هل استهلكت دماء المسلمين مشاعر المشاهدين؟

- ‎فيتقارير

المشاعر على الرغم من كونها شيئًا معنويًّا فإنها تتمتع بخاصية مادية؛ وهي تأثرها بالإهلاك مع مرور الوقت، لا سيما مع كثرة الكوارث، فمع تعدد مجازر المسلمين في أكثر من بقعة على ظهر ذلك الكوكب؛ أصبحت مشاعر مشاهدي الإعلام والفضائيات مستهلكة، بل دخل أكثر المشاهدين في نوبة نفسية سيئة من انطوائية غريبة؛ في محاولة منه للحفاظ على ما تبقى من رصيد مشاعره الذي أوشك على النفاد.

وفي ظل النظام الدولي الذي تتصدره أمريكا وتقوده تل أبيب من خلف الستار تتعرض كثير من بلاد المسلمين لحملات إبادة جماعية، وتكاد لا تخلو نشرة أخبار يوميا من خبر أو أكثر عن تلك المجازر، ولعل المجازر السابقة (في البوسنة، والشيشان، وكوسوفو، وكشمير، والهند، والفلبين، وأفغانستان، والعراق، وفلسطين، ولبنان، والصومال، وإندونيسيا، ونيجيريا وبورما، وإريتريا، وكردستان العراق وسوريا، وجعلت ما يجري اليوم من مجازر في مصر وسوريا واليمن وليبيا وإفريقيا الوسطى) شيئًا مستساغًا للمشاهد لم يعد يفزعه بل تعايش مع وجوده كأمر واقع.

مذبحة رابعة والنهضة

مذابح مثل تلك التي جرت بعد انقلاب 30 يونيو 2013 في مصر، وأشدها بشاعة ما جرى في مجزرتي فض اعتصام رابعة والنهضة، تحتاج إلى مجلـدات لإحصائها والحديث عنها وقد عرف الكثير منها القاصي والداني، بل حتى المصريين قد ألفوا ما تلاها من مجازر لكثرة تردادها على مسامعهم وأعينهم، غير تلك التي لم يسمـــع عنها المصريون والتي حرص العسكر أن يجعلوها في طي الكتمان.

من جهته يقول المفكر الإسلامي الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق: “ابتدأت طلائع الشباب المثقفين والمتعلمين منهم خاصة تعود إلى الدين، وتشق طريقها في الحياة وفق تعاليمه وتحت ظلاله، وهنا جن جنون أعداء الله الذين بذلوا النفس والنفيس في سبيل سلخ هذه الأمة عن دينها، فكيف تكون النهاية هكذا؟”.

مضيفًا:” كيف ينقلب الناس إلى الإسلام من جديد وقد ظنوا أن المسلمين قد فارقوا الإسلام إلى الأبد، وأنه لا عودة لهذا الدين من جديد، وأن قضيته لن يكون لها وجود، وأن دولته لن تعقد لها راية، ولن يرفع لها لواء.. وهنا تنادى أعداء الله في شرق الأرض وغربها أن اغدوا لشن الغارة من جديد على الإسلام وأهله وحُولُوا بين أبنائه والعودة إليه”.

حمام الدم

في علم الأحياء؛ يوجد مصطلح اسمه التكيُّف؛ وهو تعديل سلوك الكائن الحي بحسب التغيُّر الذي يطرأ على البيئة التي يعيش فيها؛ وكما أن الإنسان يتكيف مع البيئة المحيطة به بيولوجيًّا؛ فإنه يتكيف نفسيًّا مع أخبار الفواجع المجازر والمذابح والدمار الذي تصبه دول مجلس الأمن فقط على رؤوس المسلمين.. فتجده يختار العزلة.

وهذه الفواجع كان القتلى فيها بأعداد كبيرة تجاوز في بعضها عشرات الآلاف بل وصل إلى مئات الآلاف أحيانا بل وصل إلى الملاييــــن، وارتكبت فيها فظائع من أنواع القتل والتعذيب بما فيها القتل ذبحــا حتى للأطفــال يكاد العقل أن لا يصــدق بعض ما حدث لولا أن كثيرا منه موثـــق وبالصور، واغتصــب في هذه المآسي عشـرات الآلاف من النساء وهدمــت مساجــد ودمرت القرى والمدن.

استمرار حمام الدم في سوريا والعنف في ليبيا والأزمة اليمينة لسنوات طويلة، يعكس حتما في أحد جوانبه نهج الأمم المتحدة في التعامل مع الملفات الساخنة في العالم، الذي تدرج من فشل وعجز إلى تخاذل وصولا إلى التواطؤ في بعض الحالات.

واقترن تعامل الأمم المتحدة مع هذه الملفات الساخنة بالإعراب المستمر عن القلق، وتعيين مندوبين دوليين لمناطق النزاع، وفي حين كان المتغير الأبرز تناوب عدد من “الموظفين” على هذا المنصب في سوريا واليمن وليبيا، كان الثابت الوحيد استمرار الأزمات والعنف.

أشلاء الجثث

وبات إعراب الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون وخلفه أنطونيو جوتيريس عن قلقهما مثار تهكم المتابعين، بينما أثيرت شكوك حول آلية عمل مندوبي المنظمة إلى مناطق النزاع والمنظمات المرتبطة بها، لا سيما بعد سلسلة من الفضائح والإخفاقات.

يقول المدون والناشط السياسي عبد الرحمن ضاحي: “الأحداث السياسية المصرية ابتداء بانطلاق الثورة ونزول الشعب للشوارع، ومرورًا بشحن العواطف بشكل كبير، وبناء أحلام كبيرة جدًّا وقد تحقق جزء منها بالفعل، وانتهاءً بما حدث بعد استنزاف عاطفي شديد، والمشهد المأساوي بعد انقلاب يوليو الدموي، وفَقْد الأعزاء في مذبحة رابعة، ونزول البعض للاحتفال والرقص على أشلاء الجثث”!

وتابع: “كل هذا أصاب الكثير بصدمة عاطفية قوية أهلكت جزءًا كبيرًا من مشاعرهم؛ نتج عنها اعتزال عدد كبير جدًّا من الشباب الكلام في الأحداث، ليس خوفًا ولا جبنًا، ولكن محاولة منهم التكيُّف مع المعطيات الجديدة، ومحاولة الحفاظ على ما تبقى من مشاعر بداخلهم”.