جمهورية “مارينا والساحل”.. هنا يعيش شعب السيسي المختار على دماء وجثث الغلابة

- ‎فيتقارير

على محرك البحث الشهير” جوجل”، وعبر منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر”، إذا كنت ترغب فى البحث عن حقيقة ما يحدث فى مصر، فما عليك سوى كتابة كلمة “الساحل الشمالى”، وستجد العجب العجاب.

مع مرور السنوات، تحولت المنطقة إلى عالم منغلق لا يدخله سوى الأثرياء من كرير إلى مارينا. وظلت منطقة الساحل الشمالي حتى مارينا موضع إقبال هؤلاء طوال فصول الصيف، خاصة فى ظل تواجد شاليهات للوزراء ورجال الأعمال، فقد عملت الدولة على تمهيد الطرق بداية من طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ثم طريق وادي النطرون العلمين، وحاليا طريق الإسكندرية الساحل الشمالي، الذي تمت توسعته وإضافة طريق خدمة للقرى.

أسعار خيالية

مع الامتداد العمراني لمنطقة الساحل الشمالي، بدأت المنطقة الواقعة من سيدي كرير إلى مارينا 7 تتراجع من حيث كثافة الإقبال، وهو ما يتيح لراغبي الهدوء والخصوصية قدرا أكبر من الاستمتاع بالمياه الصافية والطقس الصيفي الرائع، وفي نفس الوقت تحولت طبقة الشباب الراقي والمشاهير والصفوة إلى القرى الجديدة.

ومن ضمن القرى الجديدة التي تحظى بإقبال رهيب وحجوزات كبيرة (بورتو مارينا، ومراسي، ولافيستا، وأمواج، وهاسيندا، وماونتن فيو رأس الحكمة، ومارسيليا بيتش).

وعلى صعيد الشراء، فإن متوسط أسعار الشاليهات في المنطقة من كرير إلى مارينا يصل إلى مليون جنيه أو أكثر، حسب المساحة ومستوى التشطيب، وتتراوح أسعار الإيجارات من 5 آلاف جنيه إلى ما لا نهاية يوميا في حالة المستوى المميز في مارينا.

العالم السري

“الساحل الشمالى ومارينا” رمز الغناء الفاحش في مصر فى ظل حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي، حيث القصور والمنتجعات والبحيرات الاصطناعيّة واليخوت.

من بين ذلك “مراسي”، حيث ينتقل إليها رموز نظام العسكر وأقارب المخلوع مبارك، والتي وصلت فيها أسعار القصور إلى 100 مليون جنيه.

أمّا “هاسيندا”، فهي لمن يمتلك فوق المليار جنيه فقط، وهي الجيل الجديد من منتجعات العالم السري، الذي لا يعرف عنه المصريّون شيئا.

فهو عالم مغلق، لا يعيش فيه إلّا من يمتلكون فوق المليار جنيه، وقد وصل الأمر إلى حدّ تجهيز مهبط طائراتٍ خاصة، حتى لا يُرهق روّاده  بعناء الطريق.

كما جدد العسكر خطة الاستحواذ في مجال التنمية بتقديم 12 موقعا جديدا للمطوّرين العقاريين، من خلال بناء مدينة العلمين الجديدة. وتعد المدينة المخطّطة في الساحل الشمالي  للأثرياء فقط، وكذلك عاصمة جديدة مثيرة للجدل ستبنى في منتصف الطريق بين القاهرة وقناة السويس، بتقديم مساكن أكثر “ساحلية وفخامةً” من ذي قبل لم يتم الإعلان عنها حتى الآن.

تذاكر الحفلات

رصدت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية، في تقرير لها، الجانب الخفي لأثرياء مصر والجانب المظلم الكئيب للغلابة فى عهد السيسي. تقول الصحيفة: هناك مقارنة ذات مغزى، بين شواطئ الساحل الشمالي ومنتجعات مارينا التي لا يرتادها سوى أبناء الطبقة الغنية في مصر، ومدى اهتمام الحكومة بها، والشواطئ والأماكن الفقيرة التي يرتادها غالبية المصريين، وسط تعمد إهمالها من السلطات.

وكشفت عن أن الكوكتيلات الكحولية في الحانات الموجودة على أحد الشواطئ يصل سعر الواحد منها إلى 500 جنيه على سبيل المثال.

وتقول الصحيفة، إن أبناء الطبقة العليا يشدّون الرحال بلا خجل من كل عام، ورغم تأثيرات الانقلاب على الواقع الاقتصادي سلبا، فإنك لن تشعر بذلك في الساحل الشمالي فى ظل انتشار حانات “كريمة المجتمع” مع التطوير العقاري السريع لمنتجعات أجدد من ذي قبل وأكثر رفاهيةً.

وأشارت إلى ملمح غاية في الأهمية، وهو حالة العزلة التي يعيشها سكان الساحل الشمالي ورواده بعيدا عن الأوضاع الاقتصادية الحقيقية في البلاد. موضحة أنه إذا كانت الصدمات الاقتصادية التي تعرّضت لها مصر 2013، قد دفعت نحو ثلث تعداد سكان البلد، البالغ عددهم 95 مليون مواطن إلى تحت خط الفقر، فإنّك لن تشعر بهذا في الساحل، حيث النوادي الليلية تحفل بخريجين جدد من جامعات غربية، ينعمون بطرازها المصمّم على غرار منتجعات جزيرة إبيثا ومدينة ميامي الأمريكية.

ديفيد سيمز، عالم الاقتصاد والمخطّط العمراني المقيم بالقاهرة، يصف الساحل الشمال بالقول: إنه أكثر أسواق العقارات رواجا في مصر الآن، بفعل الوتيرة السريعة التي تجري بها عمليات البناء المكثّفة، تلك التي لم تترك بالكاد أيّة شواطئ عامة أو مساحات مفتوحة: لا أظن أنّ هناك متّسعا واحدا من الساحل الشمالي لم يمس.

مستويات قياسية

على الجانب الآخر، فإن الأسعار وصلت إلى مستويات قياسية في الساحل الشمالي الجديد، حيث يتراوح سعر الشاليه في قرى مثل مراسي وأمواج من 2 إلى 4 ملايين جنيه وأكثر، في حين يصل إيجار سعر الليلة الواحدة في تلك القرى إلى 3 آلاف جنيه، وتبلغ قيمة إيجار الوحدات شديدة التميز 5 آلاف جنيه.

عشرات المنتجعات والقرى السياحية التى تفتتح هناك ويزداد فيها الأغنياء تكاثرا سنوياً فى مارينا – التى تبلغ مساحتها 3952 فدانا، وبالنسبة للحدود فإن لدولة مارينا 7 بوابات ضخمة تمنع أى شخص من اجتيازها قبل دفع تذكرة دخول ارتفعت قيمتها خلال عيد الفطر الماضي إلى 100 جنيه.

فى المقابل، “سياسة الدولة تجاه الفقراء” هي السبب الرئيسي لارتفاع نسب الفقر، وفق دراسة صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.

ويشير محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إلى أن هناك ضغطا على الطبقة الفقيرة ومتوسطي الحال بسبب الضرائب المفروضة عليهم، فالدولة- بحسب العسقلاني- خفضت 40% لمصانع الغاز، وقرابة 20% لمصانع الحديد ورجال الأعمال، قائلا “الدولة عملت عجين الفلاحة للأغنياء، وكل ما يحصلها عجز في الموازنة تلجأ لجيوب الفقراء، وكل حاجة عمالة تغلى على الفقير، فهيجيب فراخ إزاي”.

ويرجح رئيس جمعية “مواطنون ضد الغلاء” أن عدد الفقراء سيزداد في المستقبل، نتيجة الضرائب التصاعدية وارتفاع الدولار. مضيفا أن الدولة مطالبة بتقديم عدالة ضريبية “هل من العدل أن يدفع الفقراء 60% من الضرائب، و30% تدفعها الشركات الكبرى، والأغنياء 10% فقط؟”.

شعب السيسي المختار

يعلق الكاتب الصحفي وائل قنديل على استفزاز شعب السيسي للغلابة، فى حين يصدر فلسفة الثراء الفاحش لأهل مارينا والساحل الشمالى قائلا: يمكنك أن تطلق عليهم “شعب السيسي المختار” المكون من أثرياء صندوق النقد ونادي أصدقاء الفساد وجمعية منتفعي الاستبداد، وما تبقى من ”إنسان 30 يونيه”، يصحو ليجد نفسه بمواجهة لحظة الحقيقة: هذا نظام ينفذ مهمة واحدة، هي قتل أي فرصة لحياة كريمة في وطن محترم”.

وأضاف قنديل، خلال مقال له مؤخرا، هذه معادلة السيسي وجمهوره طوال الوقت: لا بد من قتل المواطن حتى تحيا الدولة، وهو جمهور بات محدوداً للغاية، في ظل اكتواء غالبية المجتمع المصري بنار الحقائق المؤلمة.

حد الجنون

أحـوال هؤلاء الذين ينتمون لمصر اسما ويخاصمونها سلوكا وحياة، وضعناها على طاولة التشريح النفسى أمام الدكتور محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة اﻷزهــر، والــذى يضع كل الظواهر التى يتعرض لها فى سياقها السياسى واﻻجتماعى، فالظواهر ﻻ تنفصل، خاصة أن السياسة أصبحت العامل المشترك فى كل حياتنا.

ويرى المهدى أن أثرياء الساحل الشمالى ومن يسير على طريقهم يصل إلى درجة المكايدة، يدمنون ما يمكن تسميته التباهي بالثراء، فهؤلاء يريدون أن يؤكدوا للآخرين من منافسيهم أنهم اﻷكثر ثراء، وقد ينفعهم هذا فى تعزيز مكانتهم فى المجتمع، حيث السيارات الفارهة وكمياتها وموديلاتها وهكذا.

كذلك، تقول الباحثة الاجتماعية عزة كريم، إنّ الأغنياء في مصر انفصلوا تماما عن المجتمع الذي يعيشون فيه، فلديهم مساكن بعيدة، ومدارس وجامعات خاصة، وحتى مصايفهم بعيدة عن الفقراء. وتوضح أنّ الفجوة بين الطبقتين تتسع بصورة غير مسبوقة وتكاد تصل إلى حد الجنون بسبب الانتشار الكبير للفساد ونهب الأموال.