تعديل دستور “الحاجة عواطف”

- ‎فيمقالات

لا يولد الطاغية وبيده حقيبة صغيرة تحوي أدوات الاستبداد، هو فقط يكون مسكونًا بالرغبة في الاستبداد، فيما تلعب النخب السياسية الدور الأعظم في ترسيمه مستبدًا، وتعميده طاغيًة.

هذا ما جرى مع عبد الفتاح السيسي، جاء وبطش وتجبّر، تنفيذًا لرغبة أطيافٍ من النخب السياسية خلعت عليه ألقابًا وصفات دفعته إلى مزيدٍ من الطغيان، ويمكنك أن تلمس ذلك في كل أحاديثه “أنتم طلبتم مني” و”أنتم قلتم لي”، فمنذ اللحظة الأولى هو حريص، عندما يقتل، أن تبتلّ الأيدي المصفقة له بالدماء، كي لا تجرؤ فيما بعد على الامتداد مطالبةً برحيله، أو توقفه عن البطش.

هل كان عبد الفتاح السيسي يُقدم على خطوة طلب التفويض بممارسة القمع والدكتاتورية، لولا أن مثقفين وسياسيين أظهروا أمامه نزوعًا أكبر من نزوعه الشخصي نحو الإقصاء والإبادة؟

راجع خطابهم في المرحلة السابقة على مجازر السيسي، منذ اللحظة الأولى التي نفذ فيها انقلابه، ستجدهم سيسيين أكثر من السيسي، وعسكريين أكثر من الجنرالات، وأمنيين أكثر من البوليسيين، ممهدين الأرض تحت أقدام الطاغية الصاعد، لكي يزاول القتل والقمع، بناءً على رغبة الجماهير التي انساقت وراء رموزٍ شقّت مجرى الاستبداد، واستمتعت بالسباحة في تياره، ظنًا منها أنها ستتخلص ممن تكرههم، وتكون شريكة للطغيان فيما بعد، بعد تجميله وتزيينه وتسويقه للناس على أنه الضرورة، ليتحول كل شيءٍ بعد ذلك إلى ضرورات، فالتطبيع ضرورة، والتبعية ضرورة أكبر، وقتل الحريات العامة والإجهاز على أية فرصة للديمقراطية هو الضرورة القصوى.

مبكرًا جدًا، وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2013، وبعد أربعة أشهر من المذابح، كان سياسيون يمسكون بالفؤوس، ويضربون الضربة الأولى لحفر طريق الطغيان، حين دشّنت شخصيات عامة وسياسية حركة أطلقوا عليها “الشعب يأمر”، والهدف أن يكون الاستبداد باسم الشعب، وضمت الحركة النائبين البرلمانيين السابقين جمال زهران (أستاذ علوم سياسية) وحمدي الفخراني نائب وناشط (يقبع في السجن الآن بعد إهانته وسحله فوق منصات الإعلام) خرجوا على الناس بحركةٍ تمنح الفريق عبد الفتاح السيسي رتبة المشير، وتطالبه بالترشّح لرئاسة الجمهورية، واعتماد قانون الإرهاب أسلوبًا وحيدًا للتعاطي مع كل من يعارض مشروع عبد الفتاح السيسي، وبالطبع قطع العلاقات بشكل كامل مع الدول التي اتخذت موقفًا لا ينحاز مع منطق الانقلابات.

فيما ذهبت شريكتهما في الحركة، الحاجة عواطف، كما نشرت صحيفة “المصري اليوم” في ذلك الوقت إلى اعتبار السيسي “من الأهرامات الثلاثة”، وتقول “أطالب المشير السيسي بأن يترشّح للرئاسة ويصبح رئيساً، ولن يكسر له أحد كلمة، وأقول له، إنت من الأهرامات الثلاثة ولن يهزّك ريح”.

تلك كانت مفتتح الأساطير المؤسسة للوصول إلى اللحظة التي يقرّر فيها السيسي، بعد دورتين رئاسيتين، بصرف النظر عن أنه لم تكن انتخابات من الأساس، لكي يخلد نفسه في السلطة، ولا يغادرها إلا بالموت، عن طريق تعديل الدستور، وتنصيب نفسه مالكًا أوحد للدستور، ولكل الدساتير القادمة، باختراع منصب “رئيس المجلس الأعلى لحماية الدستور”، ولم لا والسياسيون من زملاء “الحاجة عواطف” قالوا له مبكرًا “افعل ما شئت، ولن يكسر لك أحد كلمة”؟

على أن “الحاجة عواطف وشركاءها” لم يكونوا أول من طلب أن يصبح الجيش وصيًا على الدستور، ذلك أن الدكتور محمد البرادعي، نائب الرئيس المؤقت الذي عيّنه السيسي بعد الانقلاب، كان أول من سار في هذا الطريق، حين أعلن عبر فضائية دريم، أغسطس/ آب 2012، أنه يطالب بوجود مادة في الدستور، تسمح للجيش بحماية الدولة المدنية، خوفا من قيام دولة دينية إسلامية.

هكذا ببساطة صار الطريق مفتوحًا أمام الجيش الذي هو الحزب الذي جاء منه السيسي، لكي يهيمن على السياسة، بدءً من التحكّم بالدستور، وليس انتهاءً بتجريم العمل السياسي الحقيقي.

فلماذا لا يفعلها السيسي، ويخترع مادة تقول إنه حيثما وجد السيسي يكون بيت التشريع؟

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها