دراسة تكشف أسباب تمدد “دولة العصافير” تحت حكم العسكر

- ‎فيتقارير

كشف تقرير صحفي كيف يعتمد نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي في الوقت الحالي لإحكام قبضته على البلاد، من خلال نظام المخبرين السريين الذين انتشروا مجددا في ربوع مصر، من أجل بث الرعب في قلوب المواطنين، والترويج لفكرة نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حينما كان يستقطب نصف الشعب، من اجل تحويلهم إلى مخبرين سريين على النصف الأخر، الأمر الذي يهدد وحدة المجتمع المصري، وفقدان الثقة بين الناس في الشارع المصري.

نبه التقرير المنشور على شبكة “الجزيرة نت” اليوم الاثنين، إن تغير الصورة النمطية للمخبر النظامي، مرتبط بتدشين معاهد أمناء ومندوبي الشرطة، حيث أصبح رواد هذه المعاهد أفضل حالا ومظهرا من مخبري الأمن القدامى.

وقال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري إن هذه المظاهر كان لها سلبياتها، حيث إنه مع تدني دخول المخبرين الرسمية عملوا على ابتزاز أموال المواطنين، لافتا إلى أن بحوثا ميدانية للمركز المصري خلصت إلى تحول أمناء ومندوبي المباحث (المخبرين) إلى تجار وأصحاب عقارات وشركات جراء هذا الابتزاز.

وأضاف أن المصريين ينظرون إلى هذه الفئة باعتبارها دولة داخل الدولة، فهم الحلقة الفاصلة والواصلة بين النظام الأمني القمعي في مصر وبين المواطنين؛ وبعد الانقلاب العسكري، تحولت هذه الفئة إلى سيف مسلط بيد النظام، لافتا إلى أن مجرد الخصومة مع فرد من هذه الفئة يمكن أن تورد صاحبها المهالك.

ويعتمد نظام الانقلاب في دولة المخبرين الرسمية على أمناء ومندوبي الشرطة، الذين أصبحوا ينتشرون في الشارع المصري بشكل مكثف، ويعرفهم أغلب أفراد المجتمع المصري، خاصة مع استغلال فئة أمناء الشرطة والمخبرين هؤلاء لسطوتهم في ابتزاز المواطنين، بتحصيل مرتبات شهرية من أصحاب العقارات والمقاهي، والمحلات، والمخالفين من الباعة الجائلين، وسائقي الميكروباصات، فضلا عن استغلال بعض الناس في التجسس على أهلهم في الشارع المصري، حيث نجح هؤلاء الشرطيون في زرع عيون لهم في كافة الشوارع والأزقة المصرية، من أجل عودة المخبر السري من قلب البيوت المصرية.

الأمر الذي أفقد الناس الثقة في بعضهم بعضا، خاصة مع نشر نظام الانقلاب لحالة من الرعب عبر الاعتقالات والاختفاءات القسرية، والتعذيب في سجون الانقلاب، فضلا عن استغلال حاجة بعض الناس في إجبارهم على تسليم ذويهم من أجل حجب أذى المخبرين ورجال الأمن عنهم.

وكشف التقرير كيف أصبحت دولة المخبرين في مصر مع حكم عبد الفتاح السيسي، وكيف نجحت في تجنيد المواطنين، لزرع عيون للسلطة، سواء كانوا من الشرطة السرية أو المواطنين المتعاونين، في كل بيت وفي كل حارة، وما تضمنه من إرهاب في التفاوض على المقابل وعزف على نغمة الوطنية وترديد لشعارات الولاء والانتماء.

وأكد أن هذه العوامل أدت إلى اشتهار المشهد بشكل مستقل، مما جعله يحضر بشكل دائم في سياقات تناول أسلوب تجنيد “العصافير”، وهو وصف يطلقه بعض المصريين أيضا على المخبرين.

وأشارت إل دولة العصافير في عشرات المشاهد السينمائية التي تناولت شخصية المخبر في السينما والدراما المصرية عبر تاريخها الطويل، والتي تنوعت بين السخرية والنقد في بعض الأحيان، والمديح وادعاء المثالية في البعض الآخر، كما أنها تطورت بتطور دور المخبر وحضوره في حياة المصريين.

ونقل التقرير عن المواطن المصري أحمد سعودي أن هناك أثرا كبيرا في هذه المرحلة لنمط المخبر النظامي الذي يعمل بشكل رسمي لدى أجهزة الأمن، فإنه يبدي سخطه من عمل مواطنين ومدنيين لصالح الأمن عبر الوشاية بجيرانهم وزملائهم في العمل، طمعا في منفعة مادية أو معنوية، وهم الفئة التي بات يطلق عليها “المواطنون الشرفاء”، وهو وصف يطلقه أتباع السلطة بجدية بينما يقصد به المعارضون التندر والسخرية.

وأضاف أن الخطاب الإعلامي للسلطة والاستقطاب الحاد الحاصل في هذه المرحلة وتأجيج الصراع بين الفرقاء السياسيين و”الأعمال الإرهابية المفتعلة”، تحمل مسؤولية ما يراه من تزايد عدد المتعاونين مع الأمن ووجود تصور بأن هذا العمل وطني ومشروع وداعم للاستقرار.

وقال التقرير إن الصورة النمطية للمخبر التي رسمتها السينما المصرية بمكوناتها المعروفة في مخرجاتها القديمة من معطف وعصا وطاقية وصحيفة يومية بها ثقب يراقب منه ما يجري، يراها الناقد والسيناريست إمام الليثي مرتبطة بفترة الأربعينيات وما تلاها حتى ستينيات القرن الماضي، حيث كان المخبر يعمل رسميا ضمن دوائر الشرطة المصرية.

لكن نظام “العصافير” الذي مر بمراحل مختلفة، بدأ بعد انقلاب الضباط الأحرار الذي حمل رسميا اسم ثورة يوليو عام 1952، من خلال التنظيم الطليعي الذي تمدد بعناصره داخل كل الهيئات الحكومية في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ثم ظهور تنظيمات أخرى في حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك مثل “حورس” و”شباب المستقبل”، كما استفحل دور جهاز أمن الدولة في هذا السياق.

وأشار إلى أنه خلال فعاليات ثورة يناير 2011 وبعد مهاجمة مقرات أمن الدولة، وقع الثوار على قوائم لأسماء مخبرين و”عصافير” في مجالات مختلفة، أبرزها الإعلام والفن، وكانت لهم أسماء حركية عرفوا بها فيما بعد كـ”أبو لمونة” و”شخشيخة” وغيرها.

وفي الآونة الأخيرة ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في يوليو 2013، أكد التقرير أن نظام “العصافير” في مصر تمدد بشكل واسع في فضاء الإنترنت، وبات هناك المخبر الإلكتروني الذي تعددت مهامه من الهجوم على المعارضين وقنواتهم وإقامة صفحات مؤيدة ومعارضة للنظام، بغرض التجسس على جميع النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.

انتشار شامل

ونقل التقرير عن الناقد والمنتج الفني أيمن عبد الرازق أن وظيفة “العصفور” باتت منتشرة مؤخرا في جميع قطاعات المجتمع المصري، ومرجع ذلك -بحسب رأيه- تعاظم تأثير دور أصحابها، فلن تعدم نماذج منهم في الأوساط العمالية ومؤسسات الدولة والطلبة وأساتذة الجامعة وحتى الجيش، فضلا عن المناطق السكنية والأحياء.

ولفت إلى أن مما طرأ على عملية تجنيد العصافير، قيامها سابقا على السرية التامة باعتبارها مهمة “مشينة” تستجلب العار، لكنها في ظل النظام القائم باتت علنية، حيث يتفاخر من وقع عليه الاختيار لأدائها، كما لم تعد عملية التجنيد حكرا على الأمن بل بات لكل مسؤول عصافيره.

وأكد أن موقف الشارع المصري تجاه هذه الفئة لم يتغير، بل جنح أكثر إلى جانب البغض والرفض وإن لم يظهر ذلك بشكل علني جراء الأوضاع الأمنية، لما لهم من دور رئيسي في تصدر جانب النظام في مواجهة غضب الشارع تجاه فساده وتغوله.