لاجئون فوق التسعين.. حكايات حية للتهجير ودفتر أوراق نكبة الـ48

- ‎فيعربي ودولي

على أعتاب العقد التاسع من عمره، يسرد الحاج مصباح أبو الهيجاء في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، تفاصيل بلدته المهجر منها “عين حوض” قضاء حيفا، كما لو تركها بالأمس، إذ توقفت ذاكرته على أطلالها في العام 1948.

ولد الحاج أبو الهيجاء، وأنهى تعليمه الابتدائي في مدرسة بلدته، ثم تركها ليساعد والده في كسب لقمة عيش العائلة، مزارعا للقمح والعدس التي بذرها خلف والده على الخيل في عين حوض قبل النكبة، وكذلك كرم العنب والزيتون الذي كان يعتني به يوميا، حيث اشتهر مسقط رأسه بزراعة الحبوب والخروب والزيتون.

وتزوج الحاج مصباح فيها قبيل النكبة بأشهر، لتنجب زوجته مولوده الأول في أيام النكبة الأولى، الذي ما لبث أن فارق الحياة.

عائلة واحدة تسكن عين الحوض التي أقيمت بجوارها مستوطنة “عتليت” من الغرب، ومن الشرق “دالية الكرمل” و”أم الزينات”، ومن الشمال الطيرة وحيفا ومن الجنوب المزار، هي أبو الهيجاء.

ذاكرة الحاج “أبو الهيجاء” تفصيلية تتذكر أدق الأمور، ومع ذلك أورث حفيده علاء الدين محمد مصباح أبو الهيجاء بجميع الأوراق الثبوتية وشهادات الميلاد والتي كانت بحوزة جده أنذاك وتخص وتهم العائلة والأبناء والأحفاد يحافظ عليها ويتفقدها دائما ويحفظها في مكان آمن، ينظر إليها وأمل العودة مازال موجودا وحلم يعيش في قلوب الأحفاد.

السهول مليئة بالخروب والزيتون ترويها عين الماء المسماة “حسن الحسين”، (كان يصل ارتفاع الماء بها إلى متر، ولا تنقص ملم واحد، بالرغم من كثرة استخدامها)، كما قال الحاج التسعيني
شجرة الصنوبر البارزة في “عين حوض”، ومن حولها شجرة الزيتون والتين البياضي، التي كان يقضي وقتا طويلا من يومه تحت ظلالها، يتحدث والدمعة تنساب من عينه، “خسرنا زينة وجنة الأرض، كانت المال والوجاهة”، وتابع : “البلاد لم تبع، ولكن غرر بأهلها الطيبين وتركوا لوحدهم”.

الفراغ والرسم

وفي بيت قديم، وسط بلدة عرّابة، القريبة من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، تمارس المسنة الفلسطينية سميحة لحلوح (87عاما)، هواية فن الرسم.

تمسك بيدها المرتجفة ألوانا خشبية وأخرى مائية، ترسم ذكرياتها وكل ما تشاهده عينها، لتكون المتفردة التي تمارس مثل هذه الهواية. وعلى مدى ست سنوات خلت، استطاعت “لحلوح”، المكناة بـ”أم سمير”، رسم نحو 400 لوحة متنوعة، تحتفظ بها.

ورسمت “أم سمير” الزهور والبيوت والحيوانات والطيور، ولكل لوحة قصة، كما تقول لمراسل الأناضول في بيتها الذي يعود تاريخ بنائه إلى منتصف القرن الماضي.

ذكريات التهجير

يوصي الحاج زياد ابو هليل أبناءه وأحفاده في كل جلسة تجتمع به العائلة بعدم نسيان بلدتهم المحتلة ” يبنا ” التي هاجر منها قسرا عام 1948 أمام قوة ودبابات العصابات الصهيونية.

اللاجئ التسعيني زياد ابو هليل لا يزال يحلم بالعودة الي “يبنا”

وتعد بلدة ” يبنا ” من أكبر قري قضاء مدينة الرملة بفلسطين المحتلة عام 48، وتنهض علي تلة مرتفعة جعلتها مركزا استراتيجيا و محطّ أنظار وأطماع الجميع .

وعلي الرغم من تخطيه العقد الثامن من عمره إلا أن الحاج أبو هليل (93) عاما يتمنى أن تخطو قداماه أرض يبنا، وأن يدفن من ترابها الذي لا يقدر بثمن .

ولا تغيب مشاهد سيل الدماء و تحويل القرية الي رماد عن أذهان التسعيني أبو هليل … فيقول: ” عندما تركت قريتي كنت بعامي الثاني والعشرون ومتجوز ولي اثنين من الأطفال، كانت ليلة قاومن فيها القرية بكل قوة امام العصابات الصهيونية.

ويعيش أبو هليل في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بعد نزوحه عام 1948 الي مدينة غزة برفقة عائلته المكونة من أربعة عشرا فردا.

وكانت بلدة ” بينا” أخر بلدة احتلتها اسرائيل من عدة بلدات تحيط بها، فكانت تقع في وسط أراضي قري ” النبي روبين و القبيبة و زرنوقة وعرب صقير وبشيت وأسدود والحفار”.

وشهدت البلدة مواجهات عنيفة من قبل المسلحين والثوريين وكان من ضمنهم أبو هليل للدفاع عن ” يبنا ” لكن ضعف الامكانيات حاصرتهم أمام قوة العصابات التي احتلت البلدة في 4 يونيو من العام ثمانية واربعين من القرن الماضي.

وقامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 48 (6287) نسمة، ونزح معظم أهاليها الي مدينة غزة والبقية الي دول العالم العربي .

“الكبار يموتون والصغار ينسون”.. مقولة أطلقتها “غولدا مئير” رئيس وزراء دولة الاحتلال عام 48، عن تهجير الفلسطينيين من أرضهم عام 48؛ إلا أن السبعيني علي ابن أبو علي هليل لن يسمح للمقولة أن تتحقق وسيبقى يذكر أبناءه لما توارثه من والدة عن تاريخ ” بينا” .

وتضاعفت اعداد اللاجئين منذ النكبة تسع مرات حيث يعيش معظمهم في مخيمات داخل حدود فلسطين التاريخية فيما تعيش البقية في مخيمات في الدول المحيطة مثل لبنان وسورية والاردن.