“كارنيجي”: “مرسي” أعاد الحرية الأكاديمية للجامعات والسيسي ذبحها

- ‎فيتقارير

وجه معهد كارنيجي للدراسات انتقادات عنيفة لمصر وملف الحرية الأكاديمية التي أسماها بـ “الضائعة” منذ الانقلاب العسكري عام 2013، مشيدا بإعادة الرئيس مرسي الحرية الأكاديمية وذبح السيسي قائد الانقلاب لهذه الحرية وإضاعتها.

وأكدت دراسة رصد خلالها المعهد مظاهر ضياع الحرية الاكاديمية أن “القمع المستمر والمتزايد الذي تمارسه سلطة الانقلاب ضد الأبحاث الأكاديمية يعرقل أهدافها الساعية إلى توسيع المعرفة لتحقيق التنمية الاقتصادية”.

وأكد التقرير على الدور الذي لعبه الرئيس محمد مرسي عام 2012 حين اجاز لأعضاء الهيئات التعليمية انتخاب عمداء الجامعات ورؤسائها بأنفسهم، ما شكّل هذه الاندفاعة التي أُعطيَت للاستقلال الذاتي والحرية الأكاديميَّين بعد ثورة 25 يناير، والتي كانت خطوةً أولى مهمة في جعل الجامعات تبتعد عن حالة التبعية لنظامٍ سلطوي وتتحول إلى مراكز مستقلة للأبحاث والتعليم.

بيد أن التغيير لم يُعمِّر طويلاً بعد الانقلاب العسكري، ففي العام 2014، أصدر السيسي مرسوماً رئاسياً ألغى بموجبه الإجراء السابق، وهكذا بات قائد الانقلاب مخوَّلاً من جديد تعيين جميع الرؤساء والعمداء في الجامعات الحكومية كافة.

مايك بومبيو

وأشارت الى أنه رغم تسليّط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في الكلمة التي ألقاها في الجامعة الأميركية في القاهرة 10 يناير الجاري 2019، الضوء على الترابط الوثيق بين الحرية الأكاديمية والتنمية الاقتصادية، ومزاعم السيسي بشأن “إطلاق العنان للطاقة الإبداعية لدى الشعب المصري، والعمل على تعزيز تبادل حر ومفتوح للأفكار”، إلا أن سلطة الانقلاب “تُكبّل التبادل الحر للأفكار عبر اللجوء إلى مستويات غير مسبوقة من الحظر والرقابة على الحرية الأكاديمية وقمعها”.

وانتقد التقرير طرح سلطة الانقلاب ما أسمته “رؤية مصر 2030″، في فبراير 2016، بغرض تحسين تصنيفات مصر العالمية في التنافسية والشفافية، مؤكده أن التراجع في قطاع التعليم “يُضاف الي القمع الذي يمارسه نظام السيسي ضد الأبحاث الأكاديمية”.

الجامعات الأجنبية تهرب

ويوضح التقرير أنه رغم موافقة نواب الانقلاب على قانون جديد هدفه تسهيل السماح بالتعجيل في إنشاء فروع دولية للجامعات العالمية في مصر، إلا أن هذه الجامعات تهرب بسبب سجل القاهرة القمعي منذ الانقلاب العسكري.

ففي عام 2017، تحدّثَ السفير المصري لدى بريطانيا العظمى، ناصر أحمد كامل، مع المعنيين في جامعة ليفربول عن إمكانية إنشاء فرع في مصر، وفكّرت الجامعة جدّياً في الأمر لأسباب مالية، لكن بعد إجراء تحليلٍ أوّلي، وجدت الجامعة أن المخاطر المتأتّية عن ذلك، ومنها ما وصفته لجنتها الإنمائية الدولية باحتمال “تعرُّض سمعتها للضرر”، هي أكبر من أي منافع مالية يمكن تحقيقها.

والمقصود بالكلام عن “تعرُّض السمعة للضرر” كان الإشارة إلى سجل حقوق الإنسان الآخذ في التردّي في مصر، من خلال الاعتقالات، والحجز التعسّفي، وتشويه السمعة (الذي يطال أيضاً الأكاديميين)، وحتى الأحكام بالإعدام، وجرائم القتل، والنتيجة مناخٌ سياسي مريع لا يؤمّن بيئة مواتية للتعليم، فما بالكم بالأبحاث الابتكارية، بحسب نص التقرير.

ويشير تقرير معهد “كارنيجي” لأن قرار جامعة ليفربول يكشف عن نزعةٍ مقلقة تُلقي بوزرها على الجامعات الحكومية والخاصة في مصر، وتتمثّل في خسارة الحرية الأكاديمية.

قمع الحرية

ويضرب التقرير عشرات الامثلة عن القمع للحرية الاكاديمية في مصر أبرزها جريمة القتل الهمجية التي أودت بحياة جيوليو ريجيني، وهو أيضاً طالب دكتوراه كان يجري أبحاثاً ميدانية في القاهرة لإعداد أطروحته، تستمر مصر في قمع الحياة الفكرية للأساتذة والطلاب على السواء.

ويشدد على أن “مستويات القمع تتخطى كل ما عرفته البلاد قبل وصول السيسي إلى السلطة، في عهدَي أنور السادات وحسني مبارك، وفيما كانت الحكومة المصرية تزداد سلطوية، كانت الجامعات الحكومية تخضع للسيطرة الشديدة من السلطة التنفيذية في عهد الانقلاب.
وضربت امثلة على القمع الامني للحريات الجامعية على النحو التالي:

أولا: قضية وليد الشوبكي

في مايو 2018 اعتقلت اجهزة الامن المصرية “وليد الشوبكي” الباحث المصري بجامعة واشنطن الذي اختفي عقب وصوله مصر وإجرائه مجموعة من المقابلات مع قانونيين وقضاة معروفين في مصر، ووجهت له مع اخرين تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية.

وأُخلي سبيله في الأول من ديسمبر 2018 بعدما أمضى ستة أشهر في السجن، وكان هذا مؤشر جديد على انحسار الحرية الأكاديمية، فالشوبكي، وهو طالب دكتوراه في جامعة واشنطن، كان يجري أبحاثاً ميدانية في القاهرة تحضيراً لأطروحته عن استقلال القضاء عندما أقدمت القوى الأمنية على خطفه في أواخر مايو الماضي.

وكان اسم الشوبكي مدرَجاً على قائمة للنيابة تضم ثلاثة عشر صحافياً وأكاديمياً وناشطاً في المجتمع المدني متّهمين بنشر أخبار كاذبة وتشارُك معلومات مع “مجموعات محظورة”، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الشديد القسوة الذي تُطبّقه سلطة الانقلاب.

ثانيا: التوسع في فصل استاذة الجامعات

في عام 2015، عمد مرسوم رئاسي إلى توسيع الأساس المعتمد لإقالة الأساتذة ليشمل بجنب فصل اساتذة الاخوان والمعارضين لسلطة الانقلاب أي حراك في حرم الجامعة فضلاً عن انتهاكات مبهمة للأخلاقيات.

واشار التقرير ربع السنوي لحالة حرية التعبير في مصر الربع الأول (يناير – مارس 2017) لمؤسسة حرية الفكر والتعبير للقيود علي الحرية الأكاديمية مؤكدا أن أبرز هذه الملامح غياب النصوص القانونية التي تنص مباشرة على حماية الحرية الأكاديمية، وإن كانت نصوص الدستور والقانون تتيح الحماية لجوانب مهمة من العمل الأكاديمي واستقلال الجامعات.

تمارس إدارات الجامعات والكليات ضغوطا كبيرة على حرية أعضاء هيئة التدريس في التدريس والبحث والتعبير عن الرأي، وفي سبيل ذلك يتم انتهاك وتجاوز القانون كلما سنحت الفرصة، بحسب تقرير مؤسسة الفكر ولتعبير.

كما يتعرض أعضاء هيئة التدريس والطلاب والباحثين لتدخلات ورقابة من قبل أجهزة أمنية وتنفيذية، خاصة في حقلي العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية، ويواجه الباحثون الأجانب عوائق وملاحقات ناتجة عن تصور الأجهزة اﻷمنية بخطورة عملهم في مصر على “اﻷمن القومي”.
ونتيجة لهذه الضغوط والتدخلات يفضل قطاع واسع من أعضاء هيئة التدريس فرض الرقابة الذاتية على عملهم تجنبا للمتاعب وتخوف أعضاء هيئة التدريس من تعرضهم لعقوبات تعسفية.

ولا يزال هناك قيود مفروضة على عمل الباحثين الأجانب، أبرزها اشتراط حصولهم على موافقة أمنية قبل الالتحاق بالدراسة في الجامعات المصرية.

ثالثا: موافقة الامن شرط لسفر الاساتذة

وي عام 2016 أصدر السيسي مرسوماً رئاسياً أجاز فيه للأجهزة الاستخبارية ضبط الجامعات الحكومية والحياة الفكرية لأعضاء هيئات التدريس فيها.

ونتيجةً لذلك، يُفرَض الآن على أعضاء هيئات التدريس التقدّم بطلبات إلى الأجهزة الاستخبارية للموافقة عليها كي يتمكّنوا من المشاركة في محاضرات خارج البلاد. ويجب أن توافق أجهزة الاستخبارات أيضاً على الدعوات التي توجّهها الجامعات الحكومية إلى شخصيات أجنبية لإلقاء محاضرات لديها، وكذلك على أي مقررات دراسية جديدة ترغب هذه الجامعات في إدراجها في مناهجها.

وشرح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى كامل السيد، تفاصيل هذه القيود وتدخل الأمن في عملية البحث العلمي، وعقد بروتكولات التعاون بين الكليات والمؤسسات الخارجية في مقال نشره موقع الشروق يونية 2018، منتقدا تدخل الأمن بشكل مباشر في المجتمع الجامعي وتعيين القيادات الجامعية، وعدم إمكانية التقاء أعضاء هيئة التدريس بشخصيات أجنبية سواء من أساتذة الجامعات أو الصحفيين قبل الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية.

وأضاف أنه عند سعي أحدى الكليات أو الجامعات لعقد اتفاقيات التعاون العلمي، مع جهات أجنبية أيا كانت هذه الجهات، مطلوب الحصول على موافقة أجهزة الأمن، كما أن طلب السفر لأساتذة الجامعة يجب عليه ملء استمارة أمن من خمس نسخ مصحوبة بخمس صور شخصية، وعليه أن ينتظر الموافقة الأمنية على سفره.

كما انتقد أسلوب اختيار قائد الانقلاب للقيادات الجامعية من العمداء ورؤساء الجامعات بناء أيضا على توصية أجهزة أمنية عديدة، وضرورة الحصول على موافقة أجهزة الأمن على اتفاقيات التعاون العلمي بين جامعات مصرية وجهات أجنبية أيا كانت هذه الجهات، بما في ذلك الهندسة والعلوم والطب والصيدلة والزراعة والحقوق وليس فقط على كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

موافقة أمنية

واشار التقرير ربع السنوي لحالة حرية التعبير في مصر الربع الأول (يناير – مارس 2017) لمؤسسة حرية الفكر والتعبير لما يواجهه أساتذة الجامعات من شروط تتعلق بالحصول على موافقة الأجهزة الأمنية قبل السفر.

ونقلت تقارير إعلامية صور من خطابات رسمية صادرة عن مساعد أول وزير التعليم العالي للعلاقات الثقافية والبعثات، تطلب من وزارة الخارجية عدم السماح بسفر قيادات وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية والمراكز البحثية للخارج دون وجود قرار وزاري أو موافقة من وزير التعليم العالي والبحث العلمي.

وبدأت جامعتي الاسكندرية وطنطا، منذ يناير 2017، بإرسال طلبات سفر أعضاء هيئة التدريس إلى وزارة الخارجية للحصول على موافقتها طبقا لتعليمات وزارة التعليم العالي.

وتفرض هذه الإجراءات قيودا جديدة وبالمخالفة للقانون على سفر أعضاء هيئة التدريس، بحيث تصبح الجامعات مضطرة للحصول على موافقة وزارتي الخارجية والتعليم العالي قبل سفر أعضاء هيئة التدريس، ويشكل ذلك انتهاكا لاستقلالية الجامعات في إدارة الشأن الأكاديمي، وقد يكون مدخلا غير مباشر يتيح للأجهزة الأمنية مواصلة تدخلها في سفر أعضاء هيئة التدريس، بعيدا عن الجدل المثار حول الاستمارات الأمنية.

رابعا: قمع الحركة الطلابية بالجامعات

تحكم حالة الحقوق والحريات الطلابية عدة سمات أبرزها التراجع التدريجي في نشاط الحركة الطلابية بالجامعات منذ الانقلاب علي الرئيس محمد مرسي في يوليه 2013، مقارنة بالنشاط الكبير وتنامي الحراك الطلابي عقب ثورة 25 يناير 2011.

وقد عملت السلطة التنفيذية خلال السنوات الثلاثة الماضية على تمرير تشريعات جديدة وإدخال تعديلات على أخرى، لتمكين إدارات الجامعات من تطبيق المزيد من العقوبات على الطلاب الناشطين، وتقليص مساحات الحريات الطلابية. كذلك شهدت الجامعات تدخلات أمنية فجة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 21 طالبا، أثناء قمع الأجهزة الأمنية لاحتجاجات طلابية متفرقة.

ويعاني مئات من الطلاب من الحبس الاحتياطي وأحكام بالسجن على خلفية مشاركتهم في أنشطة احتجاجية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة.
وأدت هذه القيود المفروضة على الحقوق والحريات الطلابية إلى تقليص مساحة الفعاليات الاحتجاجية للحركات الطلابية، إضافة إلى خفوت الاهتمام بالنشاط السياسي بين طلاب الجامعات، تجنبا لعقوبات تأديبية ومخاطر عديدة. وهذا ما ظهر جليا في الآونة الأخيرة على مستوى الانتهاكات الموثقة بالجامعات، والتي تعد وفقا لرصد مؤسسة حرية الفكر والتعبير متدنية مقارنة بأعوام دراسية سابقة.

ويشير تقرير كارنيجي الى أنه بين العامَين 2013 و2016، أعتقل أكثر من 1100 طالب، وطُرِد ألف طالب أو اتُّخِذَت إجراءات تأديبية بحقهم، ومَثُل 65 طالباً أمام المحاكم العسكرية، وقُتِل 21 طالباً خارج نطاق القضاء.

خامسا: رؤية السيسي تحكم البحث العلمي

في إطار الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها السلطة التنفيذية لإحكام قبضتها على الجامعات، أعلن رئيس مجلس الدراسات العليا والبحوث في جامعة الإسكندرية، في نوفمبر 2018، أنه يجب أن تتقيد جميع اقتراحات الأطروحات لنيل الدكتوراه والماجستير بمندرجات “رؤية مصر 2030”.
وهذا القرار الذي اتخذته سلطة الانقلاب بفرض سيطرتها على الجامعات الرسمية والمواضيع التي يُسمَح للطلاب بدراستها يحدّ من الإبداع ومهارات التفكير النقدي التي يجب تطويرها لدى الطلاب المصريين كي تتمكن البلاد من تلبية أهداف “رؤية 2030”.

وهذه السيطرة المحكمة، بما في ذلك الوجود العلني والسرّي لضباط الاستخبارات، لم تؤدِّ وحسب إلى خنق الحياة الفكرية، بل حرمت الطلاب أيضاً من حريتهم، بحسب كارنيجي.

سادسا: قمع الجامعات الخاصة

بحسب تقرير “كارنيجي”، لم تكن الجامعات الخاصة أفضل حالاً، فمع أن هذه الجامعات كانت تاريخياً بمأمن من التدخلات الحكومية، إلا أنها تواجه ضغوطاً من سلطة الانقلاب لمنع الأبحاث التي من شأنها أن تثير غضب النظام.

مثالٌ على ذلك ما تتعرض له الجامعة الأميركية في القاهرة، فعلى النقيض مما هو معمول به في الجامعات الرسمية، ليست الحكومة المصرية مخوَّلة اختيار الأشخاص الذين سيتولون المناصب الإدارية الرفيعة في الجامعة الأميركية أو تكليف ضباط استخباريين مراقبة الحرم الجامعي، غير أن القوى الموالية للنظام تجد طرقاً أخرى لاستهداف الأساتذة الذين تُعتبَر أبحاثهم مصدر تهديد للنظام.

ويشار هنا الي نشر مجلة الجامعة الامريكية تقريرا في ديسمبر 2016 بعنوان “مُخبرون في الجامعة الأمريكية” يؤكد التدخلات الأمنية سواء في الأنشطة الطلابية أو في مجال الحريات الأكاديمية والطلابية، عبر عدد خاص أصدرته مجلة AUC Times، وهي أحد المطبوعات الدورية التي يصدرها مجموعة من الطلاب داخل الجامعة.

وضمن هذا القمع للجامعات الخاصة، حُكِم على الاستاذ بالجامعة الامريكية عماد شاهين في العام 2015، بالإعدام غيابياً في تهم ملفّقة زوراً في إطار محاكمة جماعية – لا سيما بسبب كتاباته عن انتهاكات حقوق الإنسان على يد الحكومة العسكرية. ومُنِع آخرون من مغادرة مصر بعد توجيه تهمٍ مسيَّسة إليهم، أو شُوِّهت سمعتهم في وسائل الإعلام الخاضعة للدولة على خلفية أبحاثهم.

ويختم تقرير “كارنيجي” بالتأكيد على أن “السلطوية تتسبب فى شل الجامعات في البلاد – مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات خطيرة على التنمية الاقتصادية”، والتأكيد على غياب الحرية الأكاديمية ما يجعل مستقبل مصر الأكاديمي مهددا.