من “وأعدوا” حتى “ترهبون”.. ملحمة 31 سنة “حماس”

- ‎فيعربي ودولي

لم تتوقف قوة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عند إرهاب العدو الذي اغتصب أرضهم ومقدسات المسلمين، ولكن امتدت للعمل، منذ التأسيس عام 1987 من فهم كتاب الله تعالى لمقاومة عدوهم في قوله: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” وحتى تمكنت الحركة من الوقوف على قدم المساواة مع العدو، أسيرا بأسير، وقذيفة بقذيفة ليتحقق فيهم قوله تعالى “ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

أصبحت صافرات الإنذار تدوي في الكيان الصهيوني المغتصب، لأول مرة على يد القماومة الإسلامية حماس، فمنذ عام 1948، لم تشهد إسرائيل أي مقاومة من الفلسطينيين ولم تدو صافرة إنذار واحدة، ترهب هذا العدو المغتصب، الذي كان يعيث بطائرته فساد في سماء القدس الشريف، وكانت الحرب من طرف واحدة تشنها قوات وجحافلة الصهاينة، ويدفع ثمنها الأبرياء من دمائهم، حتى تحولت المعادلة وتغيرت من الحجارة إلى الصواريخ على يد المقاومة الفلسطينية.

نشأة حماس

تأسست حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في ديسمبر عام 1987، وبدأت كمؤسسة خيرية ودينية منذ فترة الستينات ولغاية الثمانينات. وتنقسم الحركة إلى ثلاثة أقسام، غرض كل منها يتمحور حول السياسة والدين والقوة العسكرية.

ترأس الحركة الشيخ أحمد ياسين حتى استشهد في 22 مارس عام 2004، حيث خلفه عبد العزيز الرنتيسي الذي ارتقى أيضا بعد شهرٍ من استشهاد قائده، ثم ترأس خالد مشعل الحركة منذ عام 2004، إلى أن خلفه إسماعيل هنية.

تعمل الحركة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، و تبنت “حماس” العديد من التفجيرات التي وقعت في إسرائيل خلال عامي 2004 – 2006.

شاركت “حماس” في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية للمرة الأولى في 25 يناير في عام 2006، تحت اسم “حزب التغيير والإصلاح”، وفازت بأغلبية 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً في المجلس التشريعي الفلسطينية، مقابل 43 مقعداً لحركة فتح الممثلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

في 19 يوليو عام 2008 هدنة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل وبوساطة مصرية، وعدت حماس فيها بوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وفي المقابل وعدت إسرائيل بإتاحة المجال للتبادل التجاري مع قطاع غزة، الهدنة أعلنت لمدة ستة أشهر، تواصل بعدها الاعتداء الصهيوني، بعد أن غارت طائرات الصهاينة على غزة.

وأفرجت الحركة عن السجين الإسرائيلي جلعاد شاليط في 17 أكتوبر عام 2011 في اتفاقية لتبادل الأسرى مقابل إفراج السلطات الإسرائيلية عن 477 سجيناً فلسطينياً.

حركة لها جذور ثابتة

حماس هو الاسم المختصر من الحروف الأولى لـ “حركة المقاومة الإسلامية” ومنذ أعلنت 1987م، لكن هذا التاريخ لا يعدو في الحقيقة سوى كونه تاريخ إعلان الحركة بهذا الاسم ( حركة المقاومة الإسلامية حماس ) لأن الحركة نشأت في فلسطين ووجدت قبل عام 1937م، وذلك عندما بدأت جماعة الإخوان المسلمون بتكوين بعض الشُّعب لهم في القدس وحيفا، ودير الزور في سوريا، وقد كان النائب الشيخ صبري عابدين مندوباً لشعبة القدس عام 1937م، والشيخ محمود أفندي عزت النحلي مندوباً لشعبة حيفا.

وقد كان الإخوان المسلمون في مصر وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا يضعون فلسطين في مقدمة اهتماماتهم منذ نشأة الجماعة عام 1928م، وذلك لمواجهة المخططات الواضحة للاستعمار بتهويد هذه الأرض المباركة والديار المقدسة، وقد سارع الإخوان المسلمون إلى دعم كل أنواع المقاومة التي نشأت في فلسطين منذ نشأتهم التي جاءت بعد احتلال بريطانيا لفلسطين بست سنوات، فأيدوا ثورة البراق عام 1929م، وكذا وقفوا إلى جانب ثورة القسام عام 1936م وقد أخذ الإخوان في فلسطين خاصة وفي المنطقة بشكل عام يعدون أنفسهم إعداداً جهادياً على رأس أولوياته الدفاع عن فلسطين، واستمر افتتاح شُعَب الإخوان في فلسطين من عام 1937م وما بعدها، فافتتحت شعب الإخوان في نابلس وجنين والخليل وفي عام 1945م فتحت شعبة للإخوان في بيسان وكان للإخوان من عائلة المصري وباكير في نابلس دور في افتتاح هذه الشعبة التي كان نائبها الشيخ محمد فخر الدين وفي عام 1947م افتتح الإخوان شعبة رفح التي كان نائبها رشاد الشريف.

زيارة البنا

وفي عام 1948م قبل اعلان دولة الكيان قام الإمام الشهيد حسن البنا بزيارة فلسطين وبدأها يوم الجمعة بزيارة رفح فجاء أهل خان يونس وأصروا على أن يصلي الجمعة عندهم في المسجد الكبير وقد كان يرافق المرشد في هذه الرحلة فرقة من المجاهدين أعدها الإخوان بواد النيل فكانت أول فرقة مسلحة تصل إلى فلسطين لتدفع خطر الصهاينة وتشارك بحماية بلاد فلسطين من هجمات المجموعات اليهودية الحاقدة.

وبعدا بسنوات انطلق كبار الدعاة والمشايخ من أمثال الشيخ أحمد ياسين والشيخ حامد البيتاوي والشيخ فؤاد أبو زيد والدكتورابراهيم المقادمة الى كل أنحاء فلسطين، يربون النشء ويبثون الوعي، ويعدون الجيل إيمانيا وعقائديا وجهاديا.

وفي هذه الأثناء وفي عام 1969 كان شباب الإخوان في الأردن من فلسطينيين واردنيين في معسكرات الشيوخ بقيادة الشيخ عبد الله عزام والدكتور أحمد نوفل يشاركون في الجهاد بالسلاح ومصارعة اليهود والغاصبين ويقومون بالعمليات الجهادية البطولية التي تحفظ المطالبة بالحق ولو لم تبلغ حد اعادة الحق المغتصب، ولما ثارت فتنة السبعين في أيلول الأسود نأى الإخوان المسلمون عن الخوض في اقتتال الفلسطينيين والأردنيين وبقوا صمام أمان لوحدة الشعب بغض النظر عن مواقع انتماءاتهم الجغرافية.

إعلان الحركة

في عام 1987م وفي أعقاب قيام بعض المجاهدين من خارج فلسطين وغيرهم بعملية الطائرة الشراعية التي دخلوا فيها على معسكر صهيوني وقتلوا فيها عدداً من الصهاينة، وضاعف في أعقابها الصهاينة جنوداً ومستوطنين أعمالهم الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وحتى إن أحد سائقي الشاحنات من المستوطنين قتل بسيارته أربعة عمال فلسطينيين، فخرج الشعب الفلسطيني في كل أنحاء فليسطين في مسيرات احتجاجية على جرائم الصهاينة واستمر الأمر اسبوعاً فالتقت قيادة الإخوان في غزة وقرروا الاستمرار في التظاهر في مواجهة المحتل، وقد واكب ذلك أو سبقه بسنوات إعدادات الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وتحضيرات أمنية وعسكرية لمواجهة الاحتلال، اعتقل على أثرها عام 1983م وبقي نحو سنتين وأفرج عنه في تبادل الأسرى الذي قامت به القيادة العامة مع الصهاينة وبقي مشروعه في رأسه وفي هذه الفترة أيضاً قررت قيادة الحركة الإسلامية الفلسطينية في الخارج – خاصة في الكويت – الإعداد والتحضير لعمل جهادي ضد الاحتلال، وهكذا كانت حادثة الطائرة الشراعية وحادثة الشاحنة الصهيونية التي قتلت أربعة شباب الفتيل التي فجر الانتفاضة ( انتفاضة المساجد ) بعد أن كان أبناء الحركة الإسلامية في الداخل والخارج لهم توجه بهذا الإطار، ولكن الشعب الفلسطيني هو الذي فجر الانتفاضة بكل قواه، والحركة الإسلامية كان لها الدور الأبرز بالحفاظ على استمراريتها وعدم توقفها كما كان الشأن فيما سبقها من تحركات.

وقد أثبتت هذه الانتفاضة أن إرادة الصمود والمقاومة والمواجهة ليست المواد والسلاح والإمكانات، فالإرادة تصنع الإمكانيات وتأتي بالسلاح وتطور القدرات وليس الإمكانيات والسلاح هو الذي يصنع المقاومة، ذلك أن امكانات شعبنا في هذه المرحلة كانت لا تساوي شيئا أمام عتاد الصهاينة وعددهم بما في ذلك حركة حماس والتي هي الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين – في ذلك الوقت، ثم صارت حماس تعني جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وصار لها جناحاً عسكرياً هو كتائب الشهيد عز الدين القسام.

من الحجارة كانت البداية

في هذه المرحلة لم تكن حماس تملك سوى الحجارة التي انطلقت بها مع جموع الشعب الفلسطيني لمقاومة المحتل الغاصب ثم فجر عامر أبو سرحان أحد ابناء الحركة الإسلامية حرب السكاكين عندما طعن بسكينه سائق حافلة باص مليئة بالجنود وحرك مقود الباص باتجاه الوادي.

وبدأ بعدها شباب الحركة بالبحث عن سلاح لينفذوا به عملياتهم، فكانت الخليتان والثلاثة وربما الأربعة أو حتى المنطقة يترددون على بندقية واحدة تأخذها الخلية التي ترتب لعملية جهادية محددة، ثم تردها وهكذا.. وبدأ الشباب يقتلون الجندي ويأخذون سلاحه أو يقدم أحدهم كل ما يملك من مال وربما تقدم زوجته تمن حليها ليشتري بها بندقية من الصهاينة أو غيرهم ليقاوم بها، وبدأت إبداعات الشباب المجاهد تظهر، وظهرت عمليات خطف لجنود الصهاينة للمبادلة عليهم بالأسرى من المجاهدين الذين دأب الكيان الصهيوني على الزج بهم في سجونه ولأحكام طويلة وفي مقدمتهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين وغيره من قيادات الحركة المجاهدة.

تطور العمل الجهادي لحركة حماس بسرعة، فبعد أن بدأت المقاومة بالحجر، ثم بالسكين والعصا، تطورت إلى البندقية، ثم العمليات الاستشهادية، وجاءت الصواريخ التي تطورت على مدار السنوات العشرة الأخيرة حتى وصلت إلى ( M75) وهو صناعة فلسطينية 100%.