المخلوع حسنى مبارك.. 30 سنة من السجون والمعتقلات وإذلال المصريين

- ‎فيتقارير

المخلوع حسنى مبارك مارس كل ألوان القهر والكبت والقمع ضد المصريين، وكانت أولى وسائله لإخضاع المصريين هي السجون والمعتقلات والتعذيب والتصفيات الجسدية التي ذاق مراراتها الملايين من أبناء الوطن، طوال سنوات النحس التي حكمها هذا الطاغية.

قائمة جرائم نظام المخلوع ورموزه تستعصى على الحصر، فقد جعل من نفسه إلهًا في الأرض، وجعل له الجلادون من ساحات السجون والمعتقلات أماكن يذكر فيها اسمه بدلاً من لفظ الجلالة فى الصلاة، بل وصلت بهم درجة الكفر أن يضعوا صورته على سارية العلم ويجبرون المعتقلين على الطواف حولها مرددين “لبيك اللهم لبيك” .

في معتقلات المخلوع، كان أبو لهب أشهر أسماء الجلادين.. والضباط كانت رياضتهم المفضلة ضرب السجناء.. وهوايتهم مشاهدة حفلات الجنس بين “الجنائي والسياسي”.

وكان الزبانية يقودون المعتقل معصوب العينين ثم يعلقونه فى باب، وبنال طريحة محترمة من الضرب والصعق، ثم يدخل الثلاجة ويحرم من الطعام والشراب.

“الحرية والعدالة” تستعرض بعض النماذج التى اعتقلت خلال سنوات حكم المخلوع، والتي تكشف عن تفنن زبانية مبارك في تعذيب المعتقلين، خاصة السياسيين.

مجدى حسين

الكاتب الكبير مجدى حسين قال: إن السجن كان حياتي الأصلية فى عهد مبارك، مشيرا إلى أنه قضى 5 سنوات متقطعة فى معتقلات المخلوع أبرزها عام 1998، بعد حملة على وزير الداخلية، وعاما 1999 و2000 بسبب حملة أخرى على وزير الزراعة يوسف والى، إضافة إلى الحكم الصادر يوم 11 فبراير 2009 من المحكمة العسكرية بالسجن عامين، وتغريمه خمسة آلاف جنيه بعد أن إدانته بتهمة التسلل عبر الحدود بين مصر وقطاع غزة فى شهر يناير من العام نفسه.

كان لديه شعور دائم أنه مطارد وأن السجن بانتظاره، واعتبر أن الـ43 سجنا – قبل أن يبنى الطاغية عبد الفتاح السيسي 20 سجنا جديدة- منتجع سياحي يمتلكه يذهب إليه وقتما شاء، قائلا “أنا اعتدت على القضايا الملفقة دائما ضدي، والمطاردة من قبل نظام المخلوع لكنى مش ندمان لأنى دائما كنت مع كلمة الحق”.

من طرائف سجنه أن أحد المستشارين الذى أصدر حكما ضده التقى به فى السجن، وهو محاكم فى قضية فساد، فيما لقى قاض آخر حتفه بعد الحكم علية بشهرين، قائلا: “كتبت وقتها اللهم لا شماتة لكنها آية من آيات الله”.

ورغم لقائه العديد من الشخصيات على مدار فترات سجنه، إلا أن سجنه بالمرج اختلف كليا، حيث وضع فى عنبر كامل منفردا، ولم يجد رفيقا سوى قطة أطلق عليها اسم «كيمو» لكنها ماتت بعد شهرين من مرافقته.

“سجن المرج” أيضًا منع فيه مجدى، خلال الشهور الأولى، من حقه فى الحصول على أوراق وأقلام وجرائد عدا الحكومية، وأداء صلاة الجمعة بالمسجد والذهاب للمكتبة، لكنه كان يلجأ لتهريب الأوراق عبر بعض المتعاطفين معه، كذلك رغم معاناته الشديدة من انزلاق غضروفى لازمه بسببه الكرسى المتحرك، إلا أن إدارة السجن لم تتحرك إلا بعد عدة وقفات احتجاجية.

رغم كتابات مجدى حسين الحادة ضد ممارسات نظام المخلوع، التى وقف لها بالمرصاد وكذلك توصيفاته لحسنى مبارك التى اشتهر بها، إلا أنه لو عاد به الزمن لكتب بطريقة أشد حدة فى وجه «الباطل».

حسن سلام

حسن سلام حسن، شاب بدوى من سيناء تم احتجازه بتاريخ 3 أغسطس 2005، على خلفية تفجيرات شرم الشيخ، ودخل سجن العقرب شديد الحراسة، وأكد أنه تم احتجازه في بداية التحقيقات فى مكتب أمن الدولة ببلبيس هو وزوجته وأطفاله، ثم تم ترحيله بعد أسبوع إلى مبنى مباحث أمن الدولة فى مدينة نصر، وتم التحفظ عليه هناك لمدة 3 أشهر.

وعن أول يوم لدخوله السجن قال حسن: كان فى استقبالنا ضابط قال لهم أحب أعرفكم بنفسى أخوكم «سراج» 30 سنة خبرة في الصد عن سبيل الله، وفى هذا المكان ينبغى أن تدركوا حقيقة واحدة أنا هنا أبو لهب، وكلكم زى سيدكم «بلال» بالضبط.

ورغم تعدد سجون العسكر، تحرص مصلحة السجون على إجراء ما يعرف بـ«التغريبة»، وتعنى التغريبة أن يتم نقل السجين إلى سجن فى محافظة بعيدة كنوع من أنواع العقاب، وفى حالة حسن سلام، تم نقله إلى سجن الوادى الجديد، رغم أن عائلته مقيمة فى سيناء، وتصل تكلفة الانتقالات أثناء الزيارة الى آلاف الجنيهات، وهو ما كان يمثل عبئًا ماليًّا كبيرًا، ليس على أهله فقط، ولكن على معظم السجناء.

شباب فلسطينيون

رواية أخرى من سجن أبو زعبل أبطالها شباب فلسطينيون، أولهم يدعى محمد رمضان الشاعر 35 سنة، محاسب من قطاع غزة، تم إلقاء القبض عليه فى سبتمبر 2009، وتم احتجازه على معبر رفح، وهو قادم من أداء العمرة، وخضع لعمليات تعذيب مكثفة فى أمن الدولة، دون أن يخبروه ما هى تهمته.

وقال الشاعر: إن أمن الدولة قام بترحيله إلى سجن برج العرب، ومكث هناك 7 أشهر، لتتم بعد ذلك إعادته إلى أمن الدولة، وفى هذه المرة وجهت إليه عدة اتهامات، منها الاشتراك فى اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

وأضاف الشاعر: بعد أن أنكرت التهمة تمامًا تم ترحيلى إلى سجن أبو زعبل ووضعى فى زنزانة تحت الأرض مساحتها 70 سم في 180 سم، وبعد أن تدهورت حالتى الصحية، ونقلى إلى المستشفى، طلبت من إدارة السجن نقلى إلى زنزانة أخرى، وبعد إخطار أمن الدولة جاء الرد “لما يموت إدونا فكرة».. واستمر وضع الشاعر فى هذا المحبس 10 شهور، حتى جاءت أحداث ثورة يناير، وقام السجناء بإطلاق سراحه. ليخرج من السجن ضمن الفارين ويتم القبض عليه بعد ذلك وترحيله لسجن العقرب.

وأكد أنه طوال فترة احتجازه كان يحصل على قرارات إفراج ويتم إخراجه، ويقوم أمن الدولة بالتحفظ عليه لمدة أسبوع، ويجدد له خطابا يتضمن جملة «عاد لمزاولة نشاطه». متسائلا: “نفسى أعرف ما هو هذا النشاط”.

أما شادي سعيد بدر، شاب فلسطيني 26 عاما، طالب فى الفرقة الرابعة بكلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر، فقد احتجز فى سجن العقرب، وتم اعتقاله عن طريق مباحث أمن الدولة بتاريخ 25 ديسمبر 2010.

قال شادى، إنه تم القبض عليه فى لجنة مرور، وبعد اقتياده إلى قسم الشرطة كان معه جهاز لاب توب، مضيفا أن الجهاز كان عليه تصميم مدونة، وفوجئ بعدها بمندوب أمن الدولة جاء ليأخذه من قسم الشرطة، ويذهب به لأمن الدولة بأكتوبر، وهناك وجهت له عدة اتهامات منها قلب نظام الحكم، وإثارة الفتنة، وبعد هذه الاتهامات طالبهم شادى، بعرضه على النيابة، لكن ضابط أمن الدولة ويدعى «هيثم نجم» قال له لن يتم عرضك على نيابة بل سيتم ترحيلك، وعندما قلت له إننى طالب فى السنة النهائية، ومعى إقامة، تم ترحيلى لأمن الدولة فى مدينة نصر، وهناك تعرضت لأسوأ حالات التعذيب، وبعد ذلك تم ترحيلى إلى ليمان طره.

مدحت الزاهد

زنزانة ضيقة منزوعة الفراش والغطاء، حالكة الظلام، كأنك فى مقبرة، هذا ما تعرض له الكاتب مدحت الزاهد، عندما تم إلقاء القبض عليه مع مجموعة من زملائه، هم محمد السيد سعيد، وهشام مبارك، وكمال خليل، بعد واقعة اقتحام مصنع الحديد والصلب عام 1989، وقتل أحد عمال المصنع .

يروى الزاهد أنه استيقظ يوم العاشر من أغسطس عام 1989 على طرقات مفزعة، وما إن فتح الباب، كأن ماسورة قد انكسرت واندفعت منها مجموعة من ضباط أمن الدولة المسلحين فى زيهم الأسود، وفى محاولة منه لإقناعهم بعدم وجود ما هو سرى وممنوع من أوراق أو منشورات، لكن لم يكترث لكلامه أحد، وسرعان ما انقلب المنزل رأسا على عقب.

وأثناء تواجده فى سيارة الشرطة التى أقلته من منزله، جال فى ذهنه شريط من الذكريات، استرجع من خلاله ما كتبه فى أحد التحقيقات الصحفية التى قام بها عن سياسة العقاب الجماعى، واختطاف الرهائن، والمانشيت الذى كتبه عن سياسة التوغل فى سلطات القضاء التى كان يتبعها زكى بدر، وزير الداخلية آنذاك، ومع استفزازات الضباط له داخل سيارة التراحيل، طاف بذهنه أيضا الدراسة التى كتبها محمد السيد سعيد الذى كان معه فى السيارة نفسها عن «الضابط الفتوة» الذى أفرزته حالة الطوارئ، والأحكام العرفية، وسياسة التجريدة، والجلد والضرب فى المليان، لكن طمأنه بعض من كانوا معهم فى السيارة، ممن تم اعتقالهم فى عهد السادات، بأن السجن مكان للاسترخاء، حيث بشره أحدهم بأنه سيقضى فترة من الراحة وقراءة ما فاته من كتب، وممارسة الرياضة، وبعد هذا الوصف تمنى أن يقضى إجازة سعيدة، لكن ما إن نزل من السيارة تبددت كل التصورات والأمنيات، فبدأ الضباط فى التحرش بهم، ونشبت أكثر من مناوشة، وبعدها قاموا بتوزيعهم على زنازين منزوعة الحياة، فطرقوا أبواب الزنازين وأذاعوا فى السجن شعار «إذا نمنا على البلاط لن ينام السجن»، فأثار هذا الشعار غضب إدارة السجن، وتخوفت من حدوث حالة تمرد شاملة، وبدأت فى إطلاق كلابها البوليسية عليهم، وسمعوا صوتا لقفزات رجال الأمن المركزى وهم يصرخون «هووه.. هووه»، كأنهم مقبلون على معركة.

فى الصباح الباكر من اليوم التالى استيقظوا على أصوات خبط وضرب فى الزنازين المجاورة، حيث كانت زنزانته آخر الممر، وأسرع بعض من هم خبراء فى الاعتقالات بارتداء أكبر قدر من الملابس، وبعدها بقليل قام جنود الأمن المركزى باقتحام زنزانته، وأمروه بالخروج إلى الممر، فوجد عساكر الأمن محملين بالعصى والسياط التى انهالت عليهم فى كل مواضع أجسادهم.

وذكر أن صديقه محمد السيد سعيد صاح فى وجه مأمور السجن قائلا «اضرب يا جبان»، فانهالوا عليه بالضرب حتى فقد وعيه، وكلما أفاق يكررون ضربه وتجريدهم له، وبعدها أمروهم بأن يديروا وجوههم إلى الحائط، وانهالوا عليهم بالسياط، ثم أمروهم مرة أخرى بالانبطاح على الأرض، حيث كرروا تعذيبهم الحيوانى، وقام أحدهم بالقفز فوق ظهر صديقه كمال خليل، وظل يقفز على ظهره الممدد على الأرض حتى خشوا أن يكون كمال قد فقد حياته.