نبش تقريران متتاليان لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مجددًا، في الصفقات التي بدأتها السعودية والإمارات مع الجانب الصهيوني في سبيل مراقبة مواطنيها، بل والوصول إلى أهدافٍ في دول الشرق الأوسط، إلى جانب بعض أكبر الدول في أوروبا، كما حددت شركة Q Cuber – واحدة من الشركات المصدرة لتقنية التجسس والمراقبة- بأنها تستطيع.
ودعا التقريران إلى مواجهة برامج التجسس الإسرائيلية التي يدعمها كلٌّ من الإمارات والسعودية، وفي تقرير نشر أمس قالت الواشنطن بوست: “يجب على واشنطن أن تستيقظ لإساءة استخدام البرمجيات القاتلة”.
والسباي وير (برامج التجسس) ( Spyware ) هي برامج تتبع تحركاتك، ولكنها لا تقتصر فقط علي بياناتك أو الصفحات التي تزورها، بل تمتد إلى معرفة الباسوردات الخاصة بك، ورقم بطاقتك الائتمانية وغيرها.
الذباب والقحطاني
ويعتبر سعود القحطاني رائدًا ميدانيًّا عنيفًا في هذا الإطار، ويجيد التعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك باعتباره كما يقول: أنا موظف ومنفذ أمين لأوامر سيدي الملك وسمو سيدي ولي العهد الأمين”.
ومع حلول عام 2018، كان مركز الدراسات والشئون الإعلامية التابع للقحطاني، يقاتل في حربٍ على عدَّة جبهاتٍ ضد أعداءٍ حقيقيين ومُصطَنَعين. واستمر السعوديون في البحث عن أسلحةٍ جديدةٍ.
وكانت شركة DarkMatter– لها مقر في أبو ظبي- قد استعرضت قدراتها في مؤتمرات «القبعة السوداء» للقراصنة في لاس فيغاس عام 2016 و2017 و2018. ومن بين الابتكارات التي عرضتها DarkMatter كانت هواتف «كاتم»، التي تستطيع التصدي للقراصنة الآخرين بواسطة إغلاق الكاميرا والميكروفون والتدمير الذاتي التلقائي لبيانات الجهاز في حال اختراقه من طرف مستخدمٍ غير مصرَّحٍ به.
وكثَّفت السعودية من جهودها الساعية إلى شراء التكنولوجيا من شركاتٍ سيبرانيةٍ إسرائيليةٍ– الأكثر تقدما- ونتيجةً لذلك تشكَّل أحد أكثر التحالفات الاستخباراتية إثارةً للاهتمام في تاريخ الشرق الأوسط، إذ بدأت الشركات الإسرائيلية مشاركة بعضٍ من أسرارها السيبرانية– المعلومات المتداولة عبر أدق خصوصيات الإنترنت- مع السعوديين.
وكانت بمثابة صفقةٍ مع الشيطان، إذ اكتسبت إسرائيل حليفًا سُنيًّا سريًّا ضد إيران (وكذلك فرصة لجمع المعلومات عن المملكة من خلال التعاون السيبراني)، بينما حصل محمد بن سلمان على أدواتٍ جديدةٍ لمكافحة أعدائه في الداخل.
وسعى السعوديون إلى شراء نظامٍ متقدِّمٍ لاختراق الهواتف يحمل اسم Pegasus، وهو نظامٌ اخترعته شركةٌ إسرائيليةٌ اسمها NSO Group Technologies. يعملون جزئياً من خلال شريكةٍ لشركة NSO تُدعَى Q Cuber Technologies من لوكسمبورغ، وذلك لأجل إجراء بعضٍ من معاملاتها.
ولخَّصت منظمة Citizen Lab الكندية لبحوث الإنترنت القدرات المخيفة لنظام Pegasus في تقريرٍ نشرته شهر أكتوبر 2018، “فور اختراق الهاتف، يستطيع العميل الوصول إلى كامل ملفات الضحية، كالمحادثات ورسائل البريد الإلكتروني والصور. ويمكن له أيضا استعمال ميكروفونات الهاتف وكاميراته خِفيَةً للتنصُّت على أهدافه”.
قراصنة الاختراق
في فبراير الماضي، كشف صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أن شركة (AGT) السويسرية، التي أنشأها ويتبوأ منصب مديرها العام رجل الأعمال الإسرائيلي-الأمريكي “ماتي كوخافي”، فازت بعقد بملايين الدولارات لبناء مشاريع للحفاظ على الأمن الداخلي في دولة الإمارات.
وقبل أيام تعاقدت الداخلية الإماراتية بما قيمته 391 مليون درهم في معرض “آيسنار أبو ظبي 2018” للأمن الوطني، بتوقيع 9 عقود لشراء معدات للتعامل والكشف وآليات أمنية متخصصة وعقد منها بتوريد وتركيب وتشغيل لأجهزة ومعدات وبرامج وتدريب وصيانة مشاريع المنافذ الإلكترونية مع شركة الإدارة الإلكترونية والحلول الأمنية.
وكانت عدة تقارير إعلامية أشارت إلى تورط أبوظبي في نشاطات التجسس على المعارضين السياسيين داخل الدولة وخارجها. واتهمت الصحافة الأمريكية والبريطانية دولة الإمارات بشراء برنامج تجسس من شركة “NSO” الإسرائيلية بما يصل إلى 10 ملايين دولار من أجل التجسس على مواطنيها، وتجنيد فريق دولي من خبراء الكمبيوتر لتطوير آليات مراقبة بعيدة المدى تغطي أبو ظبي ودبي.
وتدفع الدولة ملايين الدولارات من أجل مراقبة مواطنيها كما تدفع أضعافها من أجل تحسين سمعتها الدولية مع نشر جهاز الأمن لغسيلها بتراكم الأخطاء والكوارث المرتكبة بحق الشعب الإماراتي.
خدمة إقليمية
وفي يوليو الماضي، كشفت عدة دوريات أجنبية ومنها مجلة “تيليراما” الفرنسية، عن أن الإمارات أهدت النظام المصري، نظامًا متطورًا لمراقبة الأجهزة الإلكترونية يدعى “سيربير” طورته شركة فرنسية.
وأشارت المجلة إلى أن النظام “سيربير” الذي طورته شركة “أميسيس”، يستخدم كمراقبة إلكترونية واسعة النطاق. مُكلفا الدولة 10 ملايين يورو، وتم توقيع العقد في 2014م.
كما قدمت الإمارات نفس التكنولوجيا التجسسية إلى فريق الجنرال الليبي خليفة حفتر. بما يوفر مراقبة حية للمستهدفين عبر أجهزتهم الكترونية، بالإضافة إلى تخزين البيانات الوصفية لهذه النشاطات بما يسمح بمعرفة أي أجهزة اتصلت بأي المواقع الكترونية، وتعقب المكالمات التليفونية والبريد الالكتروني والرسائل النصية وغرف المحادثات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
مشروع مشترك
لقرابة العقد من الزمان كان الإماراتيون والسعوديون الأشد تذمرا من شبكة القنوات الفضائية المدعومة من قطر “الجزيرة”، ودعمها للمعارضين العرب.
فاخترقت الإمارات حساب وكالة الأنباء القطرية على تويتر في مايو 2017، وعَمَدت إلى نشر أخبارٍ زائفةٍ، بحسب اتهامات قطرية. وبعد بضعة أشهرٍ، سُرِّبَت للصحفيين رسائل البريد الإلكتروني المسروقة من حساب يوسف العتيبة، السفير الإماراتي إلى واشنطن. وفي مايو خرج رجل أعمالٍ أميركيٌّ تشير التقارير إلى أن شركته كانت تعمل لحساب دولة الإمارات بتصريحاتٍ يزعم فيها أن رجال استخباراتٍ أميركيين وبريطانيين سابقين مُجَنَّدين لصالح قطر قد اخترقوا مراسلاته.