رغم الجراح والآلام.. هدنة غزة رسالة مضادة لصفقة القرن

- ‎فيعربي ودولي

رغم الجراح والدمار الذي ألحقته 320 غارة جوية صهيونية على قطاع غزة، مخلفة نحو 29 شهيدا “بينهم أطفال ونساء ومدنيون ونحو 11 مقاوما من الفصائل الفلسطينية”، إلا أن اشتراطات الفصائل تحققت، وعاد الهدوء يسود غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار فجر اليوم، بعد يومين من التصعيد العسكري الإسرائيلي.

وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بأنه تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل ابتداءً من الساعة 4:30 صباح اليوم.

وقالت إن تفاصيل وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ بين الفصائل والاحتلال الإسرائيلي برعاية دولية، يشمل وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والتزام الاحتلال بتنفيذ إجراءات تخفيف الحصار بما فيها فتح المعابر، مضيفة أن الاتفاق يشمل وقف استهداف الصيادين والمزارعين والمتظاهرين في المسيرات السلمية شرق القطاع.

بدوره ذكر الناطق باسم “لجان المقاومة الشعبية” أبو مجاهد البريم، في تصريح أصدره أن “جهودا مصرية وأممية نجحت بالتوصل لوقف إطلاق النار، ودخل حيز التنفيذ صباح الإثنين.

كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول مصري طلب عدم ذكر اسمه تأكيد حصول الاتّفاق، فيما قال مسئول فلسطيني لم تسمه الوكالة إن “وقف إطلاق النار تم بشرط أن يكون متبادلا ومتزامنا، وبشرط أن يقوم الاحتلال بتنفيذ تفاهمات كسر الحصار عن قطاع غزة”.

وبحسب المسئول الفلسطيني فإنّ من بين الخطوات “سيتم إعادة مساحة الصيد من 6 إلى 15 ميلاً، واستكمال تحسين الكهرباء والوقود واستيراد البضائع وتحسين التصدير”.

وأدى العدوان الإسرائيلي على مدار اليومين الماضيين إلى استشهاد أكثر من 25 مواطنا فلسطينيا وفق ما أعلنته مستشفيات قطاع غزة، إضافة إلى تدمير أبراج وبنايات سكنية ومنازل للمواطنين وممتلكاتهم.

وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فرفع الجيش الصهيوني القيود الأمنية في الجنوب وأعلنت معظم المدارس أنها ستفتح أبوابها، ولكن مع حلول منتصف الليل، استمر الجيش الإسرائيلي في قصف أهداف في غزة واستمر سكان الجنوب بسماع دوي صفارات الإنظار. وتم إطلاق وابل من الصواريخ على منطقة أشكلون اعترضتها منطومة “القبة الحديدية”، ولم ترد تقارير عن وقوع إصابات.

وأعلنت المدارس في بئر السبع وسديروت ويافني وكريات ملاخي عن انتظام الدراسة كالمعتاد اليوم، في حين أن المدارس في مناطق إشكول وشاعر هنيغيف وسدوت نيغيف، القريبة من القطاع، لا تزال مغلقة.

وعقد المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) جلسة استمرت لخمس ساعات الأحد لمناقشة العنف، الذي أسفر عن مقتل أربعة مدنيين إسرائيليين في يوم واحد، في اليوم الأكثر دموية من حيث عدد الإصابات بالنسبة لإسرائيل منذ حرب غزة 2014.

وذكرت تقارير إعلامية عربية أن وقف إطلاق النار تعثر بداية بسبب رفض إسرائيل السماح بدخول الأموال القطرية، وكانت حماس عازمة على رغبتها في الحصول على المال قبل شهر رمضان المبارك، الذي بدأ اليوم الاثنين في الأراضي الفلسطينية وفي معظم أنحاء العالم الإسلامي، ووافقت اسرائيل بعد ضغوط المقاومة الفلسطينية وتهديدها بالاستمرار في اطلاق الصواريخ التي حولت البلدات الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل والمغتصبات الى خراب هجرها سكانها من الرعب والخوف.

وتخشى الحكومة الصهيونية ن صواريخ المقاومة التي قد تلغي الاحتفالات الصهيونية بذكرى قتلى الحروب الإسرائيلية ويوم الاستقلال اللذين تحييهما إسرائيل في وقت لاحق من هذا الأسبوع، ومسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” التي من المقرر أن تستقبلها تل أبيب بين 14-18 مايو.

انتصار معادلة الردع

ورغم الجراح الفلسطينية والدمار الذي لحق غزة، باستشهاد نحو فقد تحقق انتصار المقاومة الفلسطينية بتوجيه رسالة قوية بانها ستظل مصدر قوة الفلسطينيين في مواجهة مشاريع الابتلاع الصهيونية التي تستهدف القضية الفلسطينية، سواء بصفقات مشبوهة أو محاولات من الفاعلين الإقليميين والمحليين لنزع سلاح المقاومة، وتعريتها من قوتها لصالح سلطات الاستجداء وفق اتفاقيات أوسلو أو اتفاقات الاستسلام العربية.

وبحسب الباحث الفلسطيني فايز أبو شمالة قد تكون الأوضاع العربية والإقليمية لا تسمح لغزة بخوض حربٍ طويلة الأجل، وهذا صحيح، ولكن الأوضاع الميدانية لا تسمح لإسرائيل بخوض حرب استنزاف أيضًا، والتورّط في مواجهات غير مضمونة النتائج، وهذه ورقة ضغط في يد المقاومة الفلسطينية التي تراها الأمة العربية والإسلامية عملاً مقدّسًا، وهي تدافع عن أرضٍ مقدسة، وتتصدّى لأخطر عدوانٍ لا يميز بين طفل وشيخ، ولا بين امرأة وبرج سكني، فالمقاومة في هذه الحالة ليست شرعية وقانونية وتتجاوب مع المواثق الدولية، المقاومة هنا واجب وطني وديني وأخلاقي وإنساني.

وما كانت إسرائيل لتسمح بانكسار موقفها المتشدد من حصار غزة لولا المقاومة. فالمقاومة الفلسطينية قد نجحت في فرض كلمتها على عدوها الإسرائيلي ميدانيًا، فإن الإسرائيلي هذا قد نجح في إشغال المقاومة في جولات تصعيد، يفضي معها الشد والتوتر إلى حالة الارتخاء، ليعود الوضع إلى الشد والتوتر، ثم الارتخاء ثانية، وفي تكرار هذه الحالة من الأخذ والعطاء، والارتقاء والانزواء، يخفت بريق المواجهة التي بات المواطن يتوقع نتائجها مع وساطة مصرية، أو بعد ضغط مصري، يحول دون التصعيد، ويحول دون الوصول إلى مفترق الطرق الذي يفرض على الاحتلال أن يستجيب للمطالب الفلسطينية.

وما كان لمصر أن تتدخل للتهدئة حرصًا على سلامة المقاومة. هذه حقيقة يجب ألا تغيب عن بال أحد، فلا مصلحة لمصر ببقاء المقاومة، بل في وجود المقاومة بحد ذاته على حدود مصر التفاف على اتفاقية كامب ديفيد، وفيه تناقض كامل مع الموقف المصري بشأن حل الصراع، والتجاوب مع مبادرات السلام المطروحة لحل القضية الفلسطينية بعيدًا عن فعل المقاومة، والتي تسمّى في عرف إسرائيل وأمريكا عنفًا فلسطينيًا، أو إرهاباً. من هنا، لا يصب التدخل المصري لتحقيق التهدئة في صالح الشعب الفلسطيني بمقدار ما يخدم المصالح الإسرائيلية.

ويرى بعض المراقبين أن إسرائيل أحرص ما تكون على التهدئة في هذه المرحلة، لا بسبب مهرجان الأغنية الأوروبية فقط، ولا بسبب الاحتفالات بما تسميه عيد الاستقلال، ولا بسبب الانشغال في تشكل الحكومة، وإنما هي بحاجة إلى التهدئة من منطلق عدم القدرة على حسم المعركة على الأرض، واستحالة احتلال قطاع غزة.

ولذلك كل تهدئة في الوقت الراهن تخدم إسرائيل التي اضطرتها المقاومة أن تبيت مدينة تل أبيب؛ عاصمة الصناعة الإسرائيلية، تحت رحمة صواريخ المقاومة.

وباستقراء التصعيد الصهيوني ومالاته، قدمت المقاومة الفلسطينية رسالة واضحة بتشبثها بكافة الحقوق الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية التي تنتزع بالمقاومة والصمود والثبات في مواجهة المشاريع الصهيونية والأمريكية.