رسائل النظام العسكري في مشهد اقتحام صحيفة “المصريون”

- ‎فيتقارير

في إجراء إجرامي تعسفي واعتداء سافر على حرية الرأي والتعبير، اقتحمت عصابات انقلاب 30 يونيو مقر صحيفة “المصريون”، ظهر اليوم الإثنين 24 سبتمبر 2018م، واحتجزت المحررين وجميع العاملين فيها، كما صادرت جميع الأجهزة والمعدّات، بزعم مراجعة أموال المؤسسة.

المثير في الأمر أن هذه الإجراءات الشمولية التي تعصف بكل صور حرية الرأي والتعبير، وتعصف كذلك بكل معاني حقوق الإنسان، تأتي متزامنة تماما مع تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي، اليوم الإثنين 24 سبتمبر 2018م، في نيويورك بأن مصر تحترم حقوق الإنسان، وقبلها بيومين زعم سامح شكري أن مصر تتمتع بحرية الرأي والتعبير، وأن الصحف والفضائيات تعمل بكل حرية واستقلال!.

وفي 11 سبتمبر الجاري، قرّرت لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات “الإرهابية والإرهابيين”، مصادرة أموال 1589 شخصا و118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية، من بينها صحيفة “المصريون”.

وموقع صحيفة المصريون محجوب منذ مايو 2017، عندما أقدمت سلطات الانقلاب على حجب 21 موقعًا صحفيًا، بادعاء “بث أخبار تحريضية والتشجيع على الإرهاب”، وشمل القرار حينها مواقع “الجزيرة” و”مصر العربية”، و”عربي 21″، و”الشعب”، و”قناة الشرق”، و”كلمتي”، و”الحرية بوست”، و”حسم”، و”حماس”، و”إخوان أون لاين”، و”نافذة مصر”، و”بوابة القاهرة”، و”رصد”، وقد حُجبت تماما عن جميع متصفحي مصر.

ويهدف النظام العسكري الشمولي من هذه الإجراءات، إيصال عدة رسائل لجميع قوى الشعب وفئاته وحركاته وأحزابه.

الرسالة الأولى: هي إصرار النظام على وأد وإجهاض أي صورة من صور التعبير عن الرأي، تمثل ذلك في تأميم الفضاء الإعلامي تمامًا؛ فمعظم الفضائيات والصحف الخاصة باتت مملوكة لشركات تابعة مباشرة لأجهزة المخابرات العامة والحربية. وتم استبعاد عشرات الإعلاميين إما لنزعتهم الاستقلالية أو لاحتراقهم، فباتوا بلا جدوى للنظام. كما حجب النظام جميع المواقع التي لا تمضي وفق سياساته وتوجهاته في محاولة لإحياء تجربة الديكتاتور جمال عبد الناصر، الذي كان يتحكم في جميع مفاصل الإعلام؛ لكن فات هؤلاء أن ذلك بات شيئا مستحيلا في ظل السموات المفتوحة والإنترنت ومواقع السوشيال ميديا؛ وهو ما دفع النظام الشمولي نحو قوانين وتشريعات تستهدف في المقام الأول تأميم حرية الرأي والتعبير  عبر مواقع السوشيال ميديا، مثل قوانين تنظيم الصحافة والإعلام، والجرائم الإلكترونية وغيرها.

الرسالة الثانية، أن النظام بات لا يثق في أي صحيفة أو وسيلة إعلامية لا تعمل وفق آلياته وتوجهاته، وأن تكون تابعة مباشرة لأجهزته الأمنية والمخابراتية، وتتلقى سياستها التحريرية من ضباط الشئون المعنوية أو المخابراتية، فصحيفة المصريون من الصحف التي تحاول التزلف للنظام العسكري بشتى الطرق، فقد دعمت انقلاب 30 يونيو وانتقدت على استحياء مذبحة رابعة العدوية، لكنها في ذات الوقت روجت ولا تزال لأكاذيب مسئولية قيادات الجماعة عن المذبحة، وباتت لا تشير بأي اتهام للنظام العسكري الشمولي بهذا الشأن، ودأب رئيس تحريرها وأخوه على كتابة المقالات التي تهاجم الجماعة بضراوة، مستخدمين في حربهم على الإخوان جميع أشكال الكذب والافتراء وتجاوز الحقائق، ورغم ذلك لم يشفع هذا لهم عند النظام الذي يريد منهم التبعية المطلقة، دون أي نهكة من استقلالية يرجوها آل سلطان؛ حتى يبدو في مشهد المحايدين الذي يفضلونه، والذي تجلى في انتقاد بعض مواقف النظام ليس من باب المعارضة والعمل على إسقاط النظام رغم فشله المتواصل، بل الحرص على نجاح النظام وضمان استقراره واستمراره، وهي صورة من صور المعارضة التي تحبها النظم السلطوية الشمولية.