لماذا اتجهت الجماهير نحو «قنوات الثورة»؟

- ‎فيتقارير

تتوالى الاعترافات من أنصار 30 يونيو، تؤكد أن الجماهير عزفت عن مشاهدة فضائيات السلطة وإعلامها، واتجهت نحو ما تسميها القنوات المعادية للسلطة، في إشارة إلى قنوات الثورة التي تبث من تركيا وغيرها.

ويعزو هؤلاء أسباب فشل فضائيات السلطة وأبواقها الإعلامية، إلى هيمنة الأجهزة الأمنية على صناعة الإعلام، والاعتماد على نوعية رديئة من المذيعين لا يجيدون سوى الطاعة العمياء لتوجيهات الأجهزة الأمنية والمخابرات الحربية على وجه الخصوص، إضافة إلى غياب الحقيقة عن شاشات السلطة التي تعبر عن توجهات السلطة، واختفت منها البرامج المعبرة عن أصوات وتطلعات الشعب وإبراز معاناته في ظل موجات الغلاء المتلاحقة والفشل المتواصل في كل القطاعات.

ويعزو آخرون أسباب عزوف الشعب عن فضائيات السلطة إلى أنها جميعا تحولت إلى صوت واحد هو الشئون المعنوية، وتلاشت الفروق بين قناة وأخرى؛ لأن الجميع يتكلم بلسان واحد هو لسان التوجيهات الصادرة من ضابط المخابرات الحربية (أشرف الخولي) نموذجا.

لكن فضائيات الثورة لا تبث سوى تطلعات الشعب وتبرز آلامه وأوجاعه التي غابت عن شاشات فضائيات السلطة، كما أنها تنحاز إلى قيم الحق والحريات والديمقراطية وحق الشعوب في الحرية والعدالة، والتمتع بالحقوق المدنية كاملة دون إقصاء أو تمييز أو عنصرية.

انتقادات حادة

يقول الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي “عمار علي حسن”، إن الناس ذهبوا لقنوات الإعلام التي تعتبرها السلطة في مصر معادية لها؛ بسبب غياب الصوت الآخر، ما أدى إلى فقدان مذيعي برامج الـ«توك شو» مصداقيتهم لدى أغلب الناس.

وكتب «حسن»- في تدوينة له عبر موقع التغريدات القصيرة «تويتر»- « لا أعرف من هذا العاقل الذين يظن أن مذيعي التوك شو بمصر يتحكمون في رؤوس الناس. يا هذا، لقد فقدوا مصداقيتهم، ولم تعد شاشاتهم مؤثرة بعد أن غاب عنها الصوت الآخر، أو حتى الخطاب المقنع، وأي استطلاع رأي سيُبين أن المصريين ذهبوا لإعلام آخر تراه السلطة معاديًا لها، لكنها بلا قصد تعمل لصالحه».

وكان الصحفي الدكتور عمرو الشوبكي، قد حذر من أن السيطرة على الإعلام جعلت قطاعات واسعة من المشاهدين تتجه لـ«قنوات الإخوان»، مشيرا إلى أنه حين أعلن مركز جاد هذه النتيجة على الرأى العام تم إغلاقه، بدلا من مناقشة الأسباب التى أدت إلى تحول جمهور واسع من الناس نحو قنوات “محرضة”، على حد تعبيره.

وأضاف الشوبكي- في مقاله المنشور بصحيفة المصري اليوم في أكتوبر الماضي- أن كل ذلك لم يدفع أحدا إلى مراجعة أسباب انصراف الناس عن مشاهدة قنوات الدولة وأجهزتها، حتى أصبحت هناك حالة من الكراهية الشديدة لنشر الحقيقة، وابتُكرت كل الوسائل لإخفاء المعلومات عن الناس، واختفى إعلام الدولة الخاص والعام عقب كل كارثة، لأن المعتمد هو نشر “الإيجابيات”، أما السلبيات فالمطلوب إخفاؤها بشكل كامل أو تأخيرها بقدر الإمكان، مستشهدا بما حدث في حادث الواحات أكتوبر الماضي.

وعدد الشوبكي أسباب عزوف المشاهدين عن القنوات الرسمية للدولة، والاتجاه إلى قنوات “الثورة”، مدعيا أن هذه القنوات تبنت ثقافة الاعتماد والتركيز على اللقطة فى تناول الأحداث، بعيدا عن الاهتمام بالمضمون أو العمل ذاته، إلى جانب أن قنوات الثورة كثيرا ما تعتمد على التحريض، إلا أنها امتلكت صوتا مختلفا عن المعزوفة الرسمية للدولة- حسب وصفه- كما أن إعلام الدولة أصابه نوع من الكراهية الشديدة لنشر الحقيقة وابتكار وسائل الإخفاء”.

«تنفيس البخار»

لكن الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق، فقد طالب بـ”تنفيس البخار”؛ أملا في إضعاف فضائيات الثورة التي تبث من تركيا.

واستشهد حسين بمعظم الأحداث الخطيرة التي شهدتها مصر مؤخرا، مؤكدا أنها جميعا جاءت عبر فضائيات معادية للسلطة، فالبيان الذى أعلن فيه أحمد شفيق من أبو ظبى نيته الترشح للرئاسة تم عبر شريط مسجل لوكالة رويترز، أذاعته قناة الجزيرة القطرية. وبيان ترشح سامى عنان، الذى وضعه على صفحته تمت إذاعته أولا فى قناة الجزيرة، والحوار الذى أدخل الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات هشام جنينة إلى السجن كان مع «الهافنجتون بوست» فى نسختها العربية، مدعيا أنها مؤسسة إخوانية تمولها الحكومة القطرية. والحوارات الثلاثة التلفزيونية التى قادت عبد المنعم أبو الفتوح للسجن يوم الأربعاء الماضى، كانت أيضا فى «الجزيرة» وبعدها «العربى» القطرى، ثم «بى بى سى».

ويضيف حسين: «أتفهم غضب الحكومة المصرية وسائر أجهزتها من لجوء الشخصيات السابقة لوسائل إعلام تصنفها معادية. لكن السؤال المنطقى هو: وهل أتاحت الحكومة هامشا من الحريات الإعلامية، بحيث لا يلجأ كل هؤلاء إلى هذه الوسائل التى تعتبر الحكومة معظمها، منصات تحرض على الفتنة والعنف والإرهاب؟!».

ويتابع حسين الموالي للعسكر والمدافع عن الاستبداد العسكري بصورة مستمرة: «طرح هذا السؤال ليس هدفه البحث عن مبرر يعفى الشخصيات السابقة من العذر، ولكنه محاولة جادة للبحث عن مخرج من هذا المأزق حتى لا يتكرر مستقبلا». ثم يحذر «هو مأزق لا يتوقف فقط على لجوء سياسيين كبار لهذه الوسائل، ولكن يتضمن هجرة بعض الإعلاميين إليها بين الحين والآخر».

ويكشف حسين عن أن هناك بالفعل العديد من الشخصيات لم يعد متاحا لها الظهور إطلاقا فى القنوات المصرية، أو يظهر بعضها على استحياء فى برنامج أو برنامجين كل شهر، وصار الزملاء فى قسم الإعداد ببرامج «التوك شو» الشهيرة يعرفون «قوائم المغضوب عليهم» وبالتالى لا يتم دعوتهم إطلاقا!.

ويواصل تحذيراته «القضية الأهم ليست أن يذهب هذا السياسى أو ذاك إلى الفضائيات الإخوانية، بل الخطورة هى أن يتزايد عدد المصريين الذين يتابعون هذه الفضائيات، ويعتمدون عليها فى تكوين وجهات نظرهم».