على توفير الطعام والشراب، بعد أن زادت فواتير الكهرباء والماء والغاز، بجانب الغلاء الذي تغول بشكل غير مسبوق.

أثبتت حركة الاحتجاج العفوي أن تأثير الجوع والمعاناة يقترب من تأثير التخويف، وكلما ضاقت الفجوة بين التأثيرين والوصول إلى درجة التعادل كلما اقترب المصريون من لحظة الانفجار الكبير وتصفية الحساب مع مجمل السياسات التي أوصلت مصر إلى حالة الانهيار التي يعيشها المجتمع المصري ويلمسها كل مواطن بنفسه.

إذا استمرت السياسة الحالية متجاهلة مطالب المصريين وحاجاتهم الأساسية فإن الوصول إلى لحظة التمرد الجماهيري قريبة جدا، ومن غير المتوقع حدوث تغيير في هذه السياسة في ظل العقلية التي تدير الدولة في الوقت الحالي، واستخدام أساليب استبدادية عتيقة تهدد وجود الدولة المصرية ذاتها.

الضحية

الشعب المصري هو الضحية للفشل الإداري للدولة، فالسلطة طمعا في الحصول على الاعتراف الدولي بشرعيتها قررت التسليم الكامل لصندوق النقد والبنك الدوليين وترك الشعب فريسة لسياسات الرأسمالية المتوحشة وتنفيذ الروشتة الموضوعة لتمكين رأس المال الأجنبي من الاقتصاد المصري.

إن إلغاء الدعم وإنهاء دور الدولة ليس من الإصلاح في شيء، ولا صلة له بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وهدفه تعظيم أرباح المرافق العامة لتكون مربحة للشركات الأمريكية والأوربية التي ستشتريها، ولهذا فإن تبرير الحكومة بأنهم رفعوا أسعار تذاكر المترو لتتساوى مع الأسعار العالمية نوع من التضليل والكذب الفاضح، لأن المواطن المصري لا يتقاضى مرتبات تليق بالبشر مثل باقي الشعوب.

العجيب أنهم قرروا إلغاء الدعم وحكموا بإعدام ملايين المصريين بزعم تقليل العجز في الموازنة في الوقت الذي أنفقوا فيه 3 تريليون جنيه في مشروعات وهمية أو ليس لها أهمية.

بيع ممتلكات الدولة والمرافق العامة

من الجرائم التي أسرعت بعملية الإفقار ما تقوم به الدولة من بيع كل ممتلكاتها للأجانب، والتفريط في الشركات والمصانع التي بنيت بعرق المصريين، وهذه أغرب عملية تصفية لدولة في العالم ونتائجها كارثية أقلها تصفية العمالة وتخريب بيوت المصريين، وزيادة عدد العاطلين، وتوقف توظيف الشباب، أي تدمير الحاضر والمستقبل.

آخر خطوة في مسلسل تصفية ممتلكات الدولة هي تشكيل ما يسمى صندوق مصر السيادي وهو شبيه بصندوق تحيا مصر، لتسهيل جريمة البيع بعيدا عن أي رقابة، وإلغاء وزارة قطاع الأعمال العام، وتحويل الشركات القابضة الثمانية، التي تدير ١٢١ شركة تابعة للصندوق الجديد، ويضاف إليها 32 شركة تابعة لوزارة التموين، وقد وافق مجلس الوزراء على إنشاء هذا الكيان الجديد بزعم استغلال أصول الدولة بشكل أمثل، والأمثل في عرف الحكومة معناه البيع.

المفاجئ أن الحكومة قفزت قفزة انتحارية بتجهيز المرافق العامة الخدمية للبيع مثل الكهرباء والماء والغاز، وتخلت الحكومة عن دورها في احترام حق المواطن في أن يعيش، وبدأت في رفع الفواتير لتعظيم الربح لتناسب أطماع الملاك الجديد الذي تم تحديدهم في المؤسسات الدولية، وسيباع كل قطاع للدولة التي قدمت له القروض التي تضاعفت لأرقام فلكية، فالمترو للفرنسيين، والسكة الحديد للإنجليز، ومرفق الماء للأمريكيين، ومرفق الكهرباء للألمان.

سادة وعبيد

من الكوارث التي يعيشها المصريون الآن هي تفكيك المجتمع وتقسيمه إلى سادة وعبيد، بصناعة طبقة مستفيدة موالية للسلطة تقدم لها كل المزايا والعطايا، ويتم التعامل معها وكأنها فوق البشر تتكون من ضباط الجيش والشرطة والقضاة وتم ضم الدبلوماسيين لها مؤخرا، إذ تصدر القوانين بزيادة مرتباتهم ومكافآتهم.

وفي المقابل يعيش باقي الشعب في المعاناة، فلا تحريك للمرتبات يواكب قفزات الأسعار ومواجهة الغلاء، حتى أصحاب المعاشات الذين حصلوا على حكم قضائي من المحكمة الإدارية بحقهم في صرف علاوة إضافية رفضت الحكومة التنفيذ، وبطريقة لا تليق تحايلت بسلوك غير قانوني وطعنت أمام محكمة غير مختصة لتعطيل الحكم!

***

الانتفاضة المصرية التي رأيناها في المترو مجرد مقدمات للغضب المكبوت لدى الشعب الذي يستهين به القائمون على الحكم، وهذا الغضب على موعد آخر بعد أيام مع الزيادة المقررة في أسعار الوقود التي ستشعل نارا في كل أنحاء مصر، وليس القاهرة فقط، لارتباطها بعصب الحياة اليومية، ولن يقتصر تأثيرها على حركة النقل والمواصلات وإنما على مجمل النشاط الاقتصادي.

الذين يراهنون على أن البندقية ستظل دائما صاحبة القرار وأن القمع سيمنع الناس من التظاهر يخطئون في الحسابات؛ فالقوة الباطشة التي استخدمت ضد التيار الإسلامي ليكون أمثولة وعبرة لباقي الشعب يصعب استخدامها مع جمهور جائع يبحث عن قوت يومه وليس لديه ما يخسره.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها