تفاصيل “الكذب السعودي” من نفي الموت إلى الاعتراف الليلي

- ‎فيتقارير

يقول المثل الدارج: “إذا أردت أن تكون كذوبا فكن ذكورا”، لكن النظام السعودي الحالي لا يحتاج أن يكون ذكورا في امتهان صفة الكذب، حتى وإن كان كذبه مفضوحا.. ولما لا وهناك من يصدق كذبه، ويدعمه، وخاصة إذا كان بحجم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي رفض كل أعضاء الكونجرس الذي يراقب إدارته، الأكاذيب التي صدرت من السعودية سواء بعدم علمها بمقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي، أو اعترافها الأخير بمقتله، إلا الرئيس الأمريكي اعتبر أن كذبة السعودية مقبولة وخطوة جيدة، خاصة إذا كانت مبررة بعشرات المليارات من الدولارات التي سترسلها السعودية من أموال المسلمين لترمب ليقتنع بهذه الكذبة ويبررها لشعبه.

وأعلنت الرياض، في الساعة الأولى من صباح السبت، مقتل الصحافي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول إثر شجار مع مسئولين سعوديين وتوقيف 18 شخصا كلهم سعوديون، فيما لم توضح مكان جثمان خاشقجي الذي اختفي عقب دخوله قنصلية بلاده في 2 أكتوبر الجاري، لإنهاء أوراق خاصة به.

كذب منذ البداية

في البداية، بدأت كذبة النظام السعودي بأول تصريح من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه، والذي قال يوم 5 أكتوبر بعد الحادث بثلاثة أيام، إن ما يعرفه كولي عهد هو أن جمال خاشقجي دخل القنصلية وخرج بعد دقائق قليلة أو ربما ساعة من القنصلية في تركيا، وأنه يحقق في هذا الأمر من خلال وزارة الخارجية السعودية لمعرفة ما حدث بالضبط”.

وقال ولي العهد السعودي إنه ليس هناك لدى السعودية ما تخفيه في مسألة اختفاء الصحفي البارز جمال خاشقجي، مضيفاً أنه سيسمح للسلطات التركية بالدخول إلى مبنى القنصلية.

وهو ما أعلنت معه وزارة الخارجية التركية، استدعاء السفير السعودي لديها للتباحث في مسألة اختفاء خاشقجي، وجاء إعلان الخارجية متأخراً، حيث تمّ استدعاء السفير السعودي في اليوم الذي سبق.

وخلال جلسة الاستدعاء، أكد السفير السعودي إلى أنقرة أنه لا يمتلك أية معلومات عن الصحفي جمال خاشقجي.

وقال نائب وزير الخارجية التركي، يفوز سليم كيران، للسفير السعودي إنه “يجب تقديم التوضيحات عن هذه القضية فوراً”.

فيما نفت القنصلية السعودية في بيان نشرته وكالة الإعلام السعودية علاقتها بأي شيء حول اختفاء خاشقجي، وقالت “إنها تتابع التقارير الإعلامية عن اختفاء جمال خاشقجي بعد خروجه من القنصلية”.

وأضاف البيان أن القنصلية ستعمل عن كثب مع السلطات التركية لتبيان حيثيات اختفاء خاشقجي.

وأعلن متحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الوزارة تتابع التقارير المتعلقة باختفاء خاشقجي وأنها تحاول استقاء المزيد من المعلومات في هذا الشأن.

وجاء تصريح الوزارة بعد يوم من اختفاء خاشقجي، بحسب ما قالته خطيبته التي انتظرته أمام مبنى القنصلية في الثاني من تشرين  أكتوبر.

نفي جميع السعوديين

كما نفى عشرات المسئولين السعوديين من خلال تصريحات وبيانات رسمية نشرتها وكالة “واس” السعودية الرسمية، أي أنباء تتحدث عن أن يكون الكاتب السعودي في القنصلية أو أن يكون رهن الاعتقال.

لتنفي بعدها خديجة جنكيز خطيبة الكاتب السعودي المغدور به، ما جاء على لسان مسئولين سعوديين من أنه غادر مبنى القنصلية بعد انتهاء اجتماعه، سائلة “لو كان خرج حقاً، فأين هو الآن؟”

ويخرج مجددا مسئول سعودي على “واس” ويقول إن التقارير التي تتحدث عن اختفاء جمال خاشقجي في القنصلية السعودية، خاطئة مضيفاً أنه زار القنصلية لإنجاز بعض الأوراق وخرج بعد ذلك بفترة قصيرة.

وردت خطيبة خاشقجي إنه دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول في تمام الواحدة ظهراً ولم يخرج منها.

ولم تعلن خديجة جنكيز عن ذلك إلا بعد مرور ثلاث ساعات على انتظاره أمام مبنى القنصلية.

زيارة رويترز

وبعد أربعة أيام على اختفائه، فتحت السعودية أبوابها لوكالة “رويترز” للأنباء في محاولة منها لنفي الادعاءات الموجهة إليها ومفادها أن الكاتب السعودي موجود في المبنى.

وقال القنصل السعودي، محمد العتيبي، إن المبنى مجهز بكاميرات للمراقبة ولكنها تبث صوراً حية لما يجري حول المبنى من دون أن تحفظ تسجيلات.

ولذا، بحسب العتيبي، لم يكن بمقدور القيّمين على أمن القنصلية السعودية استخراج لقطات دخول خاشقجي إلى المبنى وخروجه منه.

لا أوامر بالقتل

كما نفى وزير الداخلية السعودي وجود أوامر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وأكد شجب المملكة واستنكارها لما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من “اتهامات زائفة”.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف آل سعود قوله “ما تم تداوله بوجود أوامر بقتله هي أكاذيب ومزاعم لا أساس لها من الصحة تجاه حكومة المملكة المتمسكة بثوابتها وتقاليدها والمراعية للأنظمة والأعراف والمواثيق الدولية”.

ليخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن صمته، ويقول، إنه لا يمكن للمسئولين السعوديين القول إن “خاشقجي غادر القنصلية” ببساطة، مضيفاً إن عليهم “إثبات ذلك”.

ثم يعبر عبر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترمب عن قلقه من التقارير الصحفية حول اختفاء الكاتب المعارض السعودي جمال خاشقجي. وأضاف ترامب “لا نعرف عنه شيئاً”.

وقال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه لم يتحدث إلى السعوديين بعدُ في مسألة اختفاء الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي مضيفاً أنه سيقوم بذلك “في مكان ما”.

في حين بدأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يصعد من لهجته، بعد حديث وسائل إعلام تركية عن امتلاكه تسجيلات تؤكد مقتل خاشقجي في القنصلية، وقال إن تركيا لا يمكن أن تبقى صامتة فيما يتعلّق بقضية اختفاء جمال خاشقجي، بحسب ما ذكرته صحيفة “حرييت” التركية.

وتساءل أردوغان أمام صحفيين عن ادعاءات المملكة العربية السعودية التي قالت سابقاً إن كاميرات المراقبة أمام القنصلية تغطي بشكل حيّ ما يحصل، إنما لا تحفظ تسجيلات.

وسأل أردوغان “هل يعقل أنه ليس هناك من (نظام) كاميرات في القنصلية السعودية حيث وقعت الحادثة؟”.

وبعد تشديد الخناق التركي على النظام السعودي وتهديدات ترمب وأعضاء بالكونجرس الأمريكي بعقوبات مغلظة ضد السعودية، يضطر اللك سلمان للاتصال بالرئيس التركي مستنجدا به، أن يكون هناك صيغة للخروج من المأزق، إلا أن أردوغان الذي رحب بمبادرة الملك، وأكد صلاة العلاقات بينهما، لم يقبل سوى باعتراف السعودية بمقتل الكاتب الصحفي في القنصلية رفعا للحرج، وبدأت تتوالى الأخبار المنشورة على “سي إن إن” الأمريكية بأن النظام السعودي بدأ يستعد للاعتراف بقتل جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول.

اعترافات ليلية

وبعد نحو ثلاثة أسابيع على اختفائه، أكدت الرياض فجر السبت للمرة الأولى مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصليتها بإسطنبول، زاعمة أنه قتل بعد وقوع “شجار وتشابك بالأيدي” مع عدد من الأشخاص داخلها.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن بيان للنيابة العامة أن الأشخاص السعوديين قابلوا خاشقجي في القنصلية في 2 أكتوبر بعد “ظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد”.

ولم يتضح من البيانات السعودية الرسمية مصير جثة خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة ويكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية ينتقد فيها سياسات ولي العهد.

وبالتزامن مع هذا الإعلان، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري ومسئولين آخرين في جهاز الاستخبارات من مناصبهم.

كما أمر الملك سلمان بإعفاء المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني من منصبه.

وأصدر العاهل السعودي أيضاً قرارا بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات العامة وتحديد صلاحياته.

وفي إطار التحقيقات، ذكرت النيابة العامة السعودية أنها أوقفت 18 سعوديا على ذمة القضية.

وبعد مسلسل الكذب الذي مارسته دولة محمد بن سلمان منذ بدايته وحتى الاعترافات الليلية، يتبقى السؤال الأخير: “أين جثة خاشقجي”.