مشاهد صادمة.. لماذا يصر السيسي على مؤتمرات الشباب؟

- ‎فيتقارير

عقد رئيس الانقلاب خلال السنوات الماضية عدة مؤتمرات للشباب، في شرم الشيخ ثم القاهرة والإسماعيلية وأسوان والإسكندرية، وأخيرا في جامعة القاهرة ،يشارك في كلّ منها ما بين 1000 إلى 1300 شاب وفتاة؛ فما الذي تحقق من ورائها؟ وهل استفاد الشعب والوطن من إقامتها وإنفاق الملايين على هؤلاء الشباب والفتيات؟ وما جدواها؟ ومن يدفع فاتورة هذه المؤتمرات؟ وهل حققت اختراقا في أي من الملفات السياسية والاقتصادية وساهمت في حل أي مشكلة؟ وما هذه المشاكل التي ساهمت فيها مؤتمرات السيسي للشباب؟.

وقدر الدكتور حسن نافعة الأستاذ بجامعة القاهرة تكلفة مؤتمر الشباب الحالي بجامعة القاهرة ب30 مليون جنيه! رغم أن مقر الجامعة جاهز ومهيأ لاستقبال مثل هذه المؤتمرات، فكم تكلفت بعض المؤتمرات السابقة التي تم تجهيز مكانها من الألف إلى الياء كما حدث في مؤتمر شرم الشيخ؟!

هاشتاج “ارحل يا سيسي”

وكان من أبرز ما جاء في مؤتمر أمس انزعاج السيسي من هاشتاج #ارحل_ياسيسي قائلا: (أزعل ولا ما ازعلش؟ في دي أزعل)، وكانت اللجان الإلكترونية التابعة لمؤسسة رئاسة الانقلاب، بالإضافة إلى الأذرع الإعلامية المشرف على عملها مدير الاستخابرات العامة، اللواء عباس كامل، قد حاولت مواجهة هاشتاغ “ارحل ياسيسي” بوسم مضاد تحت عنوان “بنحبك ياسيسي”، إلا أنه فشل بشكل كبير، بعدما ظل الوسم الأول متصدراً الترند العالمي فترة طويلة. خصوصا وأن السيسي وجه كلامه للحاضرين من أنصاره وهو اعتراف صريح بأن الشعب لا يريده.

 

وكان الجنرال السيسي قد صرح في 17 مايو الماضي: «لو قولتولي ارحل هقولكم: سلام عليكم»، لكنه في 28 يوليو يرد على هاشتاح “ارحل يا سيسي” الذي حتل التريند لفترة طويلة بأنه زعلان! .

 

شماعة الخطاب الديني

ومن المشاهد الصادمة بمؤتمر جامعة القاهرة إلحاح السيسي على ضرورة ما يسمى بتجديد أو تطوير الخطاب الديني زاعما أنه خطاب يؤسس للحرب وليس السلام وهو تصريحات تمثل امتدادا لمفاهيمه المغلوطة عن الإسلام والتي كشف عنها في احتفالات ليلة القدر عام 2014م. لأن من يشن الحرب فعلا هم أصحاب الديانات الأخرى فهل المسلمون من اعتدوا على اليهود أم أن اليهود هم الذين اعتدوا على المسلمين واحتلوا فلسطين وقتلوا شعبها وشردوده في مشارق الأرض ومغاربها؟ وهل نحن من احللنا بلاد أوروبا أم هم الذين احتلوا بلادنا لقرون طويلة سواء في عهود الحروب الصليبية أم في الغارة الأخيرة التي جاءت منتصف القرن التاسع عشر حيث احتلوا مصر والشام وشمال إفريقيا ولم تسلم من أذاهم أي بلد عربي أو مسلم؟ ومن يحشد قواته حاليا على أرضنا هل نحن أم هم؟؟ يبدو أن الجنرال منفصم عن الوايع ويؤمن بتصورات شديدة اللغط.

والمثير في الأمر أيضا، أن السيسي يعزو ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع (44%) إلى الخطاب الديني، متجاهلا أن السبب الرئيس في ذلك هو الأزمة الاقتصادية وتفشي الغلاء والبطالة وعدم قدرة الملايين على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم! والسيسي بخطابه ذلك يتهرب من مسئوليته ليلقي بها على شماعة الخطاب الديني.

وكان السيسي قد أفتى بعدم وقوت يمين الطلاق الشفهي إلا إذا تم توثيقه، ما رفضه الأزهر بشدة مؤكدا أن ذلك يخالف أصول الشريعة ويجعل الناس يعيشون في زنا دائم.

أكذوبة نخرج من العوز والفقر

وردد الجنرال عدة أكاذيب منها “أننا نخرج من الفقر والعوز” وهي التصريحات التي تخالف جميع الإحصائيات والأرقام الرسمية، فهو يحكم منذ 5 سنوات ، ولم ينقذ أو يخرج مصر من العوز، بل زاده وهذه بعض الأدلة:

أولا: ارتفع الدين الخارجي بنسبة 230% في أربع سنوات ووصل الي 83 مليار دولار (بدون 25 مليار قرض روسيا لمحطة الضبعة وحوالي 8 مليار ديون السندات الدولية) بعد ان كان الدين 34.3 مليار دولار في نهاية 2012.

ثانيا: كيف نخرج من العوز وإيرادات ميزانية السيسي 989 مليار جنيه تخصم منها للديون 817 مليار ويبقي127 مليار فقط لكل نفقات الدولة، وميزانيه الجيش 866 مليار يقمع بها الشعب بخلاف بيزنس الجيش السري غير المعروف حجمه؟

ثالثا، بلغ حجم الدين العام حوالي 5 تريليونات جنيه ، وكانت “1,7” تريليونا فقط عندما سطا السيسي على الحكم منذ 5 سنوات. ما يعني أن السيسي وحده اقترض ضعف ما اقترضه جميع حكام مصر منذ العهد الملكي، كما أن فوائد الديون وصلت إلى “541” مليارا لأول مرة في تاريخ مصر كله.

لماذا يصر على هذه المؤتمرات؟

هذه المؤتمرات تتولى تنظيمها الأجهزة الأمنية وعلى رأسها المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطني، حيث يتم انتقاء الشباب المشاركين فيها ، ومعظمهم من أبناء كبار الجنرالات والمسئولين بالنظام. يتم اختيارهم عبر فلاتر أمنية مشددة، ولا أحد يعرف بالضبط شروط المشاركة، وكيف يتم التقديم، كل ما يعلمه الشعب هو الإعلان عن عقد المؤتمر يوم كذا في قاعة كذا بالمدينة الفلانية.. ثم يتوافد الشباب في باصات فخمة مكيفة.

ويستهدف النظام من هذه المؤتمرات رغم عدم جدواها الاستمرار في الصور الاحتفالية والشكلية في إدارة الحياة السياسية في مصر، واصطناع صورة ديمقراطية مزيفة، بينما الواقع الحقيقي متهرئ والعالم كله يراه وينتقده، وهو ما يراه عماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة “الشروق” الموالية للنظام أنها “المؤتمرات” تحولت إلى بديل عن القوى والأحزاب السياسية التي تعاني من الحصار والتضييق والفشل في التواصل مع الجموع الشعبية.

السيسي نفسه يسمع هذا الاتهام والوصف في أي حوار صحفي في عواصم العالم، ويجيب إجابة كاذبة بأن الظروف في مصر لا تسمح بالديمقراطية ولا الحريات العامة كما تعرفها الدول الأخرى، ومع ذلك يصر على أن يصطنع “صورة” ديمقراطية غير حقيقية في الداخل ويعقد مؤتمرا شكليا.. ثم ينفض السامر.

كما يأتي إصرار السفيه على هذه المؤتمرات في ظل تأميم كامل للحراك السياسي ومحاصرة الأحزاب، وهو الذي قاد انقلابا دمويا أجهض به المسار الديمقراطي الذي أثمرته ثورة 25 يناير 2011م.

وتتسم مؤتمرات السيسي باستخدام لغة عاطفية حماسية تفتقد في كثير من الأحيان إلى الرشد المطلوب في إدارة الدول، كما تفتقد هذه المكلمة إلى لغة الرشد في إدارة الحوار، حيث غضب السفيه من أحدهم عندما طالب برفع رواتب العاملين لأنها ضعيفة، فرد السيسي غاضبا: “إنت فاكر إني مش عارف إن المرتبات ضعيفة، طبعا أنا عارف إن المرتبات مش جيدة لكن قل لي أجيب منين!”.

ولو كان الحوار جادا، ولن يكون، لوجد “السفيه” من يرشده إلى أن هناك خللا في أولويات إدارة البلاد، وكيف تكون الأولويات لإنشاء المصانع وإعادة تشغيل ما تعطل منها، وتحديث إدارة الإنتاج لتعظيم الدخل القومي، وليس لبناء مدن ضخمة جديدة بدون أي ضرورة تقتضيها، وأن من يخطط لنهضة أمة يكون مشغولا بالإنفاق على المزيد من المدارس والمكتبات ومراكز الأبحاث، وليس بالإنفاق على تأسيس المزيد من السجون.