شاهد.. في ذكرى مئوية ميلاده.. لماذا رفض المنشاوي لقاء الطاغية عبد الناصر؟

- ‎فيأخبار

مرت منذ أيام قليلة ذكرى مئوية ميلاد الطاغية جمال عبد الناصر، والتي احتفت بها وسائل  الإعلام الموالية للعسكر، لكن ذكرى مئوية ميلاد الشيخ محمد صديق المنشاوي، أعظم من قرأ القرآن في القرن العشرين الميلادي، مرت أمس الأحد 20 يناير 2019م دون أي ذكر أو اهتمام من جانب إعلام العسكر؛ فالمنشاوي واحد من رواد التلاوة، تميّز بأسلوب متميز وحزين تشعر أنه صوت قادم من الجنة من شدة الروعة والخشوع.

ذات يوم، طُلب من الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي إبداء رأيه في صوت الشيخ، فقال “من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي. إنه ورفاقه الأربعة (محمود خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنَّا) يركبون مركبًا ويبحرون في بحار القرآن الزاخرة، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها”.

أما الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب فقال عنه: “في تقديري، إنه يمكن التعليق على أي قارئ من القراء إلا المنشاوي الذي يمثل حالة استثنائية يحار أمامها الذائق الفاهم، من يتأمل مخارج الحروف عنده يصعب أن يجد لها وصفًا؛ وذلك لما منحه الله من حنجرة رخيمة ونبرة شجية تلين لها القلوب والجلود معا”.

ويستكمل عبد الوهاب رأيه في المنشاوي قائلا: “ويتجلى ذلك عند ختامه للتلاوة، فتراه يستجمع كل إبداع التلاوة في آخر آيتين، بحيث يجعلك تعيش معه أشد لحظات الخشوع على الإطلاق! وما عليك إلا أن تتأمل استرساله ما بين السرعة والتلقائية العجيبة، كما في سورة الإسراء، وبين الهدوء وخفض الصوت كما في سورة العلق، عند قراءته (كلاَّ إنَّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى، إنَّ إلى ربك الرجعى)”.

أسباب رفض لقاء عبد الناصر

وكما ترك الشيخ قراءات تليق بجلال القرآن الكريم، أبقى أيضا مواقف تليق بكرامة حافظ كتاب الله، ولعل من أبرزها رفضه مقابلة الطاغية جمال عبد الناصر في بداية الأمر، رغم ما عرف عن عبد الناصر من قسوة وعنف وتكبر؛ حيث ذهب أحد وزراء الديكتاتور عبد الناصر إلى المنشاوي في أوجّ انتشار قراءات الأخير للقرآن الكريم، قال الوزير للشيخ “سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلا يحضره الرئيس عبد الناصر”، فأجابه المنشاوي “لماذا لا يكون هذا الشرف لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟”. وعندما سُئل المنشاوي عن سبب رفضه التلاوة أمام عبد الناصر، قال “لقد أخطأ عبد الناصر حين أرسل أسوأ رسله إلي”، وامتنع الشيخ عن ذكر اسم عبد الناصر إليه.

محاولة قتله بالسم

حكى المنشاوي بنفسه أنه كان مدعوًا في إحدى السهرات عام 1963م، وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة ولكنه رفض، فأرسل إليه بعضا من أهله يلحون عليه فوافق، وقبل أن يبدأ في تناول ما قدم إليه من طعام، اقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف، وهمس في إذنه قائلاً: يا شيخ محمد سأطلعك على أمر خطير وأرجو ألا تفضح أمري فينقطع عيشي في هذا البيت، فسأله عما به فقال: أوصاني أحد الأشخاص بأن أضع لك السم في طعامك فوضعته في طبق سيقدم إليك بعد قليل، فلا تقترب من هذا الطبق أو تأكل منه، وقد استيقظ ضميري وجئت لأحذرك لأني لا أستطيع عدم تقديمه إليك، فأصحاب السهرة أوصوني بتقديمه إليك خصيصًا تكريما لك، وهم لا يعلمون ما فيه، ولكن فلان- ولم يذكر الشيخ اسمه- أعطاني مبلغًا من المال لأدس لك السم في هذا الطبق دون علم أصحاب السهرة ففعلت، فأرجو ألا تبوح بذلك فينفضح أمري. ولما تم وضع الطبق المنقوع في السم عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ، وادعى الشيخ بعض الإعياء أمامهم ولكنهم أقسموا عليه فأخذ كسرة خبز كانت أمامه قائلاً: هذا يبر يمينكم ثم تركهم وانصرف.

ميلاده وحفظه للقرآن

ولد المنشاوي في قرية البواريك التابعة لمدينة المنشأة بمحافظة سوهاج، في العشرين من يناير 1919م، ورحل يوم 20 يونيو 1969 عن نحو خمسين عاما وأشهر عدة، بعد أن ترك تسجيلات، قال متخصصون إنها لأفضل من رتل القرآن الكريم في مخارج الحروف والطبقات وجودة الصوت.

أتم محمد صديق المنشاوي حفظ القرآن الكريم في عمر ثماني سنوات على يد أبيه، ثم ارتحل إلى القاهرة ليستكمل علوم القرآن الكريم على يد أبرز مشايخ الأزهر الشريف الشيخ محمد أبو العلا والشيخ محمد سعودي، وبعدها جاب صعيد مصر، فعرف بجمال الصوت وتقريب معاني القرآن في عموم مصر وخارجها.

قرأ المنشاوي لاحقا في معظم الدول العربية والإسلامية، حيث قرأ في المسجد الأقصى في القدس الشريف، وفي الكويت وليبيا والجزائر والعراق والسعودية وبريطانيا، وفي سوريا التي منحته وسام الاستحقاق، كما منحته إندونيسيا أحد أرفع أوسمتها.

وخلال رحلة شهرته التي جابت الآفاق، أصيب الشيخ في العام 1966م بمرض “دوالي المريء” الذي لم يمنعه من قراءة القرآن الكريم، حتى توفاه الله يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ، الموافق 20 يونيو 1969.

تزوج الراحل من زوجتين، أنجبت الأولى له 4 أولاد وابنتين، في حين أنجبت له الثانية 4 أولاد ومثلهم من البنات، علما أنها توفيت أثناء أدائها فريضة الحج قبل عام من وفاة الشيخ.