هل يمكن محاكمة السيسي دوليًا كمجرم حرب على مذابحه وانتهاكاته لحقوق الإنسان؟

- ‎فيتقارير

بحسب حقوقيين وخبراء في القانون، يُصنف ما جرى في رابعة تحت بعض بنود المادة السابعة من معاهدة روما، إذ تم ارتكاب جرائم القتل العمد والسجن والحرمان الشديد من الحرية البدنية والتعذيب وإخفاء بعض الأشخاص قسريا، وذلك كله في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي من قِبل النظام الحاكم ضد مجموعة محدودة من السكان المدنيين، وبعلم كامل من المسئولين عن الهجوم وأضراره وما قد يترتب عليه. كما أن المادة الثانية عشرة من المعاهدة تُخضع مصر كإحدى الدول التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظر ما حدث فيها من جرائم بعد إصدار المعاهدة عام 2002، باعتبار أن مصر كانت من الدول المؤسسة لهذه المعاهدة وطرفًا في نظامها الأساسي، بغض النظر عن مسألة عدم التصديق.

ومنذ اليوم الأول بعد مذابح رابعة والنهضة، كان جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي قلقًا للغاية من تدويل القضية أو نجاح جماعة الإخوان ومعسكر الشرعية في استصدار أوامر قضائية بحق السيسي كقائد عام للجيش، الذي قام بالتغطية وإدارة مداخل ومخارج موقع محرقة رابعة وغيرها، وعدلي منصور كرئيس مؤقت، ومحمد إبراهيم كوزير للداخلية وقائد لقوات الشرطة التي اقتحمت الموقع، وحازم الببلاوي رئيس الوزراء الذي اعترف بأن قرار الفض اتُخذ في اجتماع لمجلس الوزراء.

وسارع السيسي، مدعومًا بآراء عدد من مستشاريه القانونيين، إلى البحث عن طرق لتأمين موقفه أمام أي احتمالات لتدويل القضية، فتم تشكيل لجنة حكومية لتقصي حقائق الأحداث في محاولة لاصطناع استقلال التحقيقات في القضية أمام الرأي العام العالمي، ودرست الحكومة آنذاك إصدار قانون لمحاسبة المتهمين في جرائم الإبادة الجماعية والوقائع غير الإنسانية لتحصين المسئولين المصريين من المحاكمة الدولية المحتملة. كما أعاقت الحكومة بين عامي 2015 و2016 جهود المنظمات الحقوقية الضاغطة للتصديق على معاهدة روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية، والتي وقّعت عليها مصر عام 2001 لكنها لم تصدّق عليها حتى الآن.

غير أن هذه الاحتياطات الحكومية التي تأتي تخوفا من نجاح جهود تدويل القضية أو نقلها لساحة قضائية عالمية، لم تقابلها جهود منظمة على الطرف الآخر، فاقتصرت تحركات المعارضة الموجودة في الخارج من “الإخوان” وغيرهم من التيارات، على مبادرات فردية في معظم الأحوال لمخاطبة جهات قضائية دولية أو محاكم أوروبية، لكنها افتقرت إلى التنظيم والتركيز، وضاعت بعض الجهود أيضا بين تفاصيل الخلافات القانونية حول المختصين فيما إذا كانت القضية صالحة للتدويل من عدمه.

فالنظام العسكري يحظى بملف ثقيل من انتهاكات حقوق الإنسان، ويحظى بإدانات واسعة سواء من الأمم المتحدة أو حتى المؤسسات الحقوقية الدولية والإقليمية جراء جرائمه ووحشيته المفرطة المدعومة من قوى دولية ترى في الديمقراطية في بلادنا خطرا على “إسرائيل” ومصالح الأمريكان والغرب عموما.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة ومعظم دول العالم المهتمة بمصر، أدانت بشدة أحداث المذبحة وأبدت قلقها من سلوك السلطات المصرية من شرطة وجيش ضد المدنيين، إلا أن أحداث السنوات التالية لم تنبئ بأي مساءلة أو محاسبة، بل إن بعض الدول التي أدانت ما حدث بلهجة قاسية في حينه، كفرنسا وإيطاليا، فتحت ذراعيها فيما بعد استقبالا لصاحب قرار الفض، رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق

وفي عشية الذكرى الثالثة لمحرقة رابعة العدوية، أدلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون بتصريحات حول ضرورة محاسبة الجناة، لتذكّر العالم بأن الجريمة التي راح ضحيتها عدد غير معلوم من الضحايا يُقدّر بين 900 و1400 من أنصار الرئيس محمد مرسي، تطوي اليوم سنتها الثالثة من دون توجيه أي اتهام محلي أو دولي للمسئولين الفعليين أو المحرضين على ارتكاب ما شهده ذلك اليوم من جرائم بحق المعتصمين.

لكن كلام بان كي مون، حول ضرورة إجراء تحقيقات كاملة بشأن مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الشرطة والجيش المصري، ترك البتّ بالدعوات لإنشاء لجنة دولية للتحقيق في المذبحة على عاتق “مجلس حقوق الإنسان” (التابع للأمم المتحدة)، على اعتبار أنه هو “المخول بإنشاء لجنة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن القتل الجماعي للمحتجين (في مصر) خلال ذلك اليوم”، على حد تعبير نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، فرحان حق.

بل تبلغ جرأة الانقلاب وفاشيته حدودا قصوى بمحاكمة الناجين من هذه المذبحة الذين فقدوا أقاربهم وأصدقاءهم، فتحوِّل الضحايا إلى متهمين والجناة إلى قضاة وجلادين، وتضاءلت قيمة العدالة على وقع الأحكام الانتقامية التي صدرت مؤخرا بحق الضحايا والناجين من هذه المذابح الدموية التي ارتكبها النظام العسكري الشمولي في مصر. وكان آخر هذه الأحكام إعدام 75 من قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة والأحزاب والقوى والحركات الإسلامية الداعمة للنظام الديمقراطي في مصر.

هذا التناقض بين التحرك القضائي الرسمي في القضية، وبين الأحداث الدموية للواقعة ذاتها، وتجاهل العدد الهائل غير المعروف من الضحايا الذين سقطوا، يثير علامات استفهام عديدة حول أسباب عدم انتقال هذه القضية من حيّز التضامن والتعاطف الصامت داخل مصر وخارجها، إلى ساحة العدالة في الداخل والخارج، وعلامات استفهام أخرى حول ما إذا كان من الممكن مستقبلاً مساءلة الجناة الحقيقيين والمحرضين على ارتكاب هذه المذبحة والقصاص لضحاياها أو أداء جزء بسيط من التعويض لهم عما عصف باستقرار حياتهم من مصائب.

6 إجراءات واجبة

وشاب التحركات نحو تدويل قضية مصر عدة أخطاء، على رأسها عدم مركزية التحرك، وعدم وجود إدارة موحّدة تضم عددا من السياسيين والقانونيين والدبلوماسيين المختصين والإعلاميين لأداء الرسالة المتكاملة وصولاً إلى الهدف المنشود. وهو ما أدى إلى تشتت الجهود وهرولة البعض نحو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، رغم أنها غير مختصة بالنظر في القضية، وسعى آخرون خلف المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان على الرغم من ضعفها وضآلة تأثيرها وتبعيتها المطلقة للاتحاد الإفريقي، بينما سعى آخرون لاستصدار أوامر قضائية بتوقيف السيسي من محاكم أوروبية، وعلى الأخص من القضاء البريطاني.

ثانيا، أن الاحتمال الأفضل للتجريب في الفترة المقبلة هو محاولة ممارسة الضغوط على كل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سياسيا، والمدعي العام في المحكمة الدولية، سياسيا وقانونيا، مع ترجيح إمكانية التأثير الأقوى على المدعي العام.

ثالثا، التحركات الرامية نحو تدويل القضية رغم توافر عامل الإخلاص لكنها كانت أسيرة للخطاب السياسي، على حساب الخطابين القانوني والحقوقي، نظراً لأن الوضع آنذاك كان يبدو أخطر وأكثر تأثيرا من الناحية السياسية”، غير أن هذه الاعتبارات السياسية طغت على الطروحات القانونية التي يجب التركيز عليها لتحويل “مذبحة رابعة” إلى قضية رأي عام عالمي.

رابعا، ضرورة إعداد ملف ضخم بالصور ومقاطع الفيديو والوثائق المتاحة، من شهادات وفاة وتحقيقات محلية وشكاوى وبلاغات قضائية، كما فعلت المنظمات الحقوقية المساندة لقضية دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإرسالها جميعا إلى المدعي العام للمحكمة الدولية أو أي مسئول آخر ترى اللجنة مخاطبته.

خامسا، ضرورة التوظيف القانوني للتقرير الذي أعدته منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن الواقعة وغيره من التقارير التي أعدّتها منظمات حقوقية مصرية لها رصيد من المصداقية في المجتمع الدولي، “لم يتم استغلالها جيدا من القائمين على مبادرات تدويل القضية أو أهالي الضحايا”.

سادسا، ضرورة التعاون بين جميع فصائل المعارضة المؤمنة بثورة يناير والرافضة للانقلاب أو أولئك الذين خدعوا به أول الأمر ثم استفاقوا، خصوصا من لهم باع كبير في الملف الحقوقي والتواصل مع المنظمات الدولية، مع التركيز على غلق أبواب القضاء المحلي أمام المتضررين والضحايا لظروف سياسية، وهو أحد أسباب نشأة معاهدة روما، بما يخلق حاجة إلى قضاء دولي أعلى نافذ القرارات لاسترداد حقوقهم ومعاقبة المسئولين.