“تونس” بين الملفات الشائكة.. هل يسهم الهجوم الإرهابي في لمّ الشمل؟

- ‎فيعربي ودولي

تبدو تونس هذا الصيف فوق صفيح ساخن، على خلفية التجاذبات السياسية المشتعلة بين أطراف المشهد السياسي، خصوصا في ظل ملفات شائكة تتعلق بالأزمة الداخلية التي تعصف بحزب “نداء تونس” الذي أسسه الرئيس قايد السبسي، وكذلك ترقب قرار الرئيس فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وهل سيترشح لدورة جديدة أم سيعلن عدم ترشحه ما يفتح الباب أمام تكهنات وسيناريوهات متداخلة وسط تصاعد قوة حركة النهضة وتماسكها أمام تشردم باقي مكونات المشهد السياسي.

“3” ملفات شائكة

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، في مقاله “ملفات حارقة على مكتب السبسي”، والمنشور بصحيفة “العربي الجديد” يوم 10 يوليو 2018، يقول إن الرئيس التونسي الباجي السبسي، يجد نفسه اليوم أمام ثلاثة ملفات حارقة، عليه حسمهما خلال هذه الصائفة، إذ لم يعد في الإمكان تأجيل البت فيها ومعالجتها بحذر ومسؤولية كثيرين، على الرغم مما يتعرّض له شخصيا من ضغوط نفسية وسياسية.

وبحسب الجورشي فإن الملف الأول يتعلق بأوضاع الحزب الذي أسسه، ليحقق التوازن السياسي مع حركة النهضة، لكنه يزداد يوما بعد يوم تفكّكا وضعفا. ويخشى أن يُصاب بانهيار كامل في الانتخابات البرلمانية التي ستنظم بعد سنة وشهرين. وتجري حاليا محاولات للإعلان عن “جبهةٍ” تضم المجموعات التي انشقت عن حزب نداء تونس، وشكلت أحزابا صغيرة. هل سيكون هذا حلا للصمود فوق أرضٍ متحرّكة، وفي أجواء تسيطر عليها الأنانيات الفردية والحسابات الشخصية. الرئيس السبسي متخوفٌ على مصير حزبه من الانقراض والتحلل في المرحلة المقبلة.

 ويضيف الجورشي، “في السياق نفسه، هل سيتم الإبقاء على يوسف الشاهد رئيسا للحكومة؟. لم يحسم السبسي أمره، هل سيحتفظ به أم سينحاز إلى نجله، حافظ السبسي، ويتوجه إلى البرلمان لسحب الثقة من الشاهد؟. لا يزال التردّد سيد الموقف في قصر قرطاج، لكن اللقاء الذي جمع السبسي وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، أخيرا، دفع، فيما يبدو، في اتجاه الحفاظ على استمرارية الشاهد إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مع احتمال مطالبته بعدم الترشح في الرئاسيات المقبل”.

والملف الثاني ــ وفقا للجورشي ـــ يتعلق بقراره النهائي الخاص بالانتخابات الرئاسية. هل ينوي الترشح لعهدة ثانية، أم سيترك المجال للمنافسة الحرة؟. هذا سؤال محوري، لأنه سيحدد المشهد السياسي المقبل لتونس. ولكل إجابة سيناريوهات مختلفة، ففي حال إصرار السبسي على البقاء، على الرغم من عامل السن، سينجر عنه أحداثٌ ليس من السهل التكهن بنتائجها. أما إذا قرّر السبسي بوضوح أنه لن يترشّح مجددا، فسيفتح هذا القرار المجال واسعا أمام حركية سياسية مختلفة، وسيدخل البلاد في مرحلة جديدة، ستكون فيها حركة النهضة اللاعب الرئيسي، إذا لم تحصل مفاجآت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، فالتغييرات الحاصلة في المواقع والأدوار داخل حزب نداء تونس، خلال الأسابيع الماضية، وجعلت نجله يفقد ثقة مقرّبين منه، يعتبرها مطلعون أنها جاءت نتيجة مؤشرات توحي بأن السبسي ينوي فعلا عدم الترشح من جديد للرئاسيات المقبلة.

أما الملف الثالث بحسب الجورشي فهو ما يتعلق بتقرير “الحريات الفردية والمساواة” الذي دار بشأنه جدل حاد أخيرا، ورفضته الأوساط المحافظة بكل قوة. وعلى الرغم من أن التقرير لم يتجاوز مستوى الأفكار والمقترحات المعروضة على رئيس الجمهورية، باعتباره صاحب المبادرة في تأسيس اللجنة التي صاغته، ولا تملك أي صبغة تنفيذية، إلا أن ردود الفعل الأولى كانت سلبيةً وحادة من أئمة المساجد وأساتذة الجامعة الزيتونية. ونظرا إلى أجواء الحيرة التي ترتبت عن ذلك، خصوصا بعد أن اختلط اليقين بالإشاعة وترويج أخبار زائفة عن محتويات التقرير، اتجهت الأنظار نحو الرئيس السبسي، لكي يتدخل ويرفع الالتباس، ويحدّد مصير هذه المبادرة التي على الرغم من طابعها الإصلاحي، إلا أن بعضهم يخشون من أن تتحول إلى عامل انقسام بين المواطنين.

ملف الإرهاب

وفي هذا السياق الملتهب ، يأتي الحادث الإجرامي الذي تبناه تنظيم “القاعدة” الإرهابي، وأسفر عن استشهاد 6 من رجال الأمن في تونس في هجوم مسلح قرب الحدود الجزائرية، يثير كثيرا من علامات الاستفهام خصوصا بعد توقف مثل هذه الحوادث الإجرامية منذ سنتين تقريبا.، لكنه في ذات الوقت أفضى إلى حالة من التآزر والتكاتف في ظل صراع سياسي شرس بين مكونات المشهد التونسي. فهل يمكن أن يسهم هذا الحادث الإرهابي في ترميم فجوات السياسة ولم شمل الجماعة الوطنية التونسية للتكاتف من أجل البلاد بعيدا تجاذبات الأحزاب والنظر إلى المصالح الضيقة؟

ونددت أحزاب تونسية -ومنها حزبا النهضة ونداء تونس ومنظمات ونقابات- بالهجوم، ودعا حزب النهضة إلى “التمسك بالوحدة الوطنية وتعزيزها”. وقال حزب نداء تونس إن معركة بلادنا ضد الإرهاب التي طالما أكدنا أنها معركة طويلة وشاقة تتطلب دعم المؤسسة الأمنية والعسكرية بعيدا عن كل التجاذبات السياسية والحسابات الفئوية الضيقة.

الخلاصة أن هذا الحادث الإرهابي المباغت، أعاد المخاوف من جديد في هذه الأجواء الصيفية المضطربة، وفرضت تعديل الخطط الخاصة بحماية المناطق الحدودية المعرّضة أكثر من غيرها للضربات المفاجئة التي تهدف إلى كسر معنويات الجنود والأمنيين، تمهيدا لاستعادة المبادرة، والقيام بعمليات أكثر خطورة داخل المدن. بسبب كل هذه الملفات الحارقة وغيرها، يتأكد مرة أخرى أن تكون رئيسا لبلدٍ يتجه نحو الديمقراطية في توقيت سيء ليس وظيفة مريحة.