تفاصيل خدعة العسكر.. لغز الدولار بين التراجع المفتعل ومخاطر تدخل البنك المركزي

- ‎فيأخبار

تمارس حكومة الانقلاب حيلة جديدة تتعلق بسوق سعر صرف الدولار، عبر تدخلات البنك المركزي للتحكم في السعر بالخفض ترجمة لأوامر وتوجيهات مباشرة من الأجهزة الأمنية وصناع القرار وذلك بالتزامن مع حملات ترقيع الدستور من جهة وتأخر استلام الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي من جهة ثانية، وتوقعات بأن ما يجري مجرد حيلة تستهدف خداع المواطنين بأن الدولار في طريقه للتراجع؛ أملا في تخلص المواطنين من مدخراتهم الدولارية في ظل الأزمة التي يواجهها النظام مع تزايد معدلات الديون الخارجية وفق تقارير البنك المركزي والتي ارتفعت إلى 93.2 مليارا في ظل توقعات بوصولها إلى 103 مليارات دولار مع نهاية السنة المالية الحالية.

وبحسب خبراء ومحللين فإن ما تقوم به حكومة الانقلاب هو لعبة جديدة مريبة حول سعر “الدولار” ومن المرجح أنها تسبق موجة ارتفاع قادمة، فالانخفاض الطفيف الحالي (30 قرشا في سعر الدولار) لا يجد له خبراء الاقتصاد تفسيرا، إلا أن الموضوع طرح للنقاش إعلاميا عبر أبواق النظام الفضائية والصحافية، برسالة مفادها أن الدولار مرشح لمزيد من الانخفاض أمام الجنيه، ومن ثم على المواطنين أن يسارعوا إلى بيع ما لديهم من مدخرات دولارية، وهو ما حدث سابقا قبل تحرير سعر الصرف، عندما أشاع الانقلابيون أن من لديه دولارات لن يجد من يشتريها، ثم فجأة تم التعويم فخسر الناس كثيرا من مدخراتهم الدولارية بالبيع بسعر بخس والمصرية بتآكل قيمتها مع تضاعف سعر صرف الدولار.

وائل الإبراشي ناقش موضوع الدولار، فتحدث أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، عن “أنه من المتوقع مع هبوط الدولار انخفاض أسعار السلع المستوردة”، داعيًا المواطنين إلى “التخلص من الدولارات التي بحوزتهم، حتى لا يتعرضوا للانخفاضات القادمة التي تؤثر على العملة”!!. كما خصصت الشروق فى المانشيت الرئيسى تراجع الدولار وارتفاع الاحتياطي النقدي.

ووفقا لخبراء ومتخصصين فإن ما تروج له أبواق العسكر الإعلامي هي رسالة لا أساس لها من واقع؛ حيث اتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن سعر الدولار مرشح للزيادة خلال الفترة المقبلة، مع تنامي حجم الديون الحكومية المحلية والخارجية بشكل مخيف.

تفسير اللغز الغامض

الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي مصطفى عبدالسلام ناقش هذا التراجع الطفيف المفاجئ في سعر صرف الدولار وارتفاع قيمة الجنيه، وتحت عنوان “لغز تراجع الدولار في مصر”؛ حيث يتساءل: “ما الجديد في الاقتصاد المصري حتى تتحسن قيمة العملة المحلية فجأة؟ مؤكدا أن تراجع سعر الدولار وتحسن قيمة الجنيه المصري “حركة مثيرة للقلق وموجهة، ولا علاقة لها بالعرض والطلب”!

ويضيف عبدالسلام أن مبررات ارتفاع الدولار كثيرة ومنطقية، منها مثلا ضخامة المديونيات الخارجية المستحقة على مصر خلال العام المالي الجاري والبالغ قيمتها 14.75 مليار دولار، وانسحاب 11 مليار دولار من الأموال الساخنة من أدوات الدين المصرية خلال تسعة شهور من العام الماضي، إضافة إلى تأخر وصول الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمتها مليارا دولار.

لافتا إلى أن تحسن قيمة الجنيه المصري وبلا مقدمات، بل وتحوّل تراجع سعر الدولار إلى لغز كبير يستعصي على فهم كثيرين، بمن فيهم محللون وعاملون في البنوك وسماسرة عملات ومضاربون؛ لأن كل توقعات البنوك ومؤسسات الاستثمار المحلية والعالمية كانت تصب في اتجاه واحد، هو توقعات بارتفاع سعر الدولار في السوق المصرية خلال الأشهر المقبلة وليس تراجعه كما يجرى حاليا.

ومن العوامل التي تسهم في ارتفاع الدولار لا تراجعه إلغاء آلية تحويلات المستثمرين الأجانب من قبل البنك المركزي، ورفع سعر الدولار الجمركي من قبل وزارة المالية، وفتح باب إستيراد الأرز الصيني، فهي قرارات كان من شأنها زيادة سعر الدولار، وليس العكس كما حدث.

وفي ظل غياب المعلومات انطلقت التفسيرات والتأويلات، ما بين قائل إن ما حدث من تراجع في سعر الدولار هو تمهيد لخفض جديد في قيمة الجنيه المصري، وذلك على غرار ما حدث قبيل قرار تحرير سوق الصرف وتعويم العملة المحلية في نوفمبر 2016.

لكن عبدالسلام يذهب إلى أن التفسير الأقرب للمنطق هو أن البنك المركزي يحاول امتصاص الصدمة التي تلت تصريحات طارق عامر الأخيرة وأثارت القلق في سوق الصرف ودفعت سماسرة السوق السوداء للتأهب للمضاربة في العملة المحلية مجددا.

كما دفعت هذه التصريحات المثيرة المدخرين والمضاربين لحيازة المزيد من الدولار وتخزينه وحبسه عن السوق، بل إن بعض المصريين العاملين في الخارج توقف عن إرسال النقد الأجنبي لذويهم داخل مصر ترقبا لارتفاع سعر الدولار.

ويرى عبدالسلام أن البنك المركزي أراد أن يبعث برسالة إلى الأسواق المالية عبر خفض سعر الدولار رسالة مفادها أن تصريحات المحافظ التي قال فيها إن العملة ستشهد مزيدًا من التذبذب كانت تعني تراجع سعر الدولار وليس ارتفاعه كما توقع كثيرون، وأن من يراهن على ارتفاع العملة الأمريكية سيتعرض للخسائر، وأنه لا عودة للوراء، وأنه سيتم وأد أية محاولات لعودة السوق السوداء التي اختفت منذ نهاية العام 2016.

وعبر هذه الرسالة سعى البنك المركزي إلى هز ثقة المدخرين في الدولار، ومحاولة إبعادهم عن اكتنازه مرة أخرى عبر خفض قيمته مقابل الجنيه.

وفي الوقت نفسه بعث المركزي برسالة عملية إلى صندوق النقد الدولي مفادها بأن سوق الصرف الأجنبي في مصر مرن ويخضع للعرض والطلب، وأن سعر الدولار مقابل الجنيه ليس ثابتاً كما يقول مسئولو الصندوق لأعضاء الحكومة المصرية في الغرف المغلقة.

لكن الخبير الاقتصادي ينتهي إلى أن تراجع سعر الدولار مؤخرا وتحسن قيمة الجنيه المصري هي “حركة مثيرة للقلق وموجهة، ولا علاقة لها بالعرض والطلب” كما قال مسؤول في أحد البنوك المصرية الخاصة لوكالة “رويترز” الاسبوع الماضي، وأنها بمثابة لعب بالنار وإثارة القلق في سوق صرف مستقر منذ أكثر من عامين، وإعادة أجواء ما قبل تعويم الجنيه في نهاية العام 2016! محذرا من أن هذا الإجراء خطر يجب أن يدركه الجميع؛ لأن الحفاظ على سوق صرف مستقر له نتائج ايجابية كثيرة على الاقتصاد أبرزها استقرار الأسعار، وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية.