لماذا تورطت “المصري اليوم” في الافتراء على الإخوان في أحداث فرنسا؟

- ‎فيتقارير

اتجهت صحيفة المصري اليوم إلى أساليب التلفيق والافتراء بنشر تقرير موسع يزعم تورط ما أسمته بالتنظيم السري للإخوان في أوروبا في أحداث فرنسا الأخيرة والتي تشهد احتجاجات موسعة من إحدى الحركات اليمينية تسمى “أصحاب السترات الصفراء” اعتراضا على قرارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برفع أسعار الوقود.

التقرير الذي جاء بعنوان (خبراء: ضلوع التنظيم السري للإخوان بأوروبا في نهب وتخريب فرنسا (صور).. استهلته الصحيفة بالقول (اتهم عدد من الخبراء والمتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية، بعض العناصر السرية التي تنتمي لما يسمى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان «المحظورة»، بضلوعهم في المظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح فرنسا منذ أيام، وربط الخبراء بين تحركات تنظيم الإخوان الدولي وعناصره في أوروبا، والجماعات الإرهابية المنبثقة عنه في مظاهرات فرنسا الآن. وبين بعض الأحداث التي حدثت في القاهرة قبل سبع سنوات).

أدوات التلفيق
وفي قراءة لمحتوى التقرير ندلل على مدى التلفيق الذي اعتمدت عليه الصحيفة محاولين تفسير الدوافع والأسباب التي دفعت الصحيفة “المحترمة” إلى هذا المنزلق غير المهني والذي يخالف معايير المهنة والمصداقية التي يجب أن تتوافر في الإعلامي النزيه؛ حيث استخدم التقرير عدة أدوات للتلفيق ومحاولات تضليل القارئ باستنتاجات بلا دليل كأنها حقائق دامغة لا تقبل الشك أو الجدال، وهو أسلوب رخيص تتبعه الأذرع الإعلامية للنظام وكانت “المصري اليوم” دائما هي الأقل في هذا التوجه الرخيص.

أولا: في محاولة لتحويل هذا الزعم إلى حقيقة لدى القارئ استخدمت الصحيفة التواري والتستر وراء من وصفتهم بـ”خبراء” والأرجح أن الصحيفة تلقت هذه الفكرة من جهات وأجهزة أمنية وطرحتها على هؤلاء لاستنطاقهم بما تريد وما يتفق أيضا مع بعض ميولهم الكارهة للجماعة لكن ذلك لا ينفي أن الفكرة صادرة عن قسم التحقيقات بالجريدة وصلتها توجيهات بذلك؛ لأن التقرير يخالف ما عرف عن الصحيفة من مهنية ومصداقية مكنتها من تبؤ مكانة محترمة بين الصحف المصرية منذ عهد مبارك؛ لكن يبدو أن ذلك في طريقه للتلاشي في ظل هيمنة السلطة على كل الصحف والفضائيات. فالصحيفة ناقشت كلا من د. محمد حبيب ود. كمال حبيب ونبيل نعيم، فبينما تحدث الأولان عن احتمال تورط الجماعة في الأحداث أكدها الثالث صراحة بلا دليل.

الأمر الثاني: أن الصحيفة استخدمت عبارات ومفردت توحي بما تريد أن تصل إليه مثل (ضلوع/ التنظيم السري للإخوان/ نهب وتخريب) وذلك من أجل إيهام القارئ بأن أحداث فرنسا ضد الرئيس ماكرون والتي تقودها حركة يمينية تسمى أصحاب السترات الصفراء احتجاجا على زيادة أسعار الوقود، هي من عمل الإخوان!

الأمر الثالث: أن الصحيفة لكي تدلل على صحة مزاعمها وادعاءاتها استخدمت أسلوب المقارنة في الطريقة التي تجري بها الأحداث في فرنسا وما جرى في ثورة 25 يناير لكنها لا تملك دليلا واحدا يؤكد أكاذيبها وافتراءاتها فلم يتم ضبط شخص واحد في الأحداث ثبت انتسابه للجماعة ولم تعلن حتى الجهات الفرنسية هذه المزاعم والأكاذيب فلماذا طرحتها الصحيفة؟ ولماذا “المصري اليوم بالتحديد”؟

“3” تفسيرات

لتفسير ذلك فإن هناك عدة أبعاد وجوانب تستوجب التوضيح:

أولا: الاحتمال الأكبر أن جهات مخابراتية هي من طرحت الأمر على إدارة الصحيفة خوفا من عدوى انتقال هذه الاحتجاجات إلى مصر كما جرى في 2011 بعد احتجاجات تونس، خصوصا أن ذكرى الثورة الموءودة مقبل خلال شهرين، كما أن النظام في مصر يتجه نحو رفع أسعار الوقود للمرة الخامسة خلال يناير المقبل بإلغاء بنزين 80 وطرح بنزين 87 بسعر أعلى ثم زيادة في يوليو المقبل بدعوى إلغاء الدعم عن المحروفات تلبية لشروط صندوق النقد الدولي رغم تراجع أسعار البترول عالميا بنسبة 32% حيث تراجع سعر البرميل من 86 دولارا إلى حدود 60 حاليا.

يعزز هذه الفرضية أن محمد الباز في برنامجه “90” ق على قناة المحور تناول نفس الموضوع بنفس المزاعم معتمدا على مقارنة ما يجري في فرنسا وما جرى في ثورة يناير، وادعى أن صحفا عالمية أشارت بوضوح إلى تورط اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا، وهي ممثل جماعة الإخوان في الأحداث الجارية. دون أن يستدل بصحيفة عالمية واحدة نشرت هذه المزاعم التي يعد مصدرها إعلام الانقلاب عبر توجيهات مباشرة من جهاز المخابرات العامة.

البعد الثاني لتفسير ذلك هو توظيف الصحيفة التي تحظى بأعلى مصداقية في الخارج لطرح هذه الأكاذيب وهو ما يفضي تلقائيا إلى نقل وسائل إعلام فرنسية هذه المزاعم عنها وهو ما يفضي إلى مزيد من التخويف “فوبيا الإخوان” في فرنسا والغرب وخطوة في طريق إقناع الغرب بإدراج الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية.

البعد الثالث، هو الإلحاح أيضا على فكرة التوظيف الأمريكي للجماعة سياسيا لمعاقبة فرنسا على طرح ماكرون “تشكيل جيش أوروبي” للاستقلال عن واشنطن وهو ما أغضب الإدارة الأمريكية بحسب الصحيفة وهي مزاعم تصف الجماعة بالدمية في يد الأمريكان متجاهلين أن الإدارة الأمريكية الحالية هي الأكثر عداء على الإطلاق في تاريخ أمريكا للإخوان والحركات الإسلامية عموما والأكثر دعما وانحيازا لإسرائيل والنظم المستبدة على رأسها السيسي وبن سلمان وبن زايد من جهة أخرى.