رحلة “ترقيع الدستور” في 5 سنوات.. من أروقة المخابرات إلى “كرسي عبد العال”!

- ‎فيتقارير

منذ خمس سنوات كاملة، تحدثت “الحرية والعدالة” عن نية قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي تعديل الدستور، بعد أن ألقى للنخبة المدنية طُعم كتابة دستور 2014، بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي بشهور، إلا أن السيسي الذي سيطر على الحكم بمذابح قتل فيها الآلاف واعتقل عشرات الآلاف، لم يكن ليأمن على نفسه من المحاكمة سوى بالاستمرار في الحكم، وهو ما كشف عنه مبكرًا، حينما قال “إن الدستور كُتب بنوايا حسنة”.

ومنذ ذلك اليوم وبعد أن تلقى نواب برلمان العسكر الإشارة، وهم بين الحين والآخر يفتحون ملف تعديل الدستور، على مدار السنوات الخمس الماضية، وكشفت إرهاصات وتصريحات نواب البرلمان مبكرًا عما يدور في أروقة وغرف المخابرات الحربية، حول الشكل الجديد للدستور بعد التعديل، بحيث يستمر السيسي في الحكم مدى الحياة، رغم المحاولات التي تبنّى بعضها عدد من مؤيدي النظام، بأن يتم التعديل جزئيًّا، بحيث يتم زيادة المدد الرئاسية لستة سنوات، إلا أن النهاية أكدت إرادة السيسي ألا يترك الحكم طالما كان على قيد الحياة.

وكان من المتوقع أن يبدأ نظام عبد الفتاح السيسي في تعديل الدستور بعد البدء في فترة الحكم الانقلابي الثانية؛ لتبدأ ماكينة إعلام الانقلاب في الترويج لضرورة تعديل الدستور من أجل حسم عدد من الملفات، أبرزها سيطرة السيسي على مقاليد البلاد مدى الحياة، وعزل رؤساء الأجهزة الرقابية والمحاسبية، ووزير الدفاع، والتأسيس لحكم الفرد الواحد “الفرعون”؛ من أجل بسط السيسي سيطرته على الدولة وتقطيعها لأجزاء يستطيع من خلالها بيعها لمستثمرين عرب وأجانب.

المخابرات تعطي الإشارة

وبمجرد التقاط إشارة البدء من المخابرات الحربية لتعديل الدستور، تلقى رئيس برلمان العسكر طلبًا لتعديل خُمس عدد أعضاء المجلس لتعديل بعض مواد الدستور.

وبالرغم من أن ملايين المصريين لم تفاجأ بطلب تعديل الدستور، خاصة مع التمهيد لذلك على مدار السنوات الماضية، إلا أن السيسي خلال الآونة الأخيرة لم يرغب في الحديث عن هذا الملف بشكل مطلق، لكي تكون الدعوة وكأنها دعوة شعبية تطالب ببقاء السيسي وليس له علاقة بها، وقال عبد العال فى الجلسة العامة: «وصلنى طلب كتابى موقع من أكثر من خُمس عدد أعضاء المجلس بتعديل بعض مواد الدستور، وعملا بحكم المادة 141 من اللائحة فقد أحلت الطلب إلى اللجنة العامة للنظر فى مدى توافر الشروط والأحكام الواردة فى المادة 226 من الدستور والفقرة الثانية من المادة 133 من اللائحة الداخلية للمجلس، وإعداد تقرير للعرض. وأدعو اللجنة العامة للانعقاد اليوم عقب انتهاء جلسة المجلس».

تخطيط منذ اللحظة الأولى

وبالنظر إلى التصريحات التي شملت الحديث عن الدستور وضرورة فتح المدد الرئاسية ليبقى السيسي في الحكم، أكدت تصريحات نواب برلمان العسكر وعدد من المسئولين في نظام الانقلاب، حتى السيسي نفسه، حينما قال إن الدستور كتب بنوايا حسنة، أكدت جميعها أنه تم تعديل الدستور منذ اللحظة الأولى التي شرعن فيها السيسي وجوده في الحكم، وشرعن انقلابه العسكري بالانتخابات الرئاسية الهزلية عام 2014، ولم تتبق سوى اللحظة التي يتم فيها التعديل كتابةً بشكل معلن على المصريين المغلوبين على أمرهم بقوة السلاح.

فلم تكن التصريحات التي سبقت الطلب الذي تقدم به أغلبية نواب برلمان العسكر، سوى إعلان عن التاريخ الذي سيتم فيه التعديل، وإعلان المصريين بالديباجة والمواد الجديدة وشكلها بعد التغيير، بعد أن تم الاتفاق عليها في غرف المخابرات الحربية.

وحسب الدستور، تلزم موافقة خُمس أعضاء مجلس النواب (120 عضوا من إجمالي 596) على مقترحات تعديله، قبل مناقشتها والتصويت عليها بموافقة ثلثي الأعضاء، على أن تصبح نافذة بموافقة الأغلبية في استفتاء شعبي.

وتشدد المادة رقم 226 الخاصة بإجراء التعديلات الدستورية، على عدم جواز التعديل إلا بما يضمن المزيد من الضمانات، حيث جاء ختام المادة كالتالي “وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات”.

إلا أن السيسي لم يبال بهذه المواد، ولم تفزعه، حيث أكد نظامه أن الدستور ليس قرآنا، ومن ثم يجوز تعديله، بل إن نظام السيسي نفسه سعى إلى أن يغير في كتب التراث التي نقلت عن علماء الأمة وصحابتها وأئمتها المشهورين فهمهم للقرآن الكريم، الأمر الذي لم يصب المصريين بأي دهشة حول طلب التعديل، طالما كان بقوة السلاح.

مراحل التعديل

وبدأت مراحل تعديل الدستور منذ أول عام استولى فيه السيسي على مقاليد الأمور، وتحديدا في سبتمبر 2015، حين قال في لقاء مع طلاب جامعيين بجامعة قناة السويس: إن “الدستور كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط”.

وآنذاك تفاعل مؤيدو السيسي مع تلك التصريحات، بينما أطلق الداعية والإعلامي المؤيد للنظام مظهر شاهين حملة لتعديل الدستور حملت شعار “هنعدل الدستور”؛ بهدف تحويل نظام الحكم إلى رئاسي، ومنح السيسي صلاحيات كاملة، وأن تكون مدة رئاسة الانقلاب ست سنوات لفترتين متتاليتين.

وفي فبراير 2017، دعا النائب إسماعيل نصر الدين إلى تعديل الدستور لمد فترة حكم السيسي إلى ست سنوات، غير أنه لم يتقدم فعليا بهذا الطلب.

وعاود النائب ذاته في أغسطس 2017 طرحه الذي لم ير النور أيضا تحت القبة، بالتزامن مع حملة إعلامية مؤيدة له قادها عماد الدين أديب والسياسي مصطفى الفقي، بجانب تصريحات لرئيس برلمان العسكر علي عبد العال قال فيها إن “عدة مواد بالدستور تحتاج إلى إعادة نظر لأنها غير منطقية، وإن الدستور يحتاج إلى إعادة نظر بعد استقرار الدولة”.

ثم جاءت دعوة الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة “أخبار اليوم”، لمد فترة السيسي إلى ست سنوات، والذي قاد مؤخرا حملة لتعديل الدستور توجت بإعلان ائتلاف الأغلبية التقدم اليوم بالتعديلات المذكورة.

حتى إن عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور، والذي ظل صامتا طوال الخمس سنوات، حينما تحدث طالب بأن يكون تعديل الدستور بدقة، رغم تصريحاته السابقة عن حملة تعديل الدستور حينما وصف الحملة بأنها “تثير علامات استفهام.. مصر بحاجة إلى تعميق الاستقرار وليس إشاعة التوتر”.

هل يقبل المصريون؟

ولاقت حملة تعديل الدستور رفضًا واسعًا من سياسيين وحقوقيين وصحفيين وناشطين عبر منصات التواصل، ازدادت وتيرتها في الساعات الماضية.

وتصدر هاشتاج “لا لتعديل الدستور” مواقع التواصل الاجتماعي، ودعا المشاركون فيه قوى المعارضة إلى التحرك والتوحد لمواجهة تمديد ولاية السيسي، بينما اعتبر آخرون أن التعديل نهاية لحكم قائد الانقلاب.