هل توحد ثورات الربيع شعوبًا استعبدتها جيوش القومية العربية؟

- ‎فيتقارير

تقاسمت شعوب ثورات الربيع العربي أحلام الحرية كما يتقاسمون اللغة والدين والأرض والمياه، ذات الهموم والمآسي والأعداء والأحلام والآمال، بعد تساقط أقنعة القومية عن وجوه العسكر الكالحة، وظهر أنها تحمي مصالح المستعمر في خيرات البلاد العربية، وان تظل سيادتها وقرارها رهينة عواصم أمريكا وأوروبا بل وكيان العدو الصهيوني، تلك القومية التي صنعها العسكر، من أول أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر، وكان قوامها السلاح والقمع وأصوات الهزائم التي غطت على أنين الشعوب.
وفشل العسكر المؤسسون للقومية العربية في صناعة وحدة بينهم، على الرغم من الرابطة المفترضة لوجهة السلاح والفكر، فانقلاب عسكري في سورية لتحقيق الوحدة مع انقلاب ناصري في مصر، لم تدم فاعليته أكثر من سنوات ثلاث قبل أن ينهار، ونظامان بعثيان في سورية والعراق تحولا إلى العداء التام، وتبادل الحزبيون البعثيون حملات الاعتقال والقمع في البلدين، بينما فر المؤسس الفكري لكليهما ميشيل عفلق إلى فرنسا!

الوحدة الأوربية

وقد يلوح سؤال كيف توحد ثورات الربيع العربي كل شعوب المنطقة وهم لا يملكون الثقافة الواحدة، ولا يفكرون بالطريقة نفسها؟، والإجابة من ذات السؤال فقد نجد في البلد الواحد تعددية ثقافية، فسكان الأرياف لا يفكرون بطريقة سكان المدن نفسها، وقد يكون الفرق شاسعًا أحيانًا، هل هذا يمنعهم من العيش تحت سقف وطن واحد؟
وحدة الربيع العربي وجمع شعوبه التي تتقاسم كل عوامل الوحدة، لا يعني طمس الهويات الأخرى، فكم من دولة تنتمي لأوروبا جغرافيًّا ولا تنتمي للاتحاد الأوروبي، وهناك دول لا تنتمي لأوروبا جغرافيًّا لكنها قد تنتمي للاتحاد المشترك، فهل ذلك يعني طمس هويتهم؟
فمن يحمل هوية ما ويعتز بها، لا ينتظر الاعتراف بها من طرف الآخرين إذا كان صاحبها يعترف بها، أما إشكالية المستوى الاقتصادي المتنافر بين شعوب المنطقة، فليس ذلك بالمعضلة لأنه في الوطن الواحد ليست كل المناطق تعيش في المستوى نفسه، وهل في الاتحاد الأوروبي مستوى ألمانيا هو مستوى بلغاريا أو كرواتيا، وهل ذلك منعهم من تشكيل الوحدة؟
وإذا كانت أوروبا لا تعاني من القوى التوسعية ومع ذلك شكلت كيانًا واحدًا، فماذا على العرب أن يفعلوا وهم يعانون من التمدد الإيراني من جهة، والنفوذ الأمريكي من جهة، والتوسع الروسي الجديد من جهة، والكيان الصهيوني الغاصب من جهة، ألا يقتضي ذلك تشكيل الربيع العربي واقعاً جديداً موحداً، من المحيط إلى الخليج لبتر هذه الأيادي، والخروج من نكبة القومية العسكرية التي علقت بها الشعوب.
وإذا لم تع شعوب المنطقة الخطر القادم إليها، بعد 100 سنة ستكتب المجلدات بعنوان «يومًا ما كان لدينا وطن»، فمن الآن أصبحنا نرى صور الخميني في شوارع بيروت، واللطميات في المسجد الأموي في دمشق، وأمريكا تتعامل مع دول الخليج كأنهم ولاية أمريكية رقم 51، والقادم سيكون أسوأ.
من جهته اعتبر الأكاديمي الفرنسي ألان غابون أن الربيع العربي الذي انطلق قبل 9 سنوات في المنطقة العربي لم ينته رغم كل الإخفاقات التي تعرض لها من قبل الأنظمة السابقة، بسبب 4 أسباب منها أن هذه الانتفاضات كسرت هيمنة الحكام على البلاد إلى الأبد.
جيوش الاستعمار!

وقال الكاتب الفرنسي في مقال في موقع The Middle East Eye البريطاني، إن ثورات الربيع العربي التي أسقطت 5 أنظمة ديكتاتورية لهي قادرة على العودة مرة أخرى رغم هذه المآسي التي تعرضت لها، وتابع يُعد المشهد السياسي الحالي في منطقة الشرق الأوسط مخيباً للآمال حقاً عندما يتذكَّر المرء شعور الأمل المُبهِج في تحقيق الديمقراطية والتحوُّل إلى نظام حكم أفضل منبثق عن انتفاضات عام 2011، التي اندلعت في تلك المنطقة، ويبدو المعجم الجديد لمرحلة “ما بعد الربيع العربي” أو حتى “الشتاء العربي” مُبرَّرَاً تماماً.
وهناك شعور حقيقي في الشرق الأوسط، أكثر من أي بقعة أخرى من العالم الاستعماري سابقًا، بأنَّ الشرق الأوسط لم يحصل على استقلاله بالكامل، وبسبب تربعه على عرش مخزون البترول الأكبر في العالم، تم استهداف العالم العربي بتدخلات وغزو مستمرين، حتى بعد حصوله رسميًا على الاستقلال.
وبعد إسقاط الخلافة العثمانية وتقسيم المسلمين إلى دول صورية بعد الحرب العالمية الأولى، تم قصف واحتلال أجزاء منه بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدو الصهيوني وبريطانيا وفرنسا كما تم محاصرته بالقواعد الأمريكية وأنظمة استبدادية مدعومة من الغرب.
وقد ركزت الثورات العربية التي اشتعلت شرارتها الأولى في تونس، على الفساد والفقر وانعدام الحريات، وليس الهيمنة الغربية أو الاحتلال الصهيوني، ولكن حقيقة انطلاقهم ضد الديكتاتوريات المدعومة من الغرب، تعني أنَّهم شكلوا تهديدًا فعليًا للنظام الإستراتيجي.
ومنذ يوم سقوط المخلوع مبارك في مصر، ظهر اتجاه مضاد متعنت بقيادة القوى الغربية وحلفائها في الخليج، لرشوة أو تحطيم أو السيطرة على الثورات العربية، ولديهم معين من الخبرة المتأصلة يمكّنهم من استنتاج أنَّ كل مركز للثورات العربية، من مصر إلى اليمن، عاش عقودًا تحت الهيمنة الاستعمارية، وكل دول حلف الناتو الأساسية التي قامت بضرب ليبيا، ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، كانت لديهم قوات تحتل المنطقة وما زالت ذكراها حية في الأذهان.