لماذا يهاجمون الأزهر؟

- ‎فيمقالات

حملة خبيثة يشنها إعلام العسكر ومؤسساته التعليمية هذه الأيام ضد مؤسسة الأزهر؛ بحجة (جموده وعدم تجديده للخطاب الدينى!)؛ ولذلك يجب- على الأقل- إلحاقه بالتعليم العام؛ ومن ثم تفكيكه أو إلغاؤه بقرار جمهورى، كما صرح أحد المسئولين.

ولا عجب؛ إذ تلك سياسة العسكر مع الأزهر منذ أن ابتلينا بهم فى مطلع خمسينيات القرن الماضى. هم علمانيون؛ والعلمانى تصيبه (الأرتيكاريا)  ويشمئز إذا ذكر اسم الله وحده, وما وقع انقلاب 2013 الدموى إلا لرفض الحكم الإسلامى الذى جاء بإرادة شعبية. والأزهر- رغم ملاحظاتنا الكثيرة عليه- إلا أنه يبقى مؤسسة إسلامية وسطية محترمة, ترعى الدعوة, وتحفظ الدين, وتخرج أجيالا طاهرة سوية تحمل القرآن والحكمة؛ فهو لذلك مستهدف, وقد حل الدور عليه الآن بعدما انتهوا من معاركهم مع الإخوان والأوقاف والعمل الأهلى وغيرها.

هو إذًا تاريخ قديم جديد, وعلاقة بها كثير من التربص والحذر من الطرفين, لكنها شديدة التسلط والفُجر من جانب العسكر, بدأها العبد الخاسر, حاصد الهزائم, الذى سعى لتدمير الأزهر منذ مجيئه إلى السلطة؛ بتشويه قياداته وتوريط بعضهم في أمور سياسية بقيت عارًاً فى تاريخ المؤسسة العريقة, واستخدام الإعلام والفن فى الحط من قدر الأزهريين -حتى أصبحت ثقافة شعبية- والسخرية منهم, بل كثيرًا ما تناول شخصه القمىء الأزهر ورجاله في خطبه, موجهًا لهم التهم, أو ساخرًا منهم, ثم كان ما كان في منتصف الستينيات؛ حيث صدر قانون تطوير الأزهر, الذى كان يهدف إلى شل حركته, وتبديد طاقته, وتحويله إلى مبان خالية من الحياة؛ كل ذلك لئلا يكون لتلك المؤسسة الدينية صوت يُسمع؛ خصوصًا ما يتعلق بأمور الحكم وقضاياه التى كانت قد وصلت إلى درجة من التدهور حتى صار يُضرب بنا المثل فى الفساد السياسى وانتهاك حقوق الإنسان.

ولماذا الأزهر؛ رغم وسطيته إذ لا يدعو إلى تطرف ولا يناصر متطرفين؟ ولماذا استهداف هذه المؤسسة الرمزية رغم تدجين قادتها, وائتمارهم بأمر العسكر وتنفيذ ما يُملى عليهم دون نقاش؛ إلى حد المشاركة فى الانقلاب على الرئيس الشرعى وحكومته؟ ولماذا وكل المؤسسات التابعة للأزهر؛ مساجد ومعاهد وجامعة، يديرها ضباط من أمن الدولة يرأسهم ضباط المخابرات؟ وأجيب: لأن وسطية الأزهر تلك هى أس الخطر بالنسبة لهم؛ فالوسطية تعنى ألا تفريط أو إفراط؛ أى كما أنها لا تناصر التطرف ولا تدعو إليه فهى كذلك لا تقبل الإلحاد, بل تحاربه وهذا مكمن الخطر على العسكر العلمانيين الذين يحبذون الإلحاد، ويشيعون الفاحشة, وهم يخافون- كل الخوف- أن يخرج هذا المارد من قمقمه يومًا– بعد أن تنكشف سوءاتهم ويزداد ضلالهم- فلا يبقى ولا يذر.

لقد ظل الشيخ جاد الحق- رحمه الله- فى ركاب المخلوع لسنوات كعادة من من سبقوه من شيوخ الأزهر, لا يعترض على سياسات, ولا يسعى لإصلاح نظام؛ حتى تجاوز مبارك الحد فاستضاف المؤتمر العالمى للسكان, الذى أملى على مصر عدة مواد مخالفة للدين؛ فظهر الرجل في الصورة, وكانت له مواقف سجلها له ولأزهره التاريخ؛ إذ رفض التوقيع على وثيقة المؤتمر, ووضع النظام فى حرج شديد, وتوترت العلاقة بينه وبين مبارك توترًا شديدًا وتعددت مشاهدها, لكنه لم يتزحزح عن مواقفه حتى مات, وقد قيل فى طريقة موته أقوال تتهم النظام فى السعى للتخلص منه- رحمة الله عليه.

وحكى لى أخ واعظ أنه اقتيد يومًا من مسجده إلى أحد مقار أمن الدولة؛ فعُذب وأُهين, وزاد الضابط الذى تولى تعذيبه أن خلع عمامة الأخ ووضعها تحت حذائه. ولما خرج الأخ من محبسه توجه على الفور إلى الشيخ جاد الحق, الذى أحسن استقباله، وخفف عنه آلامه، ثم رفع سماعة الهاتف وقال لوزير الداخلية: ولدى فلان حدث له كذا وكذا, لم كلابك يا سيادة الوزير.

ويخاف العسكر من الأزهر لكونه بذرة دعوية, تجبر ما انكسر, وتقيم ما انقلب؛ ولكونه حائط صد أمام تسيد اليهود والنصارى علينا, من الداخل ومن الخارج؛ إذ يحول الأزهر دون طائفية المحروسة, كما يحول دون غزو اليهود لشوارعنا وبيوتنا بعدما غزوا قصور ورءوس حكامنا؛ ثم إنه -أى الأزهر- يبقى حجر عثرة أمام العسكر إن خطوا خطوات جديدة فى حربهم ضد الإسلام؛ فإن فعلوها فقد وصموا أنفسهم بألقاب وصفات لا تليق بمسلمين.

وفى اعتقادنا أن تلك الحملة الهجومية على الأزهر هدفها تقييد حركته, وتهديد قادته, وإرسال رسائل تحذيرية قبل قرارات أو خطوات سيقوم بها النظام فى الفترة المقبلة, ويطلب من الأزهر -بالحسنى- أن (يهدئ الأجواء) وأن (يكون لطيفًا), خصوصًا بعد أنباء عن تململ كبير من المشيخة فى الفترة الماضية بعد ورود أنباء عن رغبة العسكر فى تغيير القوانين والإتيان بشيخ على غرار رجلهم فى الأوقاف، يستطيعون استخدامه فى إفساد ما لم يستطيعوا إفساده فى الحقب الماضية.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها