تقرير يفضح معاداة السيسي للفكر والإبداع.. الانقلاب يغلق المكتبات والأفواه

- ‎فيتقارير

شنت مؤسسات ومنظمات دولية حملة هجومية على عبد الفتاح السيسي بسبب وقوفه ضد الفن، وتشكيله خطرا كبيرا على الثقافة في مصر. وفقا لتأكيدات تلك المنظمات.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن سلطات الانقلاب ألقت القبض على أكثر من 12 شخصا في حملة ضد الفنانين، بسبب ممارستهم لحريتهم في التعبير.

وأضافت “رايتس ووتش” في تقرير حمل عنوان: «مصر… حملة لسحق حرية الفن»: إن حكومة الانقلاب أصدرت مراسيم جديدة تحد بشكل كبير من حرية التعبير، وأنشأت الأجهزة الأمنية والجهات الحكومية المستحدثة أخيرا مستويات إضافية من الرقابة لإسكات النقد الموجه للحكومة في الشاشات والأفلام والمسارح والكتب.

وأشارت إلى أن المراسيم الجديدة زادت العوائق أمام الفنانين المستقلين والمنظمات غير الحكومية لتنظيم أحداث فنية عامة، وتوسعت سلطة الرقابة الحكومية الرئيسية بزيادة مكاتبها في جميع أنحاء البلاد.

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”: “يُظهر هوس السلطة بملاحقة الفنانين لمجرد تعبيرهم عن أمور تكرهها زيف ادعاء السيسي أن أولويات إدارته هي محاربة الإرهاب، فالهدف الأساسي لحكومة السيسي يبدو أنه ترهيب المجتمع المصري بأسره وإخضاعه وإسكاته، بما في ذلك طبقة الفنانين المبدعة في البلاد”.

جاء ذلك في غضون إفراج السلطات التركية أمس عن الفنان المصري المعارض ومقدم برنامج «ابن البلد» على قناة «الشرق» هشام عبد الله، بعد احتجازه لمدة 24 ساعة، بسبب وجود اسمه على قائمة «الإرهاب الدولي».

قيود على الثقافة

وأصدر رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي المرسوم رقم 1238 لعام 2018، الذي يفرض قيودا شديدة على تنظيم أي فعاليات ثقافية أو فنية أو محلية أو دولية، من الحكومة أو جهات غير حكومية.

وتلزم المادة 2 من المرسوم جميع منظمي الأحداث بالحصول على ترخيص مسبق من وزارة الثقافة، بعد التنسيق مع السلطات المختصة في الدولة، وفق المنظمة، التي بينت أن في 12 مارس، أصدرت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم مرسوما بإنشاء 8 مكاتب جديدة لهيئة الرقابة على المصنفات الفنية في 7 محافظات.

وأوضح التقرير أن الهيئة هي وكالة رقابة قديمة، تراجع وتراقب الإنتاج الثقافي، خاصة البرامج التلفزيونية والأفلام والعروض المسرحية، مشيراً إلى أنه قبل القرار، المتخذ في أعقاب الضجة الإعلامية الموالية للحكومة ضد مسرحية سليمان خاطر، كان لدى السلطة مكتبان في القاهرة والإسكندرية فقط.

ويمتلك أيضا “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، الذي تأسس في أبريل 2017 «لجنة الدراما» لـ«الإشراف والرقابة على الأعمال الدرامية التلفزيونية على شبكات التلفزيون المصرية».

وكشفت “رايتس ووتش” أن سلطات الانقلاب، اعتقلت و حاكمت شاعرا ومغنية شعبية بارزة وكاتبا مسرحيا وراقصة شرقية وممثلين ومنتجي أفلام مصريين عديدين بسبب أعمالهم، واستدعت نيابة أمن الدولة العليا، المشرفة على قضايا الإرهاب، أو النيابة العسكرية، هؤلاء الفنانين للتحقيق، ويواجه بعضهم تهما متصلة بالإرهاب، وتناول التقرير عددا من هذه القضايا.

حبس الفنانين من خارج “الحظيرة”

وأضافت “هيومن رايتش ووتش” أن محكمة عسكرية أصدرت حكما على الشاعر جلال البحيري في 31 الماضي، بالسجن 3 سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة وإهانة المؤسسة العسكرية.

وأشارت إلى أن قوات الأمن اعتقلت البحيري في 3 مارس الماضي، واحتجزته، قبل عرضه أمام النيابة في 10 مارس الماضي، إذ قال محاموه إنهم شاهدوا علامات تعذيب شديد عليه. واستندت التهم الموجهة إليه إلى كتابه غير المنشور “خير نسوان الأرض”، الذي ينتقد قوات الأمن المصرية.

كما يخضع للتحقيق، تبعاً للتقرير ذاته في قضية أمام محكمة جنايات مدنية رامي عصام، وهو مغنٍ يعارض الحكومة علناً، بسبب أغنية (بلحة) الساخرة التي كتبها وغنّاها.

وفي 25 يوليو الماضي، حكمت محكمة جنح عسكرية على المخرج المسرحي أحمد الجارحي، والكاتب المسرحي وليد عاطف، و4 من زملائهما بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ بسبب عرضهم مسرحية في (نادي الصيد) في القاهرة في فبراير الماضي. والمسرحية تعرض قصة سليمان خاطر، الجندي المصري الذي قتل 7 إسرائيليين، بينهم 4 أطفال، قرب الحدود المصرية الإسرائيلية في سيناء عام 1985 .

انتقاد السيسي خيانة عظمى!

وأشار التقرير إلى أن الاعتقالات والملاحقات القضائية جاءت بعد أن قال السيسي في خطاب ألقاه في 1 مارس الماضي، إن إهانة الجيش أو الشرطة (خيانة عظمى)، وأمر (جميع الجهات الحكومية) بعدم السماح بتلك (الإساءة)، مضيفاً هذه (ليست حرية تعبير) من دون تسمية أي حادث محدد.

ومن بين الأسماء التي ذكرتها المنظمة في تقريرها أسامة الهادي وهو مطرب وعازف جيتار، اعتقل أوائل مارس الماضي، وحققت نيابة أمن الدولة معه بتهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية، بدعوى أنه كان مسؤولا عن صفحة المغني رامي عصام على «فيسبوك» لفترة، ولا يزال في الحبس الاحتياطي.

وذكرت أيضاً مؤمن حسن وهو صانع أفلام وثائقية وصحفي اعتُقل في 10 يونيو الماضي بينما كان يعمل في فيلم وثائقي عن سليمان خاطر في شركة إنتاج خاصة، واحتجزته السلطات لمدة 29 يوما، وفقا لمحاميه، ومثل في 8 يوليو الماضي أمام نيابة أمن الدولة، حيث يواجه اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة في القضية رقم 441/2018. أفاد محاميه أن الحراس عرضوه لصدمات كهربائية أثناء الاستجوابات التي سئل فيها عن الفيلم الوثائقي. لم يتم تحديد موعد للمحاكمة».

أما أحمد طارق وهو محرر أفلام، عمل على الفيلم الوثائقي غير المنشور «1095»، أو «سالب 1095»، الذي يتعاطف مع الرئيس محمد مرسي، فقد اعتقل في مداهمة لمنزله في الجيزة في 18 فبراير الماضي، وجرت مصادرة الكمبيوتر الخاص به وهاتفه المحمول، ومثل أمام نيابة أمن الدولة في 21 فبراير الماضي،واتهم بـ(نشر أخبار كاذبة عمدا)».

غلق المكتبات والأفواه!

وفي مايو 2016، «اعتقلت السلطات 6 شبان كانوا أعضاء في (أطفال شوارع)، وهي قناة يوتيوب، بعد نشرهم مقاطع فيديو ساخرة حول السياسة المصرية، وأفرجت السلطات عنهم بعد أشهر بكفالة».

وفي يونيو 2014، منعت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، حسب مصادر لم تكشف عن هويتها، المسلسل التلفزيوني «أهل إسكندرية» للكاتب والصحافي بلال فضل الذي أنتجته مدينة الإنتاج الإعلامي المملوكة للدولة.

وانتقد فضل، الذي كتب السيناريو، الحملة القمعية الدموية على المتظاهرين وغادر مصر بعد ذلك بوقت قصير، ويصور المسلسل فساد الشرطة في الفترة التي سبقت أحداث يناير 2011 في مصر.

وأشارت “رايتس ووتش” إلى أن عمليات الرقابة والتضييق طالت المكتبات، ففي أغسطس 2017، «أمرت جهة حكومية بإغلاق 37 فرعا لمكتبة ألف، ومصادرة كل المباني والمحتويات دون تعويض، وأدرجت الحكومة المالك، عمر الشنيطي، ضمن عشرات رجال الأعمال المزعوم أن لهم علاقات مع الإخوان المسلمين، الذين صودرت أصولهم».

وفي ديسمبر 2016، داهمت قوات الأمن عدة فروع لمكتبات الكرامة العامة، وأغلقتها قسرا.

وفي ديسمبر 2015، وأيضاً في نوفمبر 2017، «داهمت قوات الشرطة (دار ميريت) بدعوى امتلاكها كتبا غير مرخصة. اجتمع المعارضون بشكل متكرر فيها خلال انتفاضة 2011 وبعدها، وانتقد مالكها الحكومة بشكل متكرر».

محاربة التفكير الإبداعي

واعتبرت المنظمة أن «مصر تخالف المادة 67 من الدستور المصري الذي يلزم مؤسسات الدولة بحماية ودعم الفنانين والتعبير الإبداعي».

كما تحظر المادة «صراحة احتجاز الفنانين بسبب التعبير الإبداعي، وتنص على أنه يُسمح فقط للنيابة العامة برفع دعاوى قضائية تهدف إلى تعليق أو مصادرة عمل فنان أو مقاضاة فنانين، إضافة إلى مخالفة مصر للمعاهدت الدولية، حيث مصر طرف في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

وذكرت «هيومن رايتس ووتش» بإعلان مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بإن «الحق في التعبير الفني يشمل حق جميع الأشخاص أن يجربوا بحرية ويساهموا في التعبيرات والإبداعات الفنية، من خلال الممارسة الفردية أو المشتركة، للوصول إلى الفنون والتمتع بها، ونشر تعبيراتهم وإبداعاتهم».