تجار التعليم أقوى.. وتجار الدعارة أيضاً

- ‎فيمقالات

نموذجا فساد رسمي

في عهد أحمد فتحي سرور عندما كان وزيرا للتعليم، تزايدت في المجتمع المصري موضة مدارس اللغات بدءا من مرحلة الروضة. وأصبحت كل الأسر المصرية المتطلعة إلى مستقبل واعد لأطفالها حريصة على إلحاقهم بتلك المدارس، وكانت كلها خاصة ذات مصروفات بالآلاف. والعجيب أن وزارة التربية والتعليم انساقت وراء هذه الموضة فحولت بعض مدارسها إلى ما يشبه مدارس اللغات وأطلقت عليها اسم “التجريبية”.

ولأن مصر غنية بالمخلصين من أبنائها في كل تخصص، فقد قرر عدد من أساتذة التربية المحترمين في أكثر من جامعة التصدي لهذه الموضة. وفوجئنا كأولياء أمور بحملة صحفية مضادة في جريدة الأهرام بشأن خطورة هذه المسألة. في هذه الحملة أثبت علماء التربية أن تدريس اللغات الأجنبية في مرحلة الروضة والابتدائي خطأ تربوي مدمر لعقلية الطفل في سنوات عمره المبكرة. أتذكر أن الحملة الصحفية استمرت أياما. وقد أدلى فيها جميع أطراف العملية التعليمية بآراء مؤيدة بحجج قوية للغاية. وقد قررت أنا شخصيا بعد هذه الحملة الصحفية أن أعيد النظر في حالة أبنائي ممن كانوا يدرسون في إحدى مدارس اللغات الخاصة الشهيرة. وبالفعل قررت تحويلهم من الدراسة باللغة الإنجليزية إلى القسم العربي بنفس المدرسة.

أثمرت الحملة الصحفية قرارا سياسيا أصدره وزير التعليم أحمد فتحي سرور بمنع تدريس اللغات في مرحلتي الحضانة والابتدائي، على ما أذكر. وقد تنفست وكثيرون من أمثالي أولياء الأمور الصعداء. واعتبرت أن في مصر وزيرا حريصا على هوية وعقلية الأجيال الجديدة. وحمدت للرجل استجابته لنصيحة ومشورة أهل الذكر أساتذة التربية.

لم يمض شهر تقريبا من بعد صدور هذا القرار إلا وجرى إلغاؤه. ويا فرحة ما تمت كما نقول في الأمثال. في مدة الشهر تنادى المضارون من القرار، وهم أصحاب مدارس اللغات الخاصة. فعقد القوم اجتماعات ونشروا بعض الإعلانات التحريرية في عدد من الصحف. كان من الواضح أن قرار الوزير تسبب في ضرر كبير لهؤلاء الناس. فقد صدر قرار الوزير في نهاية موسم دراسي، أي قبل قدوم أجازة الصيف.

كثيرون من أولياء الأمور ممن عرفوا وقرؤا عن خطورة تدريس اللغات في مرحلتي الروضة والابتدائي أحجموا عن إلحاق أطفالهم بمدارس اللغات. وهكذا فبدلا من أن يربح أصحاب المدارس الملايين التي أعدوا أنفسهم لتلقيها مع بدء الموسم الدراسي الجديد، إذا بهم صفر اليدين. أقام هؤلاء الدنيا نشرا وحملات مضادة وضغوطا على وزارة التربية والتعليم. ومن أسف فقد جند أصحاب المدارس الخاصة بعض الصحف والصحفيين للطعن في علمية وصحة رأي علماء وخبراء التربية والتعليم.

وفجأة “لحست” وزارة التربية ووزيرها القرار بلا أدنى حياء ولا اعتبار للصالح التربوي العام.

هل رأيتم ماذا يحدث إذا تعارضت مصلحة أشخاص أو فئة قليلة من أغنياء مصر مع مصلحة الشعب الثابتة علميا وسياسيا؟

لدي مثال آخر لعله أخطر أخلاقيا:

في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، أي في الربع الأول من التسعينيات، جاءت إلى مصر موجة من الفتيات الشقراوات الروسيات والأوكرانيات. والتحق معظمهن بعلب الليل في شارع الهرم وبعض فرق الرقص والاستعراض. ولأن كثيرين من ضباط شرطة الآداب محافظون ويعملون بضمير فقد اكتشفوا أن أعدادا من هاتيك الفتيات بدأن يعملن سرا في الدعارة. وبسرعة اقترحت إدارة شرطة الآداب أن تشترط سفارات مصر في روسيا وأوكرانيا مرافقة زوج أو أب أو أخ للفتيات الراغبات في الحصول على تأشيرة زيارة للقاهرة. وبالفعل طبق الاقتراح فتراجع عدد الفتيات القادمات من تلك الدول لغرض الدعارة.

المثير للدهشة آنذاك أن مجلة المصور كتبت تسخر من اشتراط سفاراتنا وجود من اعتبرته محرم مع الراغبات في تأشيرة سياحية من دول الاتحاد السوفيتي السابق. ولم تمض أسابيع قليلة إلا وقد ألغت الخارجية المصرية شرط المحرم مع القادمات من تلك الدول.

استفزني هذا الإلغاء الرسمي فحاولت الوصول إلى من وراءه. ونجحت في معرفة السر من ضابط كبير في جهاز سيادي مهم. قال لي ذلك الضابط ما معناه إن هناك عصابة تحتمي ببعض مسؤولين لتورد اللحم الروسي والأوكراني الأبيض لراغبي المتعة الحرام.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها