دولة الانقلاب منعت نشره.. فصل من كتاب فضائح السيسي وفساد العسكر.. هل مصر بلد فقير؟

- ‎فيتقارير

نشر الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، كتابه في الرد على قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي الذي يزعم أن “مصر بلد فقير”.

ووضع فاروق كتابه على صفحته الشخصية بموقع “فيس بوك”، بعد منع الأمن الوطني المطبعة الأميرية من نشر الكتاب، واعتقال مدير المطبعة، وتهديد الكاتب بالاعتقال تلميحًا حال تم نشر الكتاب، الأمر الذي دفعه لتحميل الكتاب على صفحته الشخصية، بعنوان: “هل مصر بلد فقير حقًا؟”.

يقول عبد الخالق فاروق، في مقدمة كتابه: “في يناير من مطلع عام 2017، أطل علينا رئيس الجمهورية بتصريحات غريبة ومثيرة للدهشة، قال فيها “أيوه إحنا بلد فقير.. وفقير قوي كمان”، مضيفا أنه بقدر ما صدمت هذه الكلمات القصيرة والحادة، الرأي العام فى مصر، بقدر ما كشفت أننا إزاء حاكم يمتلك أفقا ورؤية لإخراج البلد من مأزقها الاقتصادي والسياسي، الذى تسبب به أسلافه من جنرالات الجيش والمؤسسة العسكرية الذين حكموا مصر منذ عام 1952 حتى يومنا.

ويضيف فاروق: “صحيح أن الشعب المصري اعتاد منذ أن تولى الجنرال السيسى منصبه على تلك التصريحات الغريبة والمثيرة للاستهجان، من قبيل “وأنا كمان غلبان.. حاجيبلكم منين”، بيد أن هذا التصريح الأخير الخاص بأن مصر بلد فقير.. وفقير قوي، لم يكن ليمر دون رد، ودون شرح، لأنه كان كاشفا عن جهل فاضح بالقدرات الكامنة والحقيقية فى الاقتصاد والمجتمع المصري، وغياب رؤية قادرة على الاستفادة من تلك القدرات والإمكانيات، ومن ثم فإنها مؤشر لا تخطئه عين الخبير على غياب أي أفق تحت قيادة هذا الرجل للخروج من الكارثة الاقتصادية التي استمرت خلال السنوات الأربع من حكمه (يوليو 2014 – يوليو 2018)، وذهبت بنا إلى ما هو أبعد وأخطر.

علم اجتماعي

وأكد أن جوهر المشكلة التي ينبغي أن يعرفها القراء، أن علم الاقتصاد ليس علما محايدا بالمطلق، وليس مجرد معادلات فنية وطرق حسابية ورياضية، بقدر ما هو علم اجتماعي، محمل بعبء الانحيازات الاجتماعية لصانع القرار أو راسمي السياسات الاقتصادية.

وأشار فاروق إلى أن علم الاقتصاد الحديث يكاد ينقسم بين تيارين ومدرستين متناقضتين ومتصارعتين، ويجب على صانع القرار أن يختار بينهما، أو على الأقل يمزج بين الوسائل والأساليب المتبعة بين المدرستين والتيارين.

وقال إن هناك مدرسة اقتصاد السوق، والتي تترك لعوامل العرض والطلب وآلياته الغاشمة أن تحدد بوصلة النشاط الاقتصادي، وطريقة توزيع الدخول والثروات، وتترك للقوى المسيطرة أن تحدد مسارات النمو وقطاعاته الأولى بالرعاية والاهتمام، بصرف النظر عن ما يسمى مصالح المجتمع والطبقات المحدودة الدخل، وزادت وحشة هذا التيار منذ مطلع الثمانينات حينما سيطرت على القرار الاقتصادي والسياسي فى بعض أهم الدول الغربية وفى طليعتها الولايات المتحدة.

وهناك التيار الفكري الذى يؤكد- خصوصا فى الدول النامية والفقيرة- أهمية أدوات التخطيط، وتوجيه مسارات التنمية دون أن يصادر على المبادرات الفردية والمشروع الخاص، ويرسم فى ضوء الاحتياجات الأساسية للسكان الأنماط المناسبة للتنمية.

اقتصاد السوق الفوضوي

وأكد أن اقتصاد السوق الفوضوي الذى ساد فى مصر طوال الخمسين سنة الأخيرة، وخصوصا منذ عام 1974، كان يتفق تماما مع صعود قوى اجتماعية جديدة وتحالف اجتماعي بدأ يتشكل منذ هذا التاريخ، مكون من أربعة روافد: هى رجال المال والأعمال الجدد، وكبار جنرالات المؤسسة العسكرية، وبعض الطامحين والطامعين من المؤسسة الجامعية أساتذة الجامعات، وأخيرا بعض أعضاء المؤسسة القضائية، ومنهم تحددت السياسات وأشكال توزيع الفائض والأرباح، وأصبح معاداة هؤلاء لفكرة التخطيط والتحيز للفقراء والطبقة الوسطى، بمثابة عمل يومى وغذاء روحي، ومن هنا لم تعد لأفكاره التى تنتصر لمفهوم التخطيط أي مكان لدى صانع القرار في بالدنا.

وأوضح فاروق أن أخطر ما تردد فى السنوات والشهور الأخيرة، هو ما قاله السيسي إننا بلد فقير، ثم عاد وكرر العبارة بانفعال شديد: “أيوه إحنا بلد فقير قوى”.

وأضاف أن هذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلا، بقدر ما يعكس عدم إدراك السيسي بالقدرات والإمكانيات المتاحة فى مصر، أو عدم رغبة حقيقية فى إعادة بناء اقتصاد البلد، ونظامها الضريبي بما يلبى المطالب العادلة للمواطنين، وبما يأخذ من الأغنياء ورجال المال حق الدولة والمجتمع، كما يؤكد هذا الكلام فى نفس الوقت عدم رغبة فى وقف الإهدار والإسراف الذى يميز الإدارة الحالية ووزرائها، ومجلس نوابها، مطالبا بمراجعة الإنفاق الحكومي لنكتشف الفضائح والفساد.

وأشار إلى مبيعات السيارات فى مصر عام 2016  بلغت 198271 سيارة، بعد أن كانت فى العام 2015 حوالى 278406  سيارة ، وإذا حسبنا أن متوسط سعر السيارة الواحدة 150 ألف جنيه فقط ، فإن مشتريات المصريين من السيارات بلغت عام 2016 حوالى 0.3 مليارات جنيه، وإذا كان متوسط سعر السيارة 200 ألف جنيه فنحن نتحدث عن 0.4 مليار جنيه، هذا بخلاف السيارات المستوردة من الخارج، فهل هذا تعبير عن بلد فقير.. وفقير قوى كما يردد هذا الحاكم؟.

فيلات وقصور وشاليهات

كما نوه إلى دراسات حديثة بشأن حجم مشتريات المصريين من فيلات وقصور وشاليهات سياحية فاخرة، منذ عام 1980 حتى عام 2011، قد بلغ 415 مليار جنيه على الأقل، بما يعادل 180 مليار دولار بأسعار الصرف السائدة فى تلك الفترة الزمنية، فهل هذا تعبير عن بلد فقير حقا، كما أن النتائج التى تسربت من أبحاث الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، عام 2001، حول حجم ودائع المصريين فى البنوك الخارجية– أى خارج مصر- قد تجاوزت 160 مليار دولار، وهو ما يصل حاليا إلى 250 مليار دولار وفقا لمعدلات النمو الطبيعية فى هذه الودائع والثروات، وإذا أضفنا إليها ما جرى تهريبه من أموال بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ، فنحن نتحدث عن قدرات مالية هائلة، هل نحن بلد فقير حقا؟.

وكشفت الأموال التى جمعت من المصريين- أفرادا كانوا أو مؤسسات مالية- في أقل من أسبوعين من أجل حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس عام 2014، والتى تجاوزت 64 مليار جنيه عن مقدار الفائض والمدخرات المتاحة لدى المصريين، وقدرتهم على تعبئة هذا الفائض، إذا ما توافرت الثقة فى القيادة السياسية للبلاد، وطرحت أمامهم آفاق للمستقبل، والخطورة هنا إذا ما اصطدمت هذه الثقة مرة بعد أخرى بخيبة أمل، وضياع للبوصلة، مما يؤدئ إلى تبديد هذه الثقة، خصوصا لدى الفئات الوسطى والفقراء فى المجتمع.

كما أشارت تقارير منظمة “النزاهة المالية الدولية” إلى أن حجم التدفقات غير المشروعة من مصر إلى الخارج نتيجة للفساد الحكومى، يقدر بحوالى 57 مليار دولار خلال السنوات الممتدة من عام 2000 حتى عام 2008 ، أي بإجمالى مبالغ تقدر بأكثر 8.336 مليار جنيه مصرى خلال هذه السنوات التسعة وحدها بسعر الصرف 91.5 جنيها للدولار، وأن السنوات الثلاثة الأخيرة من هذه الفترة قد شهدت زيادة ملحوظة فى حجم هذه التدفقات غير المشروعة إلى الخارج ، حيث بلغت عام 2006 حوالى 0.13 مليار دولار، وفى عام 2007 بلغت 6.13 مليار دولار، وفى عام 2008 بلغت 4.7 مليار دولار.

“أوراق بنما”

وفجرت فضيحة ما يسمى “أوراق بنما”، في أواخر عام 2015، هذا الجرح الغائر من جديد سواء لدى الشعب المصرى، أو شعوب العالم المنهوبة من المستبدين وطبقة رجال المال والأعمال الجديدة فى هذه المجتمعات التى جرى تخليقها معمليا فى المختبرات الأمريكية والأوروبية ومؤسسات التمويل الدولية، ومما أظهرته هذه الأوراق حتى الآن:

1 -أنه قد تبين أن هناك 250 ألف شركة مسجلة بنظام الأوف شور فى مكتب المحاماة المسمى موساك فوسيكا فى بنما، معظمها مجرد شركات وهمية بهدف التهرب الضريبى، وإخفاء الأموال لأصحابها.

2 -أظهرت أوراق بنما أن هناك موظفة فقيرة فى مكتب المحاماة هذا تترأس أكثر من 11 ألف مجلس إدارة من بين هذه الشركات الوهمية.

3 -أظهرت الأوراق أن فى فرنسا وحدها 250 ألف شخص من كبار الشخصيات ورجال المال والأعمال والأنشطة الرياضية وغير الرياضية، قد تهربوا من دفع الضرائب عبر إنشاء هذه الشركات الوهمية التى أسست فى خارج فرنسا، ووفقا لخبير التحقيقات الضريبية الفرنسى “مسيو رولان فابيو”، قد استطاعوا إخفاء حوالى 8250 مليار يورو خارج البلاد، وأن من شأن كشف هذه الأوراق أن تستعيد فرنسا هذا المبلغ، وأن من بين هؤلاء أسماء كبيرة منهم المحامى أرنوالد كلود (شريك الرئيس الفرنسى السابق نيكولاى ساركوزى) فى أعمال المحاماة، والذى مارس عمليات احتيال وإنشاء شركات وهمية وعمليات غسل أموال.

4 -مكاتب المحاماة الأجنبية التى تقوم بهذه الأعمال القذرة، سواء فى قبرص وجزر الكايمان أو جزيرة العذراء البريطانيتين، أو جزيرة مونت كارلو الفرنسية وغيرها، تحصل فى المتوسط على نسب عمولات تتراوح بين 1% إلى 3% من قيمة الأموال المهربة والمحولة عبر البحار والمحيطات.

5 – تبين أن هناك بنوكًا كبرى وذات سمعة عالمية تقوم بهذه الأعمال القذرة ومن ضمنها بنك HSBC البريطانى، وبنك سوسيتيه جنرال الفرنسى، وبنك “أدموند دو روتشيلد” السويسري، وجريدى أجريكول الفرنسى ، وبنك S.B.U السويسرى الشهير، وشركة “فيدوء سويس”، وغيرها الكثير، فعلى سبيل المثال أظهرت الأوراق أن بنك ” سوسيتيه جنرال ” الفرنسى ، قد أنشاء 136 شركة وهمية فى الملاذات الضريبية الآمنة، لمساعدة عملائه على التهرب الضريبى، أما بنك “أدمونددو روتشيلد”، الكبير والشهير ومديره مارك أمبروزيان، والكائن مقره فى لوكسمبرغ، فقد سجل 142 شركة وهمية، ووضع عناوينها فى مقر البنك فى عنوانه فى لوكمسبرغ.

حسنى مبارك

وساعدت البنوك حسنى مبارك على عمليات السرقة والتلاعب المالى– والتى أدين فى قضية القصور الرئاسية– بأن ميزانية رئاسة الجمهورية كانت كبيرة، وغير مراجع عليها من الأجهزة الرقابية، بحيث إن الجزء الغاطس منها كان كبيرا جدا من خلال ما يسمى الصناديق والحسابات الخاصة التى يملك رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات جمهورية بإنشائها دون رقيب أو حسيب، وتسريب جزء كبير من أموال المساعدات والمعونات العربية والأجنبية إلى هذه الصناديق، وكذلك جزءا من إيرادات هيئة قناة السويس، فمؤسسة الرئاسة تمتلك 65 قصرا، وتشرف على 9 إدارات أو قطاعات إدارية على أعمال مؤسسة الرئاسة، مما يسهل عمليات إخفاء الأموال، هذا علاوة على عدة مليارات من الجنيهات المصرية والعملات الأجنبية المتنوعة، تضمها أكثر من ثمانية صناديق وحسابات خاصة لا يعرف عنها أحد شيئا سوى عدد محدود جدا من العاملين فى رئاسة الجمهورية، فى مقدمتهم زكريا عزمى، والسكرتير الخاص للرئيس جمال عبد العزيز، ومسئول الشئون المالية بالرئاسة. فهل هذا تعبير عن دولة فقيرة .. وفقيرة قوى كما يقولون؟!.