رصاصة طائشة سترتد إلى صدره.. الصناديق السيادية تكشف هشاشة دولة السيسي

- ‎فيتقارير

كشف تحقيق استقصائي، عن دور الصناديق السيادية التي أسسها قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، عن تأسيس دولة فوق الدولة، بإشراف السيسي شخصيًّا، دون معرفة أرقام وحجم أموال هذه الصناديق، التي أصبحت تتحكم في اقتصاد البلاد، وتعد العمود الرئيس للمشروعات التي يقوم بها السيسي، فضلا عن أنها أصبحت الأخطبوط الذي ابتلع ثروات البلاد ودخولها القومية، بعد أن تم تذويب الاقتصاد الرسمي للدولة وثرواتها داخل هذه الصناديق، وغسيل هذه الأموال عن طريق المشروعات التي أسس لها السيسي.

وقال تحقيق منشور على موقع “مدى مصر”، أمس الخميس: إن الصناديق السيادية التي أنشأها السيسي هي آخر حلقة في سلسلة إجراءات تحاول دولة الانقلاب من خلالها تجاوز هياكل إدارية قائمة، في سبيل تحقيق عدة أهداف اقتصادية وسياسية تعكس رؤية جديدة لأساليب الحكم، تحت ضغوط فرضتها التغيّرات السياسية في سنوات ما بعد ثورة 25 يناير.

فوائض كبيرة

وأشار التحقيق إلى أن الصناديق السيادية للسيسي تختلف عن غيرها من الصناديق الاستثمارية بقيمتها الكبيرة، لتحقيق أهداف سياسية إلى جانب الأهداف الاقتصادية، كالاستثمار في مشاريع اقتصادية ذات أهمية استراتيجية في دول أخرى لبسط النفوذ خارجيًا، موضحًا أن السمة اﻷساسية بين كل الدول التي تملك صناديق سيادية كبيرة هي أنها تحقق فوائض كبيرة. تأتي هذه الفوائض من موارد طبيعية أو أي موارد أخرى، ويمثل أكبر صندوق سيادي في العالم تمتلكه النرويج بأصول تتجاوز قيمته تريليون دولار، ومصدره بشكل أساسي هو البترول. ويأتي الصندوق الصيني في المرتبة الثانية، لكنه يعتمد على فوائض غير سلعية.

لكن الصناديق السيادية التي أنشأها السيسي لا تحقق فائضًا، بل على العكس تعاني مصر عجزًا كبيرًا في الموازنة (9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017/18)، وقدرًا كبيرًا من الديون وصل في منتصف 2018 إلى 37% من الناتج المحلي الإجمالي (92 مليار دولار).

وقال وكيل لجنة الشئون الاقتصادية ببرلمان العسكر، مدحت الشريف: إن قيمة أصول الصندوق تصل إلى تريليون جنيه بعد الانتهاء من الاستحواذ عليها. يعني هذا أقل من 5% من حجم الصندوق النرويجي. لهذا يرى بعض المختصين أن هذا ليس صندوقًا سياديًا بالمعنى التقليدي وإنما جهة إدارية جديدة. وبحسب وزيرة التخطيط بحكومة الانقلاب هالة السعيد، فإن الغرض من الصندوق هو إدارة واستغلال أصول الدولة، واجتذاب استثمارات أجنبية.

الجهاز الإداري

في الوقت الذي يعتبر السيسي، الجهاز الإداري للدولة بأنه «عقبة في طريق تقدم مصر»، خلال خطاب له في 2015، ليكشف أن هذا النمط يتضح عند مراجعة عدد من القوانين والتوجهات التنفيذية، ويأتي في محاولة لتجاوز عجز الجهاز البيروقراطي وعدم قدرته على تنفيذ سياسات وتوجهات الحكومة.

وكشف التحقيق عن أن الصنوق السيادي للسيسي أسس لإنشاء دولة جديدة، لا تقف عائقا أمام مشروعات السيسي أو يراقب حجم الإنفاق فيها، بالابتعاد عن الجهاز البيروقراطي في الدولة القديمة، وبناء جهاز إداري موازٍ يتمكن من تحقيق نمو اقتصادي يتجاوز أزمات البيروقراطية، ما يشكل رهانًا كبيرًا يخاطر به نظام يقوم بمثل هذا التحول الكبير.

وبدأ السيسي من خلال صناديقه السيادية، السيطرة على ثروات البلاد، فعلى سبيل المثال في عام 2016 أصدر قرارًا جمهوريًا بتشكيل لجنة لحصر أملاك هيئة الأوقاف المصرية، المالك اﻷكبر ﻷصول الدولة غير المستغلة، وفي نوفمبر 2017، أصدر رئيس الوزراء الانقلابى السابق شريف إسماعيل قرارًا بتشكيل لجنة لحصر جميع أراضي ومخازن ومستودعات الدولة غير المستغلة المملوكة للوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها وشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، ووضع تصور للاستفادة منها.

برنامج الخصخصة

ويحق للصندوق السيادي المزمع إنشاؤه بيع هذه اﻷصول، وهو أمر يتماشى مع برنامج الخصخصة الواسع الذي تتبناه حكومة الانقلاب، كما يحق له أيضًا الاستثمار فيها. والغرض هو خلق آلية «تحفيز للاستثمار من جانب دول أخرى وصناديق سيادية أخرى للاقتصاد المصري عن طريق وضع آليات محددة تؤكد التزام الدولة المصرية»، بحسب مسئول حكومي.

وقال المسئول: إن هذا التوجه يثير أسئلة كثيرة فيما يتعلق بعمل هذه الهيئات والأجهزة، والسؤال الأول يتعلق بالشفافية والإفصاح. يسمح القانون لرئيس الجمهورية بنقل اﻷصول المملوكة للدولة إلى ملكية الصندوق إذا كانت غير مستغلة، ويشترط التنسيق مع الوزير الذي تمتلك وزارته هذه اﻷصول إذا كانت مستغلة. ويمتلك الصندوق حق التصرف في اﻷصول المملوكة له بـ«البيع، أو التأجير المنتهي بالتملك، أو المشاركة كحصة عينية».

لكن القانون لا يُخضع أعمال الصندوق لأي رقابة برلمانية. وكانت لجنة الخطة والموازنة ببرلمان العسكر قد أدخلت تعديلًا على مشروع القانون يقضي بعرض القوائم المالية، وتقرير مراقبي الحسابات، والتقرير السنوي التفصيلي عن نشاط الصندوق وخطته، على مجلس النواب. لكن البرلمان تراجع عن التعديل خلال التصويت النهائي على مشروع القانون، ليخرج الصندوق من رقابة البرلمان.

ونقل التقرير عن عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الصندوق الجديد أقرب إلى أن يكون جهة إدارية جديدة منها إلى صندوق سيادي.

وفي خطوة جديدة لنهب ثروات البلاد، تقدم مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة ببرلمان العسكر، في أكتوبر الماضي، بمشروع قانون لإنشاء الهيئة العامة للضرائب، والذي يهدف إلى فصل هيئة الضرائب عن وزارة المالية وتحويلها إلى كيان مستقل يتبع رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. وتستبدل الهيئة مصالح الضرائب القائمة، وتختص بوضع السياسات العامة للضرائب، وتطبيق قوانين الضرائب وتحديد الضرائب وتحصيلها. ويُشكل مجلس إدارة الهيئة بقرار من رئيس الجمهورية، ويتولى وضع السياسة العامة لها والإشراف على تنفيذها.

إلغاء السياسة

ويوضح أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية والمحاضر في قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن ثورة يناير شكلت خطرًا وجوديًا ومصلحيًا حقيقيًا على الدولة، بسبب بروز قوى أو حركات هددت هيمنة الدولة. ولهذا، يأتي النظام الحالي بتصور أيديولوجي ومصلحي مختلف. نظام الحكم الحالي يختلف عن السابق تمامًا، بحسب الشريف.

الاختلاف الأهم بحسب رأي الشريف هو الغياب الكامل للسياسة. يُعرف الشريف السياسة باعتبارها التنظيم المؤسس للمصالح المختلفة والتفاوض من أجل الوصول لسياسات عامة قائمة على تحالف عريض بقدر كافٍ، سواء كان هذا في نظام ديمقراطي أو سلطوي أو شمولي، قائلا: “النظام الحالي بيعمل حاجة جديدة متعملتش قبل كده في تاريخ مصر حتى في عهد الاحتلال البريطاني نفسه، اللي هي فكرة إلغاء السياسة، إلغاء الوساطة السياسية”.

وأضاف: “تولت أجهزة الدولة من الجيش والشرطة والقضاء حكم البلد والسيطرة على المواطنين”، وهو ما يعتبره الشريف «تطورًا خطيرًا فبدلًا من شبكات السلطة التي كانت قائمة أثناء حكم مبارك، أصبحت السلطة هرمية يقع على قمته الجيش وجهازه الأمني، تحته أجهزة الشرطة والقضاء. وتوجه النظام الجديد أيضًا إلى الاعتماد على أجهزة بيروقراطية وإدارية موازية، لكن بديلًا عن وزارات رجال الأعمال القريبين من السلطة، مثل حكومة أحمد نظيف التي كانت وثيقة الصلة بجمال مبارك ودائرة نفوذه من رجال الأعمال، فأصبح الاعتماد الآن بشكل أساسي على المؤسسة العسكرية لتأسيس وإدارة هذه البيروقراطية الموازية.

بحسب رأي الشريف، فإن تبعات هذا التوجه السياسي كبيرة على المدى الطويل. من ناحية، فإن البيروقراطية تمثل قاعدة ولاء الأنظمة السياسية الحاكمة في مصر، وبالتالي فإن فقدان الجهاز البيروقراطي لدوره الإداري والسياسي يعني تحييده، وهو ما يعني خسارة النظام السياسي لقاعدة ولائه المفترضة.

ومن ناحية أخرى، فإن الجهاز البيروقراطي على قدر عيوبه ما زال هو الجهاز الوحيد القادر على حكم البلد بشكل فعلي عبر شبكاته الرسمية وغير الرسمية في الأحياء الشعبية والعشوائية والريف والمدن الصغيرة، بحسب رأي الشريف. وبالتالي، فإن توجه النظام الجديد يعني تخليه عن قدرته على الحوكمة لصالح قدرته على القمع، ليتحول من جهاز حكومي إلى جهاز قمعي.