رشوة السيسي.. ورط القوات المسلحة لمواجهة احتمالات الرفض الشعبي للترقيعات

- ‎فيتقارير

بعد موافقة برلمان الإنقلاب على المواد المتعلقة بجعل القوات المسلحة وصيا على الشعب المصري بان تكون مهمته حماية “مدنية” الدولة، و”صون الدستور والديمقراطية” بنص المادة 200، واشتراط موافقة المجلس العسكري على وزير الدفاع الذي يعينه رئيس الجمهورية بنص المادة 234.

رأى مراقبون أن المواد الخاصة بالجيش في التعديلات الدستورية التي تمت البصم عليها؛ عبارة عن رشاوي دستورية “الغرض منه قبول المؤسسة العسكرية لأخطار فكرة التعديل التي قد ينتج عنها حراك شعبي رافض لن يصده إلا الجيش”بحسب مقال بعربي 21.

وتتنامي أعداد الشرائح المناهضة لسياسات الإنقلاب شديدة القسوة، خاصة على الطبقات الوسطى والفقيرة في المجتمع. وشرعية هذا القول مصدرها، أن النظام مهما بلغت قوته واستقلاليته يحتاج إلى أطراف قوية داعمة لسياساته ومدافعة عنها بما يمكنه من الاستمرار رغم الرفض الواسع له.

حكم الفرد

وقال المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن التعديلات المقترحة على دستور 2014 في مصر: تكريس حكم الفرد، مضيفا أن “التعديلات” بها صلاحيات جديدة للعسكريين، لكن مقابل هذه الرشاوي هناك أثمان، نصت عليها التعديلات الدستورية، على المؤسسة العسكرية أن تدفعها عبر قبولها “فتحِ مُدد الرئاسة وترسيخ حكم الفرد”، وحمايتها للرئيس وسياساته، مهما بلغت خطورتها وانعكاساتها السلبية على الناس.

كما لفتت دراسة لموقع الشارع السياسي إلى أن السيسي يورط المؤسسة العسكرية في المجال السياسي وجعلها وصيا على الشعب والوطن بإضافة مهام شديدة الخطورة تجعله فوق كل السلطات، على غرار الجيش التركي في مرحلة ما قبل أردوغان، حيث كان الجيش “حامي العلمانية” وهو ما مكنه من تنفيذ خمسة انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة بدعوى “حماية العلمانية”.

باب للمحاكمات

ومن الترقيعات التي تم اقرارها من برلمان الانقلاب على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في حال الاعتداء على منشآت عسكرية أو ما في حكمها، حيث حذفت كلمة “اعتداء مباشر” في المادة (204) لتصبح مجرد اعتداء، مما يفتح الباب أمام المزيد من المحاكمات العسكرية للمواطنين.

وقالت دراسة للشارع السياسي إن مكمن الخطورة في هذا الترقيع، أنه يكرس حالة الحزبية التي تمارسها القوات المسلحة والتي تحولت من جيش لعموم الشعب إلى حزب سياسي يدافع عن مصالحه الخاصة ويتم تطويع الدستور ذاته لخدمة هذه المصالح وتقنين هذا الشذوذ والانحراف، بما يورط القوات المسلحة في صدامات دموية مع الشعب مستقبلا إذا تطلع نحو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على المشاركة الشعبية الواسعة وعدم الإقصاء والتمييز والاحتكام إلى صناديق الاقتراع للحكم بين القوى والأحزاب المختلفة.

والتعديلات الدستورية المقترحة في مصر تؤكد هذه النتيجة؛ فتقليص صلاحيات واستقلالية القضاء، مقابل الامتيازات الممنوحة حصراً لقضاة المحكمة الدستورية العليا. والصلاحيات والمهام الممنوحة للجيش، وعدم الإشارة للمؤسسة الأمنية، والإبقاء على تحصين منصب شيخ الأزهر؛ كلها مظاهر تؤكد مقولة أن الدستور فضاء ومساحة كاشفة عن قوى المجتمع والدولة صاحبة الدستور، والوزن النسبي لكل منها.

المادة الأخطر

ورأى محللون أن الترقيعات تحمل تحول نوعي في وظيفة المؤسسة العسكرية، وفي علاقتها بالدولة من جهة، وبالمجتمع من جهة أخرى. فإلى جانب وظيفتها الوحيدة المتعارف عليها من حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها.

واعتبروا انه من المهم معرفة أن المادة 200 والتي تنص على 3 مهام جديدة هي حماية الديمقراطية وصون الدستور ومدنية الدولة لم تشهدها، أو ما يشبهها أياً من الوثائق الدستورية التي عرفتها مصر منذ 1882، والذي شهد ميلاد أول وثيقة دستورية عرفتها البلاد في العصر الحديث، وحتى 2014، وظهور الوثيقة الدستورية الأحدث في مصر.

تأويل المادة وتفسيرها، اعتبرها البعض مدخلًا لتدخلات لا نهائية من القوات المسلحة في الحياة السياسية، لمنع وصول غير العسكريين إلى مقعد الرئاسة بعد انتهاء «مُدَد» عبد الفتاح السيسي، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك؛ معتبرًا أنه بإقرار هذا التعديل سيتحوّل الجيش إلى السلطة العليا في الدولة، والمخول لها تفسير مواد الدستور، على غرار المؤسسة العسكرية في تركيا قبل 2007، في المقابل اعتبرها آخرون إقرارًا لما هو مطبّق بالفعل ومتعارف عليه منذ 3 يوليو 2013، ولن يترتب عليها جديدًا”.

إقحام الجيش

فيما قالت تقارير وتحليلات إن علاقة المؤسسة العسكرية بالدولة والمجتمع في مصر، توضح أن الترقيعات المقرة انقلابيا لم تكن جزء من طموحات العسكريين في مصر، ولم تكن جزء من تاريخ علاقتهم بالنظام والمجتمع؛ خاصة أن المؤسسة العسكرية هي المسئولة عن توريد رؤساء للجمهورية منذ يوليو 1952، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي الحديث عن حماية مدنية الدولة، ما دام العسكريين هم الحكام الفعليين لهذه الدولة، وما دامت المؤسسة العسكرية تضخ رجالها في كل أوصال الدولة، وتدعم أبنائها السابقين الموجودين في سدة الحكم. وفي هذه اللحظة يتربع على كرسي الرئاسة وزير الدفاع السابق، وابن المؤسسة العسكرية.

يقول الباحث شريف يونس، في دراسة بعنوان “التعديلات الدستورية: مأسسة شرعية التفويض، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية”، إنه وفق هذه المواد تمثل تجسيد دستوري لشرعية السيسي الأعلى شرعية من الدولة ومن النظام!

ويضيف إن هذا التعديل يوكل دستوريًّا للقوات المسلحة المشاركة في حراسة شرعية التفويض، بعبارة أخرى، التصدي لأية محاولة لتهديد مدنية الدولة، سواء من داخل جهاز الدولة نفسها، أو من خارجها. لكن هذه المأسسة لا تهدف إلى حلول القوات المسلحة مباشرة محل “السيسي” في حماية شرعية التفويض، بل كضمانة دائمة في عهده وبعده. فالتعديلات تستبقي “السيسي”، العنوان الأصلي لهذه الشرعية، لأعوام مقبلة.