«تهجير المصريين».. إجرام وضع حجر أساسه عبد الناصر ويكمله السيسي

- ‎فيتقارير

“ترك الديار والمتاع وتوديع ما ألفت من البلاد وقبور الأجداد وأجمل الذكريات والمضي قدما إلى المجهول”..يصر العسكر القابضون على رقاب المصريين بانقلابين أحدهما قام به الفاشي جمال عبد الناصر في 1954 والثاني قام به السفيه عبد الفتاح السيسي في 2013، بإقامة دولة فلسطينية بديلة في شبه جزيرة سيناء، الافتراء الذي اتهموا به الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، والذي كرره إعلام السفيه السيسي، وتلقفه شرطي إسرائيل في رام الله محمود عبّاس في أكثر من مناسبة، دون أي دليل أو إثبات أو حتى تقرير من أي جهة يثبت صحة ادعاءاتهم وافتراءاتهم، هذا الافتراء أصبح حقيقة وواقعا في زمن السفيه السيسي.

“التهجير” لم يختلف من الفاشي عبد الناصر إلى السفيه السيسي، مصيرٌ سبقَ إليه أهالي مدن القناة والنوبيون وضحايا الفتن الطائفية التي تدبرها أجهزة الانقلاب الأمنية، وربما يلحق بهم السيناويون عن قريب بعدما ألقت أشباح التهجير بظلالها عليهم وبدت مدنهم وكأنها تتأهب للرحيل.

ولم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها السفيه السيسي عن قدوته الفاشي عبد الناصر، وسبق التطرق إليه عند الاستيلاء على الرئاسة عام 2014، حينما سُئل عن رأيه في تشبيهه بقدوته الذي شتت المصريين بالتهجير، وقال في حوار مع الإعلاميين إبراهيم عيسى، ولميس الحديدي: “تشبيهي بعبد الناصر كتير. مستوى ومقام وقدرة وإمكانيات في عصره خارج كل الحسابات. يا رب أكون زيه”.

وتحققت أمنية السفيه السيسي وفاق الفاشي عبد الناصر في ديكتاتوريته التي وصلت حد تدبير التفجيرات والمجازر، ولم يكد دوي الانفجار في كمين القراديس بشمال سيناء يخبو صداه موقعا 30 قتيلا ومثلهم من الجرحى، حتى تصاعدت دعاوى “تهجير الأهالي” ليتمكن الجيش من مواجهة “الإرهاب” وسط صمت رسمي من سلطات الانقلاب وامتناع عن النفي.

وبذلك يعود مصطلح التهجير إلى الواجهة من جديد، مذكرا بعهد الفاشي عبد الناصر الذي برزت تلك الكلمة في عهده على نطاق واسع بعد تكرارها 3 مرات، اثنتان لأهالي مدن القناة إبان العدوان الثلاثي ثم الاحتلال الصهيوني، وواحدة للنوبيين الذين لا تزال مظلوميتهم حاضرة رغم مرور ما يزيد على نصف قرنٍ من الزمان.

ورغم أن عمليات التهجير بدأت لبعض عائلات النوبيين عند بناء خزان أسوان وتعليته الأولى والثانية أعوام ‏١٩٠٢‏ و١٩١٣‏ و‏١٩٣٣‏ فإن تلك العمليات لم تكن بالاتساع الذي شهدته عمليات التهجير اللاحقة، إذ كانت محدودة، وإلى أراضٍ قريبة من النهر الذي ارتبطت به الثقافة النوبية، ولم تترك تلك العمليات أثرا كبيرا أو مظلومية واسعة بين النوبيين.

التهجير الأول

وظهرت كلمة “التهجير” على نطاق واسع لأول مرة في تاريخ مصر الحديث مع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث تم تهجير سكان مدن القناة إلى عمق مصر، لإعداد جبهة القتال على طول قناة السويس من جانب آخر، ونزح من أهل مدن القناة الثلاث ما يزيد على مليون نسمة –يومئذ– إلى الدلتا والصعيد والقاهرة، وعاش بعض هؤلاء المهجرين في المدارس والأماكن العامة التي وفرتها الدولة لهم.

واضطر كثير من أهالي تلك المدن إلى نسيان نمط الحياة الخاص الذين اعتادوا عليه قبل النكسة، ولم تعد عاداتهم وتقاليدهم إلا مجرد ذكريات يروونها لأبنائهم، وكان قرار التهجير حينها مأساويًا في تطبيقه؛ إذ نزحت الأسر والعائلات في سيارات النقل والقطارات، تاركين وراءهم ديارهم وبيوتهم التي لا يدرون متى سيرجعون إليها ثانيًا، يذهبون إلى المجهول كل حسب حاله.

ونزل بعض أهل القناة على أقاربهم الذين يعرفونهم في مدن الدلتا والصعيد، بعد أن ذهبوا إليهم بحثا عن المأوى، أما من لم يكن لديه أقارب فسكن في المدارس التي تحولت إلى ملجأ لهؤلاء الذين تركوا ديارهم من أجل الحرب، وتشردوا في البلدان المجاورة لهم يبحثون عن مأوى يضمهم، وفقد آلاف الشباب أعمالهم وسقطوا في مستنقعات البطالة.

أما المهجرون الذين توافرت لهم بعض الموارد ساعدتهم على تأجير سكن خاص في منزل في قرية أو في مدينة فلم يعدموا أيضا خبرات المعاناة وضرورة التضحية والتكيف مع بيئة جديدة بكل ما فيها من ملابسات غريبة عليهم وذات قيمة عالية أحيانا أخرى.

التهجير الظالم

مع بدء بناء السد العالي، بدأت حكومة العسكر في تهجير النوبيين من قراهم الواقعة على ضفتي النيل، بدءا من شمال الشلال الأول وحتى جنوب الشلال الثاني بامتداد طولي يصل إلى 350 كيلومترا، وحددت الحكومة لهم أراضي بديلة في هضبة كوم أمبو شمال أسوان.

ومس التهجير ما يزيد على 100 ألف نوبي من قبائل النوبة الثلاث “الكنوز” و”الفاديجة” و”عرب النوبة”، جرى نقل معظمهم إلى الهضبة القاحلة بمركز نصر النوبة بعد أن كانوا يسكنون على ضفتي النهر الذي تربط به ثقافتهم وعاداتهم وسكنوا بجواره منذ فجر التاريخ، وتركوا وراءهم مزارعهم الشاسعة ونخيلهم وقبور أجدادهم وبيوتهم التي غمرتها المياه، وظلت رؤوس النخيل ومآذن المساجد تطل فوق سطح الماء تذكرهم بأرضهم التي لا يزالون يبكونها في أغانيهم وأهازيجهم.

وعند انتقال النوبيين إلى قراهم الجديدة تبين أن 65% من المنازل غير مكتملة الإنشاء، مما دفع أهالي النوبة لتسكين ثلاث وأربع أسر في منزل واحد، كما فوجئ أهالي عدة قرى بانقطاع مياه الشرب التي تعد شريان الحياة لهم، ووجود صنبور مياه واحد فقط مصدر المياه لجميع أهالي القرية، إلى حد تعبير بعضهم عن حسده لبعض كبار السن الذين رفضوا الهجرة وفضلوا أن يغرقوا مع بلدتهم العتيقة.

تغير الأجواء وغياب الحماية الصحية برزت أيضا عندما بدأ الأطفال وكبار السن بدءوا يموتون واحداً تلو الآخر بسبب تغيير ظروف المعيشة، وكان النوبيون يدفنون في اليوم من اثنين إلى ثلاثة أطفال ومسنين تجاوز عمرهم ثمانين عاماً، حتى إنه لم يبق من مواليد عام 1964 طفل واحد على قيد الحياة بسبب ظروف التهجير الصعبة.

ولم تكن العديد من فنون النوبيين وثقافتهم أسعد حالا من كبار السن والأطفال، إذ اضطروا أن يتركوا كثيرا من آثارهم التي لم تسعفهم إجراءات التهجير لنقلها، ورغم مرور ما يزيد على نصف قرن من الزمان، فإن مظلومية النوبيين لا تزال حاضرة، ولا يزال غضبهم حاضرا وهم يرون الأراضي على ضفاف بحيرة ناصر يتم تخصيصها للقرى السياحية بينما يتم تسكينهم في الهضبة القاحلة، مطالبين بأحقيتهم في العودة إلى ضفاف النهر والبحيرة من جديد.

المأساة تتكرر

بعد نكسة 1967 وهزيمة جيش الفاشي عبد الناصر، اضطرت حكومة العسكر حينها لتكرار مأساة أهالي مدن القناة الثلاث من جديد لإعداد الجبهة للقتال من جديد والبدء في شن حرب الاستنزاف انطلاقا من المواقع في غرب القناة، وتم دفع ما يزيد على مليون شخص إلى الرحيل إلى مدن الدلتا والقاهرة والصعيد.

ومثّل التهجير أزمة طاحنة للأهالي الذين تركوا وراء ظهورهم مساكنهم ومصادر أرزاقهم وأعمالهم، وعانوا من البطالة والتشرد وفقدان المأوى والروابط العائلية والأسرية واختلاف العادات والتقاليد، واضطروا إلى تغيير ثقافاتهم وتحويلها إلى جزء من الماضي.

ورغم أنه أتيحت لهم العودة إلى منازلهم بعد انتصار أكتوبر 1973 في عهد الرئيس أنور السادات فإن بعض أهالي تلك المدن ظلوا في القاهرة أو قراهم الجديدة بعد أن استوطنوها مدة طويلة وارتبطت مصالحهم بها، ويمكن القول إن التهجير الثاني محا عادات وثقافات كانت منتشرة بين أهالي مدن القناة بعد أن اضطر معظمهم للذوبان في المدن المصرية المختلفة.

الفتن الطائفية

رغم اختفاء مصطلح التهجير عقودا خلال فترة حكم أنور السادات وبدايات عهد المخلوع مبارك، فإنه عاد للظهور على نطاق أضيق عددا، ولكنه أكثر زخما مع تكرار حوادث يدبرها جهاز أمن الدولة بين مواطنين مسلمين ومسيحيين لصالح السلطة، وعادة ما يتم إنهاؤها بمجالس صلح عرفية قبل أن تخرج اللعبة عن السيطرة.

ونقلت مراكز حقوقية وتقارير مسيحية شكاوى من تهجير عائلات مسيحية بعد تلك الوقائع، كان أبرزها شكاوى تهجير عائلات مسيحية نحو 15 أسرة من قرية حجازة قبلي مركز قوص بقنا عام 2006، وأسر غير محددة العدد من قرية الكشح في سوهاج بعد أحداث عام 1998 وعام 2000، وجرى الحديث عن تهجير أسر قليلة مع عدة حوادث مماثلة في منطقة عين شمس.

كما لم يتوقف مصطلح التهجير عن الإطلال برأسه بعد ثورة 25 يناير 2011؛ إذ عاود الظهور في حوادث دبرتها المخابرات الحربية التي كان على رأسها السفيه السيسي، بين مسلمين ومسيحيين في مدينة رفح بشمال سيناء عام 2012 وجرى الحديث عن تهجير للمسيحيين هناك، كما جرى الحديث عن تهجير عائلات مسيحية من مدينة النهضة في العام ذاته بناء على حكم مجالس عرفية، إلا أن اعتراضات مجلس حقوق الإنسان أوقفت ذلك.

تهجير القرن

ومع تردد تقارير إعلامية وأمنية عن تهجير مرتقب لأهالي شمال سيناء بدعوى الحفاظ على الأمن والقضاء على الإرهاب، وسط صمت من سلطات الانقلاب وامتناع عن النفي؛ يتخوف مراقبون للشأن السيناوي من أن يؤدي أي تهجير مرتقب إلى محو ثقافات بدوية لا يوجد نظير لها حتى في المجتمعات البدوية العربية الأخرى.

كما أن خطوة كهذه من شأنها أن تجر مظلومية ومأساة طويلة المدى لا تمحوها عقود، كتلك التي لا يزال يشعر بها أهالي النوبة بعد أكثر من 50 عاما، هذا المقترح توطين الفلسطينيين في سيناء أو إقامة دولة بديلة عُرض لأول مرة إبان انقلاب الفاشي عبد الناصر حيث وافقت حكومته حينها على مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة في سيناء وعقدت اتفاقا مع وكالة الغوث يمنحها إمكانية إجراء اختبارات على 250 ألف فدان تقام عليها عدد من المشاريع.

لن يتوقف عسكر الخراب عن طرح المشاريع التي تنقذ الاحتلال وتنتشله فهذا دورهم ومهمتهم، الفرق بين الخمسينيات من القرن الماضي وهذه الأيام، أن الناس في حينها خرجوا وتظاهروا ورفضوا واليوم لا نسمع لهم رأي، والفرق بين التسريب الأول عن مشروع السفيه السيسي أنه لا نفي من خارجية ومن غيرها، والفرق بين مواقف شرطي إسرائيل محمود عباس المبنية على الانتهازية والتزوير والبهتان بحق الرئيس مرسي، وبين موقفه اليوم من السفيه السيسي هو الصمت والتواطؤ مع ما يطرحه السفيه وعصابته.

لا يختلف السفيه السيسي عن الفاشي أبي الانقلاب عبد الناصر ولا عسكر ذلك الوقت مع عسكر اليوم، ذات العقلية والأدوات والأساليب والمشاريع، ولن يختلف أيضاً سقوطها تلك أمام إرادات الشعوب، فمن أسقط كل مشاريع التهجير والتوطين والوطن البديل والدولة المسخ لعقود من الزمن سيسقط كل المشاريع الحالية واللاحقة، لأنه وبكل بساطة ووضح

لا بديل عن سيناء لأهل سيناء، والنوبة لأهل النوبة، ومدن القناة لأهل القناة، وأراضي ومنازل المسيحيين للمسيحيين، ولا بديل عن القدس المحتلة إلا تحرير كل فلسطين، وسوف تسقط مشاريع التهجير التي يخدمها العسكر التي تجري في عروقهم دماء الصهيونية المدعومة أمريكياً.