نزلة السمان.. لماذا يستهدف السيسي معاقل المواطنين الشرفاء؟

- ‎فيتقارير

يمثل شهر يناير لعموم المصريين شهر الثورة التي انقلب عليها العسكر وأحلام العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، في حين أنه بات يمثل كابوسًا عند آخرين، وما يحدث حاليًا في “نزلة السمان” من تهجير قسري جريمة مثل ما جرى في منطقة “رملة بولاق”، و”جزيرة القرصاية” و”الوراق” و”مثلث ماسبيرو” والقائمة تطول.

وبين السطور تبرز المشاريع الاستثمارية لوكلاء الانقلاب الإماراتيين، الذين يتمتعون بشهية شرهة لأكل الحرام من السيطرة على مناجم الذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى، وسعيا خلف الذهب الأصفر في جمهورية مالي، ثم نفط ليبيا وموانئ اليمن الاستراتيجية، ثم الأراضي المصرية التي منحها لهم من لا يملك، إلا أن تلك الاستثمارات أصبحت كابوسًا جاثمًا على صدور المصريين؛ لأنها تهدف إلى انقلاب عمراني ينشر الطبقية والعنصرية والحقد بين المصريين.

وتنتهج حكومة الانقلاب بإيعاز من حكام الإمارات أسلوب الطرد والتشريد لسكان تلك المناطق، وهى السياسة المطبقة من الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تتوقف الجرائم على مجرد الطرد والتشريد بل يتبعها أحياناً القتل، والاعتقال والحبس، والتحرش بعورات النساء المصريات أثناء مفاوضاتهن مع الضباط والعساكر.

وبعيدًا عن الشماتة في أهالي “نزلة السمان”، الذين استعان بهم المخلوع مبارك في موقعة الجمل، وكذلك أهالي مثلث ماسبيرو الذين جلبوا “كسر الرخام”؛ لضرب الثوار في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير 2011، وأوقعوا فيهم إصابات مميتة، الآن يرد السفيه السيسي جميلهم ووقفتهم مع الانقلاب، لحساب مستثمرين إماراتيين دفعوا مقدمًا واشتروا نزلة السمان ومثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق والبقية تأتى.

المواطنون الشرفاء

ظهر مصطلح “المواطنون الشرفاء” في مصر بعد الثورة على مبارك مباشرة؛ تعبيرًا عن السخرية من أشخاص تخصصوا في الهجوم على التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المناهضة للنظام، اشتق الاسم من وصف المجلس العسكري، الذي تولى السلطة بعد تنحي مبارك، لهؤلاء البلطجية وعناصر الأمن والجيش الذين يرتدون ملابس مدنية ويتعدون بالسباب والضرب وأحيانا بالرصاص والأسلحة البيضاء على المتظاهرين.

وبينما كان المجلس العسكري يستخدم مصطلح “المواطنين الشرفاء” في كل بياناته الرسمية، قرر نشطاء، نكاية في الحكم العسكري، تحويل المصطلح إلى تهمة، فبات المتهم بأنه من المواطنين الشرفاء، أقرب ما يكون إلى “المخبرين” و”المرشدين”، وهم عناصر عاملة في الأجهزة الأمنية مهمتها الإبلاغ عن المواطنين في المناطق التي يعيشون فيها.

لا يمكن لأحد أن يتجاهل الظهور المتكرر للسيدة منى البحيري، والتي اشتهرت برسالة وجهتها إلى الرئيس الأمريكي أوباما تطالبه فيها بالصمت تماما عن القمع في مصر، وبعدم التدخل في مجازر العسكر، قبل أن تقول بإنجليزية تثير السخرية “سيسي ييس سيسي ييس. مرسي نوو مرسي نوو”.

بعدها كرمها السفيه السيسي، ونشرت عدة صحف اختيار هيئة قناة السويس لـ”البحيري”، لإلقاء كلمة نساء مصر في حفل افتتاح ترعة قناة السويس الجديدة، وقالت إنها تقدمت بأوراقها لمحافظة المنوفية، مسقط رأسها، تطلب المشاركة في حفل افتتاح الترعة، وأكد لها المسئولون أن الدعوات انتهت، وأن إدارة هيئة قناة السويس اكتفت بنحو 8 آلاف مدعو فقط، مؤكدة أنها طلبت منهم البحث عن أي وسيلة لمشاركتها ووعدوها بالفعل بتلبية طلبها.

تسقط الديمقراطية

ولا يتوقف عمل “الشرفاء” على مهاجمة الوقفات والمسيرات المناهضة للانقلاب، وإنما تمتد مهام عملهم إلى تنظيم والمشاركة في مظاهرات ووقفات للدعاية ودعم السفيه السيسي، وتهتم وسائل الإعلام الموالية للانقلاب في مصر بإظهار تلك الوقفات، باعتبارها دليلا على الحب الشعبي الجارف للجنرال، الذي يطالبه الشعب باستكمال معروفه والترشح للرئاسة من أجل حكم البلاد.

ويخلع أحد المواطنين الشرفاء ملابسه رغم الشتاء القارص وبرودة الجو، ليقدم وصلة رقص شعبي بالملابس الداخلية، على شرف الجنرال، بينما تقف فتاة من المواطنين الشرفاء أمام الحاجز الأمني والأسلاك الشائكة في ميدان التحرير، لتقدم وصلة رقص بلدي، رافعة صورة الجنرال، وهو ما لا تكرر نشره وسائل الإعلام الموالية للانقلاب، حتى لا يستثير سخرية صفحات السوشيال الرافضة للعسكر.

وعرف ثوار مصر “المواطنين الشرفاء” جيدا، أثناء ثورة 25 يناير وأيضاً على مدار سنوات الانقلاب، وواجهوهم وقاوموهم، في التحرير وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، ولدى كثيرين قناعة كاملة بأن هؤلاء ليسوا مواطنين عاديين، وإنما شخصيات يتم استخدامها من جانب الأمن الوطني والمخابرات العامة والحربية، لترهيب أو الاعتداء على الناشطين والمعارضين، خاصة أن وجوها بعينها، بات يتكرر ظهورها في أماكن ومواقف عدة.

لكن الأمر لا يخلو من آثار تاريخية للظاهرة، ففي مذكرات الراحل خالد محيي الدين، أحد أعضاء تنظيم ما يسمى بـ”الضباط الأحرار”، المعنونة باسم “الآن أتكلم”، رواية تؤكد أن عصابات العسكر استخدمت “المواطنين الشرفاء” مبكرا، والواقعة المحددة التي تحدث عنها محيي الدين في مذكراته حدثت في 1954 عندما خرجت في القاهرة مظاهرة عمالية تهتف “تسقط الديمقراطية”!.

ويقول محيي الدين: “وبدأ عبد الناصر في ترتيب اتصالات بقيادات عمال النقل العام لترتيب الإضراب الشهير، وسأورد هنا ما سمعته من عبد الناصر بنفسي، فعند عودتي من المنفى التقيت عبد الناصر، وبدأ يحكي لي ما خفي عني من أحداث أيام مارس الأخيرة، وقال بصراحة نادرة: لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه”، فهل يتذكر المواطنين الشرفاء من أهالي “نزلة السمان” أنهم عاونوا الظالم ورقصوا على دماء الأبرياء؟!.