5 وجوه مقارنة تكشف الفوارق الكبرى بين دستور الثورة “2012” ومسودة الانقلاب في 2014

- ‎فيتقارير

في مثل هذه الأيام من عام 2012م، أقر الشعب المصري مشروع دستور الثورة في ديسمبر 2012م وهو الدستور الذي شارك فيه الشعب بكل طوائفه وتياراته، ولذلك تم التعامل معه تماما كبرلمان الثورة المنتخب بنزاهة، كلاهما لم يستغرق 6 شهور، بينما تم الانقلاب على أول رئيس جمهورية منتخب بنزاهة بعد عام واحد فقط من انتخابه، ولم تصبر عليه القوى الرافضة للديمقرطية والإرادة الشعبية فتم حل برلمان الثورة منتصف 2012، وتم تجميد دستور الثورة في 03 يوليو 2013م، كما تم الانقلاب على أول رئيس مدني للجمهورية منتخب بنزاهة بعد عام واحد؛ فلا تدوم في مصر سوى المؤسسات التي تشرف عليها الدولة العميقة والأجهزة العسكرية والأمنية التي اختطفت مصر لخدمة مصالحها ومصالح الوكلاء الإقليميين وضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية في مصر والمنطقة عموما.

لجنة منتخبة وأخرى معينة

أول وجه من وجوه المقارنة الكاشفة هو انتخاب اللجنة التأسيسية التي أشرفت على وضع دستور الثورة في 2012م، بينما كانت لجنة العشرة ثم لجنة الخمسين لوضع دستور الانقلاب والدولة العميقة في 2014 معينة بالكامل في ظل تجاهل تام لإرادة الشعب.

:

وقتها تم انتخاب البرلمان؛ للقيام بثلاث مهام خطيرة وقتها:

أولا انتزاع السلطة التشريعية من المجلس العسكري الذي كان يهيمن على جميع السلطات وقتها وبذلك اعتبر انتخاب البرلمان خطوة نحو مطالب الثورة بتسليم الحكم للمدنيين.

ثانيا القيام بالدور الرقابي حيث كانت حكومات مع بعد الثورة لا يمارس بحقها أي رقابة شعبية منتخبة وهو أيضا كان مكسبا للشعب والثورة،.

وثالثا لانتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور للرفض المطلق لتعيينها من جهة ولتعذر انتخابها مباشرة من جانب الشعب من جهة ثانية؛ فكان البرلمان أولا خيارا لقوى ثورية كثيرة رأت فيه وفق تقديرها وقتها أنه الأنسب للثورة من جهة ولتكريس المسار الديمقراطي من جهة ثانية.

لجنة لكل المصريين وأخرى من تيار واحد

الوجه الثاني من وجوه المقارنة الكاشفة أن اللجنة التأسيسية المنتخبة لدستور الثورة في 2012 كانت تضم جميع أطياف وفئات الشعب من إسلاميين وليبراليين ويساريين وقوميين ومستقلين ومسلمين وأقباط وشباب وشيوخ ونساء ومؤسسات ونقابات وعمال وفلاحين وغيرهم بينما هيمن لون واحد على لجنة الخمسين المعينة التي وضعت دستور الدول العميقة في 2014م.

وغاب التيار الإسلامي الواسع الذي اعتبر هذه اللجنة باطلة وما جرى في 03 يوليو 2013م إجراء باطل بوصفه انقلابا على شرعية منتخبة ورئيس منتخب قبل عام واحد، وهيمن على لجنة الخمسين المعينية تياران:

الأول هو التيار العلماني الذي لم ينجح في الفوز بثقة الشعب في أي انتخابات نزيهة بعد ثورة يناير

والثاني هو التيار الدولتي نسبة إلى الدولة وهم الموالون لأركان النظام السابق والدولة العميقة والمؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد.

دستور معبر عن الشعب وآخر معبر عن السلطة

الوجه الثالث من وجوه المقارنة بين دستور الثورة “2012”م، ودستور الانقلاب في 2014م، أن الأول معبر عن إرادة الشعب استنادا إلى أن لجنته التأسيسية منتخبة من برلمان الثورة من جهة، وممثلة لجميع فئات الشعب دون إقصاء من جهة ثانية، ورغم أن بعض القوى وبتحريض من المؤسسة العسكرية انسحبت من اللجنة التأسيسية.

إلا أنه كان قد تم التوافق على “95%” من مواد الدستور ؛ بينما في مسودة 2014م، فإنها معبرة عن توجهات المشاركين فيها وهم التيار العلماني من جهة والموالين للمؤسسة العسكرية والأمنية من جهة ثانية لأنها هي التي عينتهم فيها فكان لزاما أن يحرصوا على مصلحتها في وضع الدستور.

وهو ما يفسر إلغاء المواد التي كانت تبرز الهوية الإسلامية من جهة وتمنح صلاحيات أوسع للأزهر من جهة ثانية.

دستور بإرادة حرة وآخر تحت إكراه الدبابات

الوجه الرابع من وجوه المقارنة، أن دستور الثورة في 2012م، شهد اختلافات طبيعية وهو أمر طبيعي للغاية في أي دولة في العالم تحترم الديمقراطية وتحترم التنوع في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ولكن هذه الاختلافات ظهرت بعد أن تم التوافق على “95%”، كما حظي بقبول حوالي ” 64% من جموع المصوتين بينما رفضه حوالي “36%”.

وجرى الاستفتاء عليه في أجواء ديمقراطية شاركت فيها جميع التيارات دون مقاطعة من أحد. على النقيض من ذلك تماما جرى مع مسودة الانقلاب 2014م حيث لم يشهدخلافات تذكر لأنه تشكل من تيار واحد تحت إشراف المؤسسة العسكرية التي عينت الجميع.

كما أن نسبة الموافقين عليه بلغت حوالي “98%” لأن المشاركين كلهم من تيار واحد وفريق واحد بينما قاطع مسرحية الاستفاء وقتها أكبر تيار شعبي في البلاد باعتباره إجراء باطلا تأسس على انقلاب عسكري على المسار الديمقراطي.

كما جرى مسرحية الاستفتاء وسط رفض شعبي واسع وانتشار أوسع للدبابات والمدرعات وأجهزة الأمن حيث اشتشهد 14 مصريا واعتقل المئات في يوم المسرحية ما يؤكد حجم الانقسام والإكراه الذي مارسته المؤسسة العسكرية من أجل تمرير انقلابها ودستورها لإجهاض الديمقراطية الوليدة في مصر بعد ثورة يناير العظيمة.

محتوى متشابه يكشف حجم المكايدة السياسية

الوجه الخامس من وجوه المقارنة أن محتوى الدستوريين رغم بعض الاختلافات إلا أن التقارب بينهما كبير وكثير من المواد متشابهة في المضمون والمحتوى وإن اختلفت في الصياغة والألفاظ والعبارات؛ ما يؤكد أنّ الهجوم الإعلامي والسياسي على دستور عام 2012 الذي جرى تعطيله إثر الانقلاب كان في سياق الهجوم على الرئيس مرسي وتياره السياسي والتحضير للانقضاض عليه، وليس بغرض مناقشة مضمون الدستور ذاته.

وأن تمرير قانون الانقلاب كان بهدف البحث عن شرعيّة انتخابيّة تحلّ محلّ الشرعيّة التي أفرزها المسار الديمقراطيّ السابق، بحيث يتخلص من شبهة الانقلاب على المستوى الدولي، وحتى من “شرعية الشارع” و”خارطة الطريق” التي استند إليها وانقلب عليها أيضًا، بحيث تمنحه الشرعية الانتخابيّة الجديدة غطاءً للاستمرار في ممارسة الإقصاء بأشكاله كافة، والذي بدأ في 3 يوليو وما زال مستمرًّا حتى اليوم.