تنازلات السيسي الاستراتيجية وراء رفع ترامب تجميد جزء من المعونة الأمريكية

- ‎فيتقارير

تساؤلات كثيرة طُرحت للنقاش عقب إعلان مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أمس، أن واشنطن قررت رفع القيود عن معونة عسكرية بقيمة 195 مليون دولار لمصر، من أموال التمويل العسكرية الأجنبية للسنة المالية 2016، كانت جمدتها، بحسب وكالة رويترز.

وقوله إن القرار جاء «نتيجة للخطوات التي اتخذتها سلطة الانقلاب  الماضي “استجابة لمخاوف أمريكية محددة»، لم يحددها، وفي ضوء تعزيز الشراكة مع مصر”، بحسب ما قال المسؤول الأمريكي.

وتصور كثيرون أن إعلان الخارجية الامريكية عن تدهور ملف حقوق الانسان في مصر كان وراء تجميد 3 أجزاء من المعونة الامريكية، بيد أن تقارير أجنبية وخبراء نفوا علاقة حقوق الإنسان بملف العلاقات المصرية الامريكية، وأكدوا أنه ملف يجري ابتزاز الحكومات المختلفة به، للحصول على تنازلات استراتيجية،وهو ما فعله المنقلب عبد الفتاح السيسي.

في أغسطس 2017 قررت الإدارة الامريكية حجب قرابة 15% من المعونة الأمريكية لمصر وتعليقها لحين تحسن ملف مصر في حقوق الانسان، ومن ثم حرمان مصر من مساعدات قيمتها 95.7 مليون دولار وتأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى، بدعوي “عدم إحراز مصر تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية.

وفي مايو 2018 قرر الكونجرس الامريكي، تعليق مزيد من المساعدات الأمريكية لمصر، حيث قرر تعليق صرف 105 مليون دولار إضافيين من المعونة العسكرية ليرتفع مجموع المجمد إلي 400 مليون دولار من 1.3 مليار هي قيمة المعونات العسكرية.

وتشير تطورات قضية تجميد أجزاء من المعونات ثم إعادتها إلي أن القاهرة قدمت 3 تنازلات سبق أن طالبت بها إدارة ترامب من أجل استئناف ووقف تجميد جزء من المعونة الأمريكية، مشيرين إلى أن مكتب “محاسبة الإنفاق الحكومي” التابع للكونجرس أصدر تقريرا في مايو 2006 بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة، يفسر لماذا أوقفت أمريكا تجميد المعونة لأنها “تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة”.

ويؤكد الباحث الحقوقي والمحلل السياسي “نجاد البرعي” في سلسلة تغريدات علي حسابه علي تويتر، أن القرار الذي اتخذته الإدارة الأمريكية أمس بالإفراج عن مبلغ 195 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر كان قد تم تجميدها العام الماضي “لم يكن قرارا مفاجئا لأن أسباب التجميد كانت 3 أسباب، استجابت الحكومة المصرية بشكل فوري للسبب الأول؛ وبشكل جزئي للسبب الثاني والثالث.

ويقول “البرعي” إن “العلاقات العسكرية الأمريكية المصرية غير قابلة لا للمساومة ولا للاهتزاز؛ لأنها تحقق مصالح الدولتين، ولا علاقة لحقوق الإنسان بالموضوع أصلا”.

ويوضح أن “السبب الأول” لتجميد جزء من المعونة “كان مطالبة واشنطن للقاهرة بوقف التعامل العسكري والاقتصادي مع كوريا الشمالية، وقد استجابت مصر فورا، وخفضت تمثيلها مع كوريا الشمالية وأوفقت كافة مشروعات التعامل العسكري والمدني معها”.

وأضاف: “السبب الثاني كان قضية المنظمات الأمريكية الأربعة التي تم الحكم بحبس العاملين فيها وإغلاق مقارها، وقد توصل الطرفان إلي اتفاق أدي إلي أن محكمه النقض ألغت الحكم الصادر بحبس المتهمين بأسباب تساعد على إلغاء الحكم عند إعاده عرضه على محكمه الجنايات”.

ونوه لأنه “قبيل نهاية العام الحالي سوف تقوم المنظمات الأمريكية الأربعة بإبرام اتفاقيه مع الحكومة المصرية تشبه تلك التي وقعتها المنظمات الألمانية مع الحكومة المصرية، وهي اتفاقيه ستحدد ميادين عمل تلك المنظمات والجهات التي ستتعاون معها؛ وبالتالي ستعود إلي العمل وسينتهي النزاع تماما”.

وتابع “نجاد البرعي”: أن “السبب الثالث لتجميد جزء من المعونة كان قانون الجمعيات الأهلية رقم 70 لسنة 2017، وقد أوقفت مصر العمل به عمليا، وهناك تفاهمات على تعديل بعض مواده، سواء أثناء عمل اللائحة التنفيذية أو التعديل داخل البرلمان، كما حدث مع قانون معاشات الوزراء الذي أعاد المجلس تعديله بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه.

ويقول الخبير في الشئون الإسرائيلية “محمد سيف الدولة” أن التراجع الامريكي “يؤكد لمن يهمه الأمر أنه لا شيء قد تغير في مصر، وأن خدماتها إلى الولايات المتحدة لا تزال قائمة ومستمرة وفعالة، ومحل تقدير كل المؤسسات الأمريكية”.

ويري أن التراجع الأمريكي، واستئناف المعونة المجمدة أمر متوقع؛ بسبب ما تقدمه مصر مقابل المعونة، وهو أمر فصلته دراسة قدمها مكتب “محاسبة الإنفاق الحكومي” التابع للكونجرس في مايو 2006 بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة، حيث أكد مسئولون أمريكيون أن المساعدات بغرض “تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة”.

ماذا تقدم مصر مقابل المعونة؟

وفق دراسة قدمها مكتب “محاسبة الإنفاق الحكومي” التابع للكونجرس في مايو 2006 بشأن طبيعة وكيفية صرف مصر للمعونة، فقد أكد مسئولون أمريكيون وعدد من الخبراء الذين تمت استشارتهم في أثناء التحضير لهذه الدراسة بأن المساعدات الأمريكية لمصر “تساعد في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة”.

وقد نشر موقع تقرير واشنطن Washington report يوم 27 مايو 2006 ملخصا لهذا التقرير الذي اكتفى بالتركيز على المساعدات العسكرية لكونها تمثل الحيز الأكبر في حجم المساعدات الأمريكية، وأوضح المصالح الأمريكية التي تم خدمتها نتيجة تقديم مساعدات لمصر على النحو التالي:

– تسمح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية، وخلال الفترة من 2001 إلى 2005 عبرت 36553 طائرة عسكرية أمريكية الأجواء المصرية، وهذا بخلاف ما شهدته الأعوام اللاحقة خاصة مع غزو العراق والتحالف المصري الأمريكي في عدة ملفات.

– منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال الفترة نفسها (من 2001 الي 2005 فقط)، وقامت بتوفير الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج.

– نشرت مصر حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004، بطلب أمريكي.

– قامت مصر بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية، و25 دبلوماسيا عراقيا خلال عام 2004، بطلب أمريكي.

– أقامت مصر مستشفى عسكريا، وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005؛ حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب الرعاية الصحية، بطلب أمريكي.

كذلك أوضح التقرير كيف تنفق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر في شراء معدات عسكرية بالأرقام؛ حيث أكد أن “الولايات المتحدة قدمت لمصر حوالي 7.3 مليارات دولار بين عامي 1999 و2005 في إطار برنامج مساعدات التمويل العسكري الأجنبي، وأن مصر أنفقت خلال الفترة نفسها حوالي نصف المبلغ؛ أي 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة.

وأشار التقرير إلى أن مصر أنفقت المبلغ في شراء طائرات حربية (بنسبة 14% من المبلغ الإجمالي) ودبابات وصواريخ (بنسبة 9% من المبلغ)، ومركبات عسكرية (بنسبة 19%) غير البواخر والصواريخ ومعدات الاتصال ومعدات وقاية للحماية من الغازات الكيماوية والبيولوجية وغيرها.

ومع أن التقرير الأمريكي ركز على الخدمات المصرية المباشرة لأمريكا والمتعلقة بالتسهيلات، فهو لم يتطرق إلى أمور أخرى أفصح عنها مسئولون أمريكان خلال مناقشات الكونجرس ،تتعلق بدور مصري هام يساند المصالح الأمريكية الإقليمية ضمنا، مثل الدور المصري في فلسطين والعراق وحتى في الأزمة النووية الإيرانية.

70% من المعونة تنتفع بها أمريكا

وإذا كان هذا هو التصور الأمريكي للمعونة وكيفية إنفاقها، وتوضيح أهمية استمرار المعونة لمصر، فالصورة على الجانب المصري أكثر اختلافا؛ فإجمالي المعونات الأمريكية لمصر منذ عام 1975 حتى الآن -والتي بدأت بـ 2.1 مليار دولار سنويا، وتراجعت إلى 1.7 مليار دولار فقط-بلغ خمسين مليار دولار

ووفقا لخبراء ومسئولين اقتصاديين مصريين، فإن 70% من هذه المعونات تعود بالنفع الكبير على الأمريكيين، حتى إن 6 دولارات من كل 7 تدفعها أمريكا لمصر تعود لأمريكا عمليا، كما أن هذه المعونات لا تتجاوز قيمتها 2% من الدخل القومي المصري، وبحساب القيمة الشرائية أصبح الاستخدام الفعلي لهذه المعونة ضعيفا للغاية، فما كانت تشتريه مصر بهذا المبلغ من أسلحة وقطع غيار عام 1982 أصبحت تشتري به الآن 20% فقط من نفس احتياجاتها.

ولأن هذه المعونات تحولت في السنوات الأخيرة إلى أداة ضغط وتهديد من بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي الموالين لإسرائيل، واستخدمت كوسيلة للتدخل في الشئون الداخلية في مصر، وتم ربطها بإجبار مصر على تنفيذ سلسلة إصلاحات أمريكية؛ فقد بدأت أصوات مصرية مختلفة تطالب بالاستغناء عن هذه المعونة؛ بل ولوحظ أن أصوات حكومية مصرية بدأت -على العكس- تستخدم سلاح المعونة للضغط على الأمريكيين من زاوية أن الثمن الذي تدفعه مصر (خدمات وتسهيلات وضغوط) أكبر من ثمن هذه المعونة، وأن أمريكا هي التي أصبحت في حاجة لمصر، وبالتالي لاستمرار المعونة وليس العكس.

المعونة الأمريكية لم تكن بالتالي مفيدة لمصر فقط، ولكن للولايات المتحدة وشركاتها أيضا منذ البداية، ولكنها تحولت تدريجيا من “مصالح متبادلة” إلى مصدر فائدة أكبر للولايات المتحدة بالنظر إلى عوائدها الاقتصادية والسياسية واللوجستية، بمعنى أنها إذا كانت تعود بفائدة اقتصادية على مصر، فقد كان لها ثمن اقتصادي أيضا تحصل عليه واشنطن وثمن استراتيجي وسياسي أهم يتمثل في خدمة مصالحها الإقليمية بالمنطقة.

والأهم أن هذه الحاجة الأمريكية لمصر في خدمة مصالح إقليمية لواشنطن -بجانب الخشية من استفادة القوى الإسلامية من خطط الإصلاحات الأمريكية المفروضة على الدول العربية-ساهمت ضمنا في نزع سلاح الضغوط الأمريكية (المعونات) على الحكومات العربية -ومنها مصر-وإضعافه، ودفع باتجاه توقف الضغوط الخارجية على برامج الحكومات الداخلية، واقتصاره على التصريحات الإعلامية لحفظ ماء الوجه الأمريكي؛ وهو ما قلص الإصلاحات العربية تدريجيا.

وهذا سبب رئيسي للدعم الأمريكي لانقلاب السيسي ورفض تسميته “انقلابا” والصمت علي المجازر التي طالت قرابة 5 آلاف مصري في المظاهرات والاعتصامات وعمليات القتل تعذيبا في السجون وفبركة أحكام قضائية، برغم بروباجندا الحديث الأمريكي عن حقوق الإنسان.