هل نجحت جرائم السيسي ضد الغلابة في نسيان جرائمه بالسجون؟

- ‎فيأخبار

هل مع مرور الأيام والسنين تحول المعتقلون في سجون الانقلاب لمجرد أرقام، بعد أن نجح قائد الانقلاب العسكري في إلهاء الشعب المصري، بزيادة الأسعار، ورفع الدعم، ودخول المواطنين في دوامة البحث عن “لقمة العيش”، في الوقت الذي يهددهم فيه نظام الانقلاب بمصير سوريا والعراق، ووعيدهم بأنه لن يتسامح في ضربهم بأشد ما يمتلكه من سلاح حال الخروج عليه والثورة ضده.

وكشف عدد من شهادات أسر المعتقلين كيف يتم تعذيب ذويهم في سجون الانقلاب، حتى إن أغلب المعتقلين أصبح يواجه خطر الموت المحدق يوميا، نتيجة الإهمال الطبي، أو التعذيب، وسط حالة التعتيم المفروضة إعلاميا، فضلا عن منع أي أحاديث من المعتقلين عما يحدث داخل الزنازين والمعتقلات، الأمر الذي زاد من سوء الأحوال داخل هذه السجون، ويهدد عشرات الآلاف من المعتقلين في حياتهم.

وكشفت شهادات توثيقية من أهالي المعتقلين، خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والمنظمات الحقوقية، أحوال المختفين قسريا، وكيف يتم تعذيب ذويهم على مدار سنين عدة، حتى يعترفوا بجرائم لم يفعلوها، ثم ظهور المختفين قسريا بشكل مفاجئ، بعد ظن موتهم، وعليهم آثار تعذيب.

وقال الشهادات المنشورة على بعض المنصات الحقوقية ومواقع التواصل، إن الاختفاء يبدأ بالاعتقال الذي يمكن أن يتم من المنزل أو العمل أو من الطرقات والمظاهرات، ثم يتم عرضه على النيابة العامة لتحديد مصيره، إما بالحبس أو إطلاق سراحه، إلا أنَّ هذه القاعدة الأخيرة لم تحدث مع الآلاف الذين تمّ اعتقالهم وإخفاؤهم لمدد وصلت لعدة شهور وآخرها لعدّة سنوات، كما هو الحال مع المعتقل أشرف حسن إبراهيم.

ونقلت شهادات المحامين الذين تابعوا حالة أشرف حسن إبراهيم إنَّ سلطات الانقلاب، أنكرت أنه في حوزتها منذ اختفائه بأحداث المنصة التي شهدها محيط ميدان رابعة العدوية في السابع والعشرين من يوليو 2013، ولم يتم التوصل إليه من خلال محاضر النيابة العامة، وفي أكتوبر 2015 قرَّرت إحدى محاكم الجنايات إخلاء سبيل 16 معتقلًا تم القبض عليهم في أحداث المنصة، ليسدل الستار على المذبحة التي راح ضحيتها 80 معتصمًا، إلا أنَّ المفاجأة أنَّ اسم إبراهيم لم يكن بين المعتقلين الـ 16، ولا بين الشهداء الثمانين، مما دفع ذويه للتأكُّد أنَّ نجلهم قد مات ولم يتم الاستدلال على جثمانه، حتى كانت المفاجأة بظهوره بسجن الوادي الجديد بالصحراء الغربية.

كما كشفت شهادات أهالي المختفين أن أماكن الاحتجاز دائما ما تكون بمقار الأمن الوطني بمدينة نصر، أو الشيخ زايد؛ حيث يتعرَّض المعتقلون لتعذيب شديد من أجل إجبارهم على الاعتراف بتورطهم في قضايا، أو أن يعترفوا على آخرين في قضايا أخرى، وفي كثير من الأحيان فإنَّ عددًا منهم يلقى حتفه نتيجة التعذيب، ولكي تتستر الأجهزة الأمنية على ذلك، ويتم نقلهم لأي شقة أو عشة بالصحراء ليُعْلَن فيما بعد عن تصفيتهم نتيجة الاشتباك معهم، ويتبيَّن بعدها أن أهالي هؤلاء المعتقلين كانوا قد تقدَّموا ببلاغات للنائب العام فور اختفاء أبنائهم مما يفضح روايات الداخلية المصرية.

أماكن اخرى للتعذيب بالإضافة لمقار الأمن الوطني، حيث يحتلّ السجن الحربي بمحافظة الإسماعيلية والمشهور بـ”العازولي”، مكانة متقدمة في أماكن احتجاز المعتقلين بالشهور.

ونقلت منظمات حقوقية ومواقع صحفية،  شهادات معتقلين دخلوا هذا السجن، حيث تم اعتقال أحدهم من منزله بمحافظة الدقهلية، وتم إيداعه مباشرة بالعازولي لمدة تقترب من أربعة أشهر منتصف عام 2014، وكان يتم التحقيق معه من خلال ضباط الأمن الوطني وضباط المخابرات الحربية، وفي بعض الأوقات كان يتم نقله لمقر المخابرات الحربية بمحافظة السويس لمزيدٍ من التحقيقات، وهو ما كان يمثّل له متنفسًا بعيدًا عن التعذيب الذي كان يتعرَّض له طوال اليوم وحتى أثناء التحقيق، مؤكدًا أنه التقى بالعشرات سبقوه للعازولي بشهور كثيرة، ومازالوا في أماكنهم يتعرّضون لتعذيب بشع، ومنهم من مات أمام عينيه نتيجة هذا التعذيب، وتمّ دفن جثمانه بالصحراء كما كان يؤكّد لهم بعض ضباط السجن.كما كشفت منظمة هيومن رايتس مونتور أنَ الاختفاء القسري يعدّ سمة مميزة لحكم الانقلاب،  بعد أن حلّت الأجهزة الأمنية محلّ الأجهزة القضائية، فيتم اختطاف الشخص وتعذيبه تعذيبًا شديدًا لإجباره على الاعتراف بالتهم الملفقة له، فاذا اعترف ظهر بعد أن يتم تسجيل اعترافاته على التلفاز وإذاعتها بالرغم من ظهور علامات تعذيب واضحة على وجهه وجسده.

وأشارت المنظمة أنَّ النيابة العامة كثيرًا ما تتجاهل آلاف الشكاوى التي تُقدِّمها أسر الضحايا والتي تفيد بكونهم في حوزة السلطات المصرية منذ لحظة القبض عليهم، إلا أنَّ النيابة العامة لا تقوم بدورها؛ فهي لا تنظر في هذه البلاغات ولا تقوم بالتحقيق فيها أو إعطاء عائلات المختفين قسريًا أية معلومة عن ذويهم.

وطبقًا للمنظمة الحقوقية فإنَّ النيابة تعد شريكًا أساسيًا في الجريمة التي تقوم بها السلطات المصرية، فإضافة لتلفيق التهم وتجاهل بلاغات الضحايا وذويهم تقوم بسلبهم جميع حقوقهم القانونية والإنسانية وتودِي بهم ظلمًا إلى الهلاك، واستدلّت المنظمة بقضية عرب شركس التي تم إعدام المعتقلين فيها، وتجاهل المحكمة لإثباتات هيئة الدفاع عن المعتقلين التي تحدثت عن اعتقالهم قبل فترة من حدوث عملية عرب شركس، وأصرَّت على إصدار حكمها بالإعدام ضد المتهمين بسبب انتمائهم السياسي.

إحصائيات وجرائم

وفي تقرير إحصائي لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب عن مخالفات حقوق الإنسان في العام 2017 أشار التقرير إلى أنَّ هذا العام وحده شهد 1274 حالة اختفاء قسري، و1237 حالة ظهور بعد الاختفاء، و386 حالة عنف من قبل الدولة، ويؤكد التقرير أنهم لم يرصدوا ظهور أحد من المختفين قسريًا في دولة أخرى بين صفوف داعش، كما ادّعى بعض المسؤولين والإعلاميين وأحد المتحدثين باسم المجلس القومي لحقوق الإنسان، بل ظهروا في النيابات وأقسام الشرطة والمحاكم، وكلها مؤسسات تابعة وخاضعة للدولة.

وقد رصدت التقارير الحقوقية المتعددة أنَّ الاختفاء القسري شمل كل فئات الشعب المصري فمن بينهم صحفيون، كما هو الوضع الحالي مع الصحفي الشاب محمد سعيد، الذي تمّ اعتقاله قبل شهرين وما زال مختفيًا، ومن قبله الصحفي معتز ودنان الذي أجرى الحوار الشهير مع المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، والذي ظهر بعد أسبوعين من اختفائه، ومن قبلهم كل من الصحفيين حسن القباني وحسام الوكيل، واللذان تم إطلاق سراحهما مؤخرًا

كما ضمَّت قائمة المختفين قسريًا المحامي والحقوقي عزت غنيم، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والذي تمّ اعتقاله على خلفية الفيلم الوثائقي الشهير لـ bbc الإنجليزية، عن الاختفاء القسري، وظهر بعدها بفترة في نيابة أمن الدولة العليا، وغيره من المحامين، كما حدث الاختفاء القسري لأسر وعائلات كاملة، مثل عائلة آل مضر حيث اعتقل الزوج وزوجته ورضيعتهما وشقيق زوجته.