تطورات كبرى في قضية خاشقجي.. “بن سلمان” على طريق الإطاحة وربما المحاكمة

- ‎فيعربي ودولي

ثمة تطورات مدهشة وسريعة جرت خلال اليومين الماضيين في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول التركية بوحشية مفرطة على يد فريق اغتيالات يتبع لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تمثلت في انتهاء المخابرات المركزية الأمريكية “السي آي إيه” إلى أن من أمر بالقتل هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبذلك أصبحت الاتهامات تلاحق ولي العهد صراحة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانت تركيا تشير إليه دون تصريح باسمه.

وكان تركيا قد اشترطت تحقيقات دولية، ورفضت رواية النيابة السعودية الخميس الماضي، والتي تعفي ولي العهد من أي مسئولية وأن قتل خاشجقي جرى بطريق الخطأ بعد شجار ثم حقنه بجرعة مخدرات زائدة أفضت إلى موته وتقطيع جثته.

وأكدت أنقرة أن وراء الجريمة قرارا سياسيا صدر من أعلى هرم السلطة في السعودية وأن قرار القتل صدر في الرياض وليست عفويا كما تدعي الرواية السعودية.

وفي صباج الجمعة فجرت تركيا مفاجأة جديدة بمحتويات تسريب جديد حول اتفاق فريق الاغتيال على قتل خاشجقي قبل دخوله القنصلية وأنه تم تحديد مهمة كل شخص قبل الجريمة، وهو التسريب الذي عصف بالرواية السعودية وفضح أكاذيبها من أجل إفلات ولي العهد من الجريمة الوحشية.

هذه التطورات دفعت الجانب التركي إلى الشعور بقدر كبير من الارتياح؛ لأن أنقرة لم تصبح بمفردها من توجه سهام الاتهامات لولي العهد السعودي، بل إن المخابرات الأمريكية دخلت على الخط تدعم الاتهامات التركية وتؤكد تورط “بن سلمان” في الجريمة الوحشية، وهو ما يضاف إلى المواقف الألمانية والكندية الداعية لمحاكمة شفافة تكشف عن جميع المتورطين السياسيين والجنائيين؛ لأن الجريمة سياسية بامتياز وليست جنائية كأي شجار جرى بين مجموعة كما تحاول الرواية السعودية أن تقنع العالم به!

وسوف ينعكس ذلك على تطورات الأزمة على النحو التالي:

أولا: سوف يؤدي ذلك إلى تشديد الخناق على ولي العهد السعودي، كما أن هذه التطورات ـ بحسب محللين ومراقبين ـ غيرت الأجواء المتشائمة التي سادت الأسبوع الماضي في أعقاب الدفاع الأمريكي والفرنسي عن “بن سلمان” والصمت البريطاني مع مؤشرات انحياز واضحة للمصالح على حساب العدالة.

وكان ولي العهد تنفس الصعداء يوم الخميس الماضي 15 نوفمبر في أعقاب صدور بيانين أعفياه من أي مسئولية عن الجريمة، الأول بيان النيابة السعودية الذي اعتمد أكذوبة “القتلة المارقين” وطالب بإعدام 5 متهمين وبيان وزارة الخزانة الأمريكية الذي وقع عقوبات بحق 17 متورطًا ليس من بينهم محمد بن سلمان؛ لكن التطورات الجديدة والمفاجئة التي جرت أمس الجمعة وأمس السبت تفتح بابا واسعا للإطاحة بولي العهد الدموي وربما تفضي إلى محاكمته دوليًا على هذه الجريمة الوحشية.

ثانيا: هذه التطورات تضع ولي العهد في مأزق كبير، حيث ترى مضاوي الرشيد، الأكاديمية المتخصصة في الاقتصاد، بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن، في مقال لها بصحيفة “ميدل إيست آي” أن ولي العهد يواجه مأزقًا كبيرًا، وتساءلت: هل سيُقَدِّم القتلة الخمسة للعدالة ويعدمهم لارتكابهم الجريمة مثلما طلب النائب العام؟ أم سيحميهم مقابل تنفيذهم الأوامر؟ حسنًا، سيواجه مأزقًا كبيرًا في كلتا الحالتين. فإذا أعدم محمد بن سلمان القتلة، فسوف يعفيه ذلك من أي مسئولية على الأقل في الوقت الحالي، لكنَّ هذا سيبعث برسالة خطيرة ومزعجة لأكثر مُعاونيه إخلاصًا وطاعة، وهم أجهزة الاستخبارات والأمن وفرق الاغتيال التي ربما يكون تولى رعايتها. قتل خاشقجي شيء، وإعدام خمسة من عملائه المقربين شيء آخر.

ربما توقع هؤلاء العملاء الحصول على الميداليات كمكافأة على “تخليص الأمير من ذلك الصحفي المزعج” بدلاً من الإعدام الدراماتيكي في ساحةٍ عامة بالرياض. فالإعدام العلني لعناصر أمنية وموالين لوليّ العهد يعني أنَّه في حالة حدوث المزيد من الفضائح، التي تنطوي على استخدام مفرط للقوة أو عمليات قتل، فإنَّ هؤلاء وحدهم هم من سيقع عليهم اللوم. وأولئك الذين يُصدِرون لهم الأوامر سيظلون محميين. في الواقع، أولئك الذين يأمرونهم بإعادة المعارضين إلى البلاد أو القضاء عليهم، سوف يأمرون أيضًا بإعدامهم إذا أصبحوا مصدرَ إحراجٍ عام.

ثالثا: إذا أعدم ولي العهد هؤلاء الخمسة، فإن ذلك يبعث برسالة قلق وخوف لجميع العاملين في الأجهزة الأمنية التابعة لبن سلمان؛ لأن بقاء النظام بات معتمدًا على تقديم المزيد من كباش الفداء؛ وبذلك سوف يعيد عناصر هذه الأجهزة التفكير في مصداقية النظام الذي يعملون لصالحه. ليس هناك ما هو أكثر إثارة للقلق من إطاعة أوامر بالقتل، ثم تذهب حياتك هباءً بسبب انصياعك لهذه الأوامر. سوف ينعكس ذلك سلبا على جميع الأجهزة المخابراتية والأمنية حيث تأكدوا أنهم سيدفعون الثمن في نهاية المطاف لنجاة من يلقون لهم الأوامر بتنفيذ العمليات القذرة؛ وهذا سوف يؤدي إلى نتيجة شديدة الخطور على مستقبل النظام السعودي إذا بقي “بن سلمان” على رأس هرم السلطة؛ لأن ولي العهد سيفقد ثقة جميع الأجهزة المخابراتية والأمنية في ظل تخليه بل تحريضه لمحاكمة المتورطين في الجريمة التي أمر هو نفسه بها.

رابعا: إذا تدخل بن سلمان لحماية فريقه الأمني الذي نفذ الجريمة فسوف يبعث ذلك برسالة تؤكد أنه هو من أمر بالجريمة الوحشية، ولذلك فإن عدم تنفيذ الحكم سيضع ولي العهد دائما في مواجهة الاتهامات التي تلاحقه بالأدلة باعتباره صاحب القرار السياسي بتنفيذ الجريمة المروعة؛ سيظل ولي العهد مُتَّهَمًا أولاً بنفي مسئوليته عن جريمة القتل، وثانيًا بحماية أولئك الذين يطيعون أوامره حتى لو كانوا قتلة.

خامسا: بعد تقييم المخابرات الأمريكية تحولت أكذوبة “القتلة المارقين” إلى نظرية جديدة تحت لافتة “الدولة المارقة” فهل يصر النظام السعودي على حماية ولي العهد إلى ما لا نهاية؛ وبذلك يعرض نفسه لعقوبات وعزلة دولية أم يضحي بولي العهد من أجل بقاء النظام؟! وكان محمد بن سلمان قد صرح لقناة “سي بي إس” الأمريكية في مارس 2018 أنه سوف يحكم بلاده 50 سنة قادمة ولن يمنعه من ذلك سوى الموت، لكن يبدو أن بن سلمان سيعيش ويرى غيره على كرسي العرش بالمملكة!

سادسا: تقييم المخابرات الأمريكية والذي نشرته كبريات الصحف الأمريكية وشبكات الإعلام الدولي، ونقلت الجزيرة عن مصادر تركية أنها تلقت نفس التقييم من جانب السي آي إيه منذ عدة أيام تفيد بتورط ولي العهد السعودي في الجريمة، تضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ورطة كبيرة؛ فالببيت الأبيض كان أحرص المؤسسات في العالم إلى جانب الكيان الصهيوني وحكومات تحالف الثورات المضادة على العمل من أجل إفلات “بن سلمان” من أي مساءلة أو حتى الإطاحة به من ولاية العهد؛ فمصالح واشنطن تعتمد على بقاء “بن سلمان” وترامب أعلن ذلك صراحة، مؤكدا أنه لن يتخلى بسهولة عن صفقات سلاح بـ110 مليارات دولار ومليارات الدولارات المستثمرة في بلاده والتي توفر الآلاف من فرص العمل من أجل خاشجقي. وكان هو من اخترع أكذوبة “القتلة المارقين” لإنقاذ “بن سلمان”.

فماذا يفعل ترامب بعد هذه التقييمات الصادرة من السي آي إيه والتي حظيت بقبول واسع في أوساط المشرعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس النواب والشيوخ؟ فترامب صرح على أنه سوف يبحث الأمر مع المخابرات وفريقه الرئاسي في البيت الأبيض ملمحا إلى ضرورة الوضع في الحسبان أهمية السعودية ومصالح أمريكا. لكن ذلك لن يبقى طويلا لأن المؤسسات الأمريكية الأخرى والضغوط الإعلامية التي تحاصره ستجبره حتما على التراجع عن دعم بن سلمان للنهاية في ظل كثرة الأدلة التي تؤكد تورطه.

الخلاصة أن ولي العهد السعودي بات في ورطة كلها خسائر؛ أولا تم استبعاد تنازل الملك سلمان عن العرش لنجله، كما أن عناد بن سلمان واستكباره سوف يتعرض لملاحقات واتهمات أينما ذهب وسوف يتحول إلى ملك منبوذ خارجيا غير موثوق فيه من أجهزته المخابراتية والأمنية داخليا؛ ومن مصلحة النظام والأجهزة الأمنية ألا يبقى بن سلمان وليا للعهد ولا وريثا للعرش. فهل اقتربت ساعة الإطاحة بولي العهد المعتوه؟