“اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين”.. متى يصل مصر؟         

- ‎فيتقارير

يحتفل العالم باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام.

الثاني من نوفمبر هو اليوم الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها رقم 163/68، يومًا عالميًّا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين،  واختير هذا التاريخ استذكارًا لاغتيال صحفيين فرنسيين في مالي، يوم 2 نوفمبر من العام 2013.

ويهدف هذا اليوم إلى حماية الصحفيين الذين يؤدون عملهم في كشف الجرائم وملابسات القضايا التي تمس أمن الشعوب واستقرار الدول، ويواجهون الفساد وتجارة الأسلحة والمخدرات والبشر وتزوير الانتخابات، وما يجري من تلويث للبيئة وتدمير للمحيطات والغابات، وما يتعرضون له من القتل والتعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والاحتجاز التعسفي والطرد والترهيب والمضايقة والتهديد البدني والقانوني والسياسي والتكنولوجي والاقتصادي، والأفعال التي تنطوي على أنواع عنف أخرى.

كان تقرير صادر عن الأمم المتحدة، مؤخرا، قد كشف عن ارتفاع نسبة قتل الصحفيين في الدول العربية مقارنة بدول العالم الأخرى، مشيرًا إلى أن نسبة الصحفيين القتلى بالعالم العربي منذ عام 2006 وحتى عام 2017، بلغت 33.5%.

جمال خاشقجي

وكانت أبرز حالات قتل الصحفيين العرب، ما حدث للصحفي السعودي جمال خاشقجي، والذي قتل مطلع أكتوبر الماضي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، على يد عصابة مكونة من 15 شخصًا جاءوا على متن طائرتين من السعودية لتنفيذ الجريمة، حيث تم خنقه وتقطيع جثمانه، وسط إدانات دولية واسعة لتلك الجريمة، ومطالب بالإفصاح عن مكان الجثمان، وفتح تحقيق دولي محايد، ومعاقبة القتلة ومن أمر بإرسالهم.

وبمناسبة ذلك اليوم، تستمر قبضة سلطات القمع على المشهد الصحفي والإعلامي، وسيطرتها على كافة المنابر والمنافذ الإعلامية، المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية، من خلال إعادة ترتيب سوق الإعلام عبر عمليات ممنهجة لانتقال الملكية لجهات أمنية فيها، بجانب إغلاق نحو 500 موقع وصحيفة بلا أي أساس قانوني.

الخلايا الإعلامية

ووصل عدد الصحفيين المحبوسين إلى 21 صحفيًا، وارتفعت وتيرة محاكمات الصحفيين أمام القضاء الاستثنائي؛ إذ نظرت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عددًا ليس بقليل من القضايا بحق صحفيين، أبرزها القضية المعروفة إعلاميًا بـ”مكملين2″ والقضية 441 لسنة 2018، والمعروفة إعلاميًا بالخلايا الإعلامية لجماعة الإخوان. كما شهد هذا العام إصدار حكم نهائي بات بحق ثلاثة صحفيين مصريين هم: عبد الله الفخراني وسامح مصطفى (الصحفيان بشبكة رصد الإخبارية) ومحمد العادلي المذيع بقناة أمجاد الفضائية، إذ أيدت محكمة النقض الحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات الجيزة، مايو الماضي، بالسجن المُشدَّد 5 سنوات، وذلك بعدما قضوا 5 سنوات رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية.

من جانبها، لم تتوقف النيابة العامة عن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته للتنكيل بالصحفيين، ويُعد استمرار حبس المصوِّر الصحفي محمود أبو زيد الشهير بـ”شوكان” أوضح مثال على ذلك، إذ يقضي شوكان حاليًا عامه الخامس من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة بـ”فض رابعة،” رغم أنه يُعاني من مرض مُزمن “أنيميا البحر الأبيض المتوسط”، ويحتاج إلى عناية طبية متواصلة، فضلا عما يواجهه من تعنت غير مفهوم من السلطات المعنية بشأن تلقيه العلاج الملائم لحالته التي تزداد سوءًا.

قوى الشر

هذا المناخ المصادر لحرية الإعلام، يأتي استجابة لتكليف النائب العام المستشار نبيل صادق، أبريل الماضي، لرؤساء النيابات والمحامين العموم، بمتابعة ما يُنشر أو يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، وإحالة أي مخالفة للتحقيق الجنائي، مستخدمًا مصطلح قائد الانقلاب العسكري السيسي المكرر في وصف وسائل الإعلام المختلفة بـ”قوى الشر”، دون تحديد أو تعريف.

ولعل هذا يفسر مصطلح “رُهاب الإعلام” الذي اختارته منظمة مراسلون بلا حدود- منظمة دولية مهتمة بحرية الصحافة ومقرها فرنسا- لوصف الوضع في بلدان مثل مصر (161/180) في تقريرها بشأن التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2018 والذي عنونته بـ”كراهية الصحافة تُهدِّد الديمقراطيات”، حيث أشارت المنظمة الفرنسية إلى أزمة تعميم الاتهامات بالإرهاب ضدّ الصحفيين وسجن غير الموالين منهم اعتباطيًا.

حرية تداول المعلومات

فيما يتوسع المجلس الأعلى للإعلام بتشكيل ثنائيات رقابية مع نقابتي الصحفيين والإعلاميين، هدفها إحكام قبضة الرقابة على كل ما يخرج للجمهور، في عداء واضح للصحافة وكل وسيط من شأنه نقل المعلومات أو تقديم رواية بديلة عن الأحداث غير تلك الرواية الرسمية التي تتبناها الدولة وتحتكرها، ولعل هذا يفسر أيضا تأخُر صدور قانون حرية تداول المعلومات، الذي كان يفترض أن يعده المجلس الأعلى من خلال لجنة شكلت هذا العام.

وبالمنطق نفسه تعمل الهيئة العامة للاستعلامات، خاصة بعد تولي الكاتب الصحفي ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضياء رشوان رئاستها، إذ تلعب دورًا رقابيًّا جديدًا، ولكنه موجَّه لكل ما يُنشر أو يُبث عن الدولة المصرية في وسائل الإعلام الأجنبية، وهو ما نجم عنه العديد من الأزمات بين الهيئة وعدد من المؤسسات الدولية، بينها وكالة رويترز، وبي بي سي.

وبدوره أسهم المجلس الأعلى للإعلام أيضًا في إهدار سيادة القانون، حينما تخلى عن دوره في حماية المنافسة ومنع الاحتكار في سوق الإعلام، في ظل شُبهات واسعة حول تدخُّل جهات سيادية بشكل مباشر في عمليات انتقال للملكية في سوق الإعلام، كان من بينها عملية انتقال ملكية مجموعة “إعلام المصريين”، المالكة لعدد كبير من وسائل الإعلام والصحافة ذات التأثير الواسع، لصالح مجموعة “إيجل كابيتال”، المملوكة للسيدة داليا خورشيد وزيرة الاستثمار السابقة بحكومة الانقلاب وزوجة محافظ البنك المركزي طارق عامر، وتُعد “إيجل كابيتال” أحد أشكال الاستثمارات التابعة لجهاز المخابرات العامة بحسب تقارير صحفية متداولة. كذلك صفقة شراء مجموعة “فالكون” للخدمات الأمنية لشبكة قنوات الحياة المملوكة للدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد الليبرالي. و”فالكون” هي مجموعة مالية يرأس مجلس إدارتها وكيل جهاز المخابرات الحربية السابق.

مثل هذه الصفقات لم تحظ بأي اهتمام من المجلس الأعلى للإعلام، رغم الشُبهات التي تدور حولها، ولو من باب تقصي الحقائق بشأن تلك العمليات ومدى تأثيرها على مناخ المنافسة الحرة والشفافة في سوق الإعلام.