إفراج بطعم المر.. ذهب الأسر وبقى العذاب بأقسام شرطة الانقلاب

- ‎فيتقارير

ربما يظن البعض أنه مع أول خطوة يخطوها المعتقل الأسير على الأسفلت بعد الإفراج عنه من سجون الانقلاب، أن سكرة العذاب الأولى قد انتهت بغير رجعة، وربما يحسدون هذا المعتقل بأنه قد ذهب عنه الأسر وبقي له الأجر، إلا أن القريب من المعتقلين المفرج عنهم، يدرك مع أول إجراء له بفرض الرقابة عليه، والمتابعة بشكل يومي في أقسام الشرطة، أنه ربما يكون قد ذهب الأسر ولكن لم يبق الأجر، ولكن بقي العذاب في أقسام الشرطة وتحت أقدام ضباط التعذيب.

هكذا يبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال وحتى لحظة الإفراج والتلاعب بمشاعر الأسرى، وتلعب مدة وظروف الاعتقال آثارها على السجين، على مستويات عدة من المستوى الجسدي والآثار الصحية الناجمة عن التعذيب، والتي قد تصبح بمثابة أمراض مزمنة ملازمة للشخص ، ثم المستوى الاجتماعي ومشكلات التوافق مع المحيط الاجتماعي، وعدم التوازن بسبب الانقطاع عن الاختلاط بأنماط ونماذج مغايرة، ثم المستوى النفسي والآثار الناجمة عن العنف النفسي، الذي يؤثر على الصحة النفسية، كفقدان التوازن النفسي وصعوبة تجاوز مرحلة السجن.

من مظاهر هذا العناء الاغتراب النفسي والاجتماعي، العزلة والانطواء، والتي تؤدي لعدة تغيّرات تطال شخصية المعتقل على كافة الأصعدة وتكون من إفرازاتها خلق طبيعة قلقة ومضطربة نتيجة التجربة القاسية التي يكون السجين قد مرّ بها.

ومع ذلك لا ترحم سلطات الانقلاب أوجاع هذا الأسير والمعتقل المفرج عنه اجتماعيا، ولا الظلم الذي رأه، بل تبدأ في خلق مرحلة جديدة من التعذيب لهذا المعتقل بعد الإفراج عنه، وكأن هذا الإفراج هو باب جديد من أبواب التعذيب يفسح به نظام الانقلاب المجال لدخول عنصر جديد، مع الاحتفاظ بتعذيب العنصر القديم في أماكن أخرى من أهمها أقسام الشرطة.

المتابعة الأمنية

وتعتمد سلطات الانقلاب في التحايل على أحكام الإفراج القضائية للمعتقلين، على استصدار قرارات بالمتابعة الأمنية للمعتقلين المفرج عنهم، وهو القرار الذي يعد بمثابة كارثة، ومرحلة جديدة من العذاب، يستغلها نظام الانقلاب في تكدير المعتقل، واضطراره للذهاب يوميا لأقسام الشرطة، والاستمرار في القسم حتى نهاية اليوم، وقد يتكرم ضابط القسم بالحنان على المعتقل ويسمح له بالانصراف، أو ربما يقوم بتكديره ومطالبته بالتواجد حتى صباح اليوم التالي.

يقول الحاج فوزي . ع في تصريحات خاصة لـ “الحرية والعدالة” إنه يضطر للذهاب يوميا الى  قسم الشرطة، للتوقيع على محضر المتابعة الدورية الذي فرضته عليه سلطات الانقلاب بعد حكم القضاء النهائي بالإفراج عنه.وأضاف أنه إذا كان حال ضابط الشرطة المكلف بالنوبتجية ومزاجه الشخصي بخير يقوم بصرفه من القسم، أما إذا كان هناك أي تكدير لمزاجه فينقلب هذا على رأسه، ويقوم بتكديره ويرفض صرفه، ويضطره للبقاء في القسم حتى منتصف الليل أو لما بعد الفجر.

وأوضح أنه في كثير من الأوقات يتم تعذيبه بمسح وكنس حمامات القسم كله، والقيام ببعض المشاوير الخاصة لضباط وأمناء القسم، فضلا عن الإنفاق على أمناء الشرطة بشراء طعام وسجائر لهم، من أجل الحصول على رحمتهم.

ومن عيوب المراقبة، بحسب الحاج فوزي، أنها تتم بدون متابعة قضائية وإنما بواسطة ضباط الشرطة، مما يؤدي إلى سهولة الضغط على المتهم أو المعتقل المفرج عنه من قبل بعض رجال الشرطة لتحويلهم إلى مرشدين أو مخبرين تحت طائلة التهديد بمخالفة شروط المراقبة.

ومن مخاطر المراقبة أيضا إجبار بعض المحكومين بها على أداء أعمال النظافة وغيرها من الوظائف الشبيهة داخل الأقسام، كما أن إجبار  بعض المحكومين عل العمل كمرشدين قد تؤدي إلى لجوئهم لتلفيق القضايا للأبرياء.

تدابير تعسفية

وقالت منظمة العفو الدولية، إن السلطات المصرية تلجأ على نحو متزايد إلى تدابير تعسفية ومفرطة لمراقبة الناشطين كوسيلة لمضايقتهم.

وأضافت المنظمة إنه في بعض الحالات فرضت السلطات شروطاً لا تُحتمل، حيث أجبر ناشطون أخلي سبيلهم من السجن على قضاء فترة تصل إلى 12 ساعة في قسم للشرطة كل يوم.

وتقتضي قرارات الإخضاع لمراقبة الشرطة ، من السجناء والمحبوسين احتياطياً الذين يخلى سبيلهم، قضاء عدد من الساعات في قسم للشرطة يومياً أو كل أسبوع.

ويستخدم هذا التدبير كبديل للحبس الاحتياطي، أو يمكن أن يفرض كعقوبة تكميلية إلى جانب الحكم القضائي بالسجن.

ووثَّقت منظمة العفو الدولية ما لا يقل عن 13 حالة كانت تدابير المراقبة فيها مفرطة أو فُرضت تعسفاً ضد ناشطين.

وفي بعض الحالات، مهدّت أوامر المراقبة الطريق لحبس الناشطين احتياطياً للمرة الثانية.

حرمان من الحرية

وفي هذا السياق، قالت نجية بونعيم، نائبة مدير قسم الحملات بالمكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في تونس، إن “السلطات المصرية تعاقب الناشطين بفرض شروط مراقبة مفرطة، وفي بعض الحالات مثيرة للضحك، عليهم، وتشكل تعدياً على حقوقهم الأساسية، وترقى في بعض الأحوال إلى مستوى الحرمان من الحرية.

وأضافت: “إن إساءة استخدام المراقبة قد أصبح آخر الأدوات في حوزة السلطات لسحق الأصوات المعارضة. ولا بد للسلطات المصرية من أن تلغي جميع تدابير المراقبة التعسفية، وأن تأمر بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشطين المحبوسين احتياطيا أو الصادر ضدهم أحكام بالسجن حصرياً بسبب ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي”.

وتصدر الأوامر بالمراقبة بوصفها عقوبة جنائية، عن القضاة في جلسة النطق بالحكم، ولكنهم يتركون تحديد عدد الساعات التي ينبغي على المحكوم عليه قضاءها قيد المراقبة كجزء من الحكم لتقديرات جهاز الشرطة، في العادة، دون إشراف قضائي.

وعوضاً عن الطلب من السجناء السابقين الخاضعين لإجراء المراقبة مراجعة قسم الشرطة والتوقيع والمغادرة، ينتهي الأمر بالشرطة إلى أنها تتحفظ على الناشطين، المحكوم عليهم بفترات خضوع للمراقبة، لمدة تصل إلى 12 ساعة كل يوم في أقسام الشرطة. وفي غضون ذلك، لا يسمح لهم بمغادرة القسم، أو تلقي الزيارات، أو التواصل مع أي شخص باستثناء رجال الشرطة.

سلطة واسعة

وفيما لا يقل عن أربع حالات قامت منظمة العفو الدولية بتوثيقها، تم القبض على الناشطين الخاضعين للمراقبة وحبسهم احتياطياً مرة ثانية؛ رغم عدم انتهاكهم لشروط المراقبة المفروضة عليهم.

وطبقاً للقانون (المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1945)، يتعين على الأفراد الخاضعين لمراقبة الشرطة قضاء الساعات المحددة لمراقبتهم في محال إقامتهم، بحيث يكونون حاضرين في أي وقت يقوم ضباط الشرطة المسؤولون عن مراقبة الحظر المفروض عليهم بزيارات مفاجئة لهم في منازلهم.

بيد أن قانون المراقبة هذا يعطي الشرطة سلطة واسعة في إجبار الأفراد على قضاء ذلك الوقت في قسم الشرطة، إذا ما اعتقد ضباط الشرطة أنه يصعب مراقبة الشخص المعني في المنزل.

كما يعاقب القانون من يخالفون قواعد المراقبة بالسجن لسنة واحدة، دون تحديد ما الذي يرقى على وجه الدقة إلى مستوى خرق قواعد المراقبة.

وتحدثت منظمة العفو الدولية إلى عدد كبير من المعتقلين المفرج عنهم، والذين أبلغوا المنظمة أنهم يشعرون، وهم تحت المراقبة، بأنهم محاصرون وسط حالة من التيه بين الحرية والسجن، فلا يستطيعون العمل أو السفر، حتى داخل مصر، أو التعبير عن رأيهم بشأن القضايا العامة، كما إنهم يتجنبون المشاركة في أي أنشطة سياسية خشية اعتقالهم مجدداً إذا ما جرى تفسير أفعالهم بأنها خرق لشروط المراقبة.