متى يزور الأسد السعودية؟

- ‎فيمقالات

لا تصدق أن ثمة عداء بين سعودية محمد بن سلمان وإيران، على الرغم مما يبدو على السطح من جنون صدام مذهبي بين الطرفين، ذلك أن عداء النظام السعودي ليس مع طهران، وإنما مع ثورات الربيع العربي.

بن سلمان والإيرانيون شركاء في قتل الثورة السورية منذ البداية، ولم يكن الدخول السعودي الرسمي على خط الثورة السورية إلا استجابة لرغبات طائفية مذهبية، تبحث عن ساحة لاختبار النفوذ (السني) بمواجهة النفوذ (الشيعي) الإيراني، حتى وإن هلكت ثورة الشعب السوري تحت الأقدام الطائفية.

قبل أيام، احتفت الوكالة الروسية “سبوتنيك” بما وصفتها تصريحات مثيرة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، حول بقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سورية، إذ قال لمجلة التايم الأميركية إن الأسد باق في السلطة، ومن غير المرجح أن يترك منصبه قريبا. وأضاف أنه يتمنى من الأسد ألا يصبح “دمية لإيران”.

لا مشكلة على الإطلاق لدى بن سلمان في بقاء بشار الأسد في السلطة فوق جثث أكثر من نصف مليون مواطن من الشعب السوري، إذ ليس مهماً في نظر حاكم السعودية الصغير أن يكون الأسد قاتلاً ومجرم حرب، ما دام من الممكن ألا يكون دمية لإيران، ولا يعنيه كل هذا الدم السوري المسفوح، بل يهمه، أولاً وأخيراً، أن ينهزم الربيع العربي في جولة أخرى على الأرض السورية، كما انهزم في مصر واليمن وليبيا، وكان النفوذ السعودي حاضراً، وداعماً بسخاء في كل هذه المعارك التي استهدفت قتل ثورات الشعوب.

لم تكن مصادفة أن تكون وجهة ديكتاتور تونس زين العابدين بن علي، عقب سقوطه، هي السعودية، وكذلك لم يكن عرض السعودية بضعة مليارات على المجلس العسكري الحاكم في مصر، عام 2011 في مقابل الإفراج عن حسني مبارك وتسليمه للرياض، حباً في سواد عيون مبارك وشعره المصبوغ، بل كان كرهاً في الثورة المصرية، وانتقاماً منها.

ولا يمكن بالطبع إغفال استقبال الرياض مخلوع اليمن علي عبد الله صالح، ثم إعادته إلى صنعاء، ليبدأ مسيرة الانقضاض على الثورة اليمنية، متحالفاً مع الحوثيين الذين تحاربهم السعودية الآن للأسباب المذهبية الطائفية ذاتها، وهي تدرك، من الناحية الأخرى، أن كل يوم يمر من هذا الصراع المجنون يخدم مصلحتها في قضم قطعة جديدة من لحم الثورة اليمنية.

وفيما يخص الدور السعودي في القضاء على مشروع الثورية، قلت، قبل ثلاثة أعوام، إنه لا يمكن الوثوق بأن ثمة رغبة سعودية حقيقية في إنهاء مأساة الشعب السوري والتمكين لثورته، مشيراً إلى وجود تناقض منطقي في هذه المسألة، كون السعودية لديها عداء لا يحتاج لكثير من الأدلة ضد الثورات العربية، ومن ثم لا يجب الاطمئنان إلى أن إظهار خلافها مع بشار الأسد انحيازا للثورة عليه، إذ لا يمكن تصور أن طرفاً كان في القلب من مشروع تدمير الربيع العربي في مصر واليمن يكون منحازاً لهذا الربيع في سورية وداعما له.

وبمرور الأيام، تأكدت عندي هذه الهواجس، وكرّرت التنبيه لها، حتى إن بعض المتحمسين غضبوا مني حين قلت يوماً إن غالبية اللاعبين في المأساة السورية كارهون للربيع العربي، وإن استخدموه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. إذ تتحول الثورات إلى مجرد ورقة في لعبة البوكر السياسي في المنطقة، بعناصرها الطائفية والمذهبية، والتي يتجمع حولها “أكلة لحوم الثورات العربية”، كما وصفتهم سابقا، فكل صيحات الحرب، العربية والغربية، ضد بشار، انتهت إلى تثبيت أركان حكمه، ومنحته مساحاتٍ وقدراتٍ للحركة فوق جثة الثورة السورية، منذ أعلن باراك أوباما، عقب مجزرة الكيماوي في الغوطتين 2013، أن الضربة الأميركية خلال ساعات، وحتى الحديث عن قواتٍ عربية، بقيادةٍ سعودية، تستعد لدخول سورية، للحرب ضد “داعش”.

وأذكر أنه في أغسطس/ آب 2017 حين وجه بشار الأسد الشكر لكل من روسيا وإيران وحزب الله، سجلت دهشتي من أنه لم يوجه الشكر إلى الرياض وأبو ظبي، وتوابعهما، على دورهم في دحر الثورة السورية، واكتفى بشكر إيران وروسيا وحزب الله، على الرغم من أن إسهام “محور اعتدال” في بقاء نظامه، ومكافأته على إجرامه، أكبر .. ألم يلاحظ أنهم تكفلوا بترويج الرواية ذاتها التي يرددها عن المأساة السورية؟ ألم يحققوا له غايته بتصنيف الثورات إرهاباً والربيع العربي مؤامرة كونية؟

الآن جاءت اللحظة المواتية، ليتدارك بشار نفسه ويوجه الشكر لحاكم السعودية، على هديته الأكبر: فليبق بشار على ألا يكون دمية لطهران! وهذه مسألة يمكن التفاهم بشأنها عندما يزور بشار الرياض بدعوة من بن سلمان.. ولم لا؟

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها