أبرز مخاطر “صفاقة القرن”.. قراءة في إعلان ترامب عن المؤامرة

- ‎فيتقارير

في مشهد الانكسار العربي الذي يشبه نكسة 1967، وإعلان ترامب عن تصفية القضية الفلسطينية وسط صمت عربي مهين، يتأكد للمتابعين أن “سرقة القرن” التي تنهي ثوابت القضية الفلسطينية لم تكن لتمر دون وجود حكام عرب خونة، نافقوا وداهنوا الصهاينة والأمريكان من أجل تلك اللحظة من الانكسار.

وهو ما وصفه الباحث السياسي د.عصام عبد الشافى، بقوله: “ما كان لها أن تمر إلا بوجود حكام عرب خونة، وما تم منذ انقلاب مصر 2013 هو تمهيد وتهيئة، وما وصول السيسي في مصر وأولاد زايد في الإمارات وابن سلمان في الرياض إلا للتنفيذ.. السرقات الحقيرة تحتاج أدوات حقيرة، ولكن ستبقى فلسطين عربية، وتحريرها يبدأ بتحرير مصر”.

وهو نفس ما ذهبت إليه دراسة أعدها موقع “الشارع السياسي” بعنوان: “إعلان ترامب عن صفقة القرن.. مآلات تصفية القضية الفلسطينية وخطورة الصمت العربي”، موضحة البنود الكارثية في الإعلان عن صفقة القرن، حيث نصت الوثيقة على أن الخطة ستشمل “فترة تحضير” مدتها 4 سنوات؛ وذلك انطلاقا من قناعة أمريكية بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيرفض تنفيذها لكن ربما يقبلها خليفته، وهو ما قد يفسره الصراع الدائر فلسطينيًّا لإفشال المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وتصعيد السياسي المقرب من إسرائيل محمد دحلان بديلا لأبو مازن.

وتقترح “مؤامرة القرن” إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70% من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس. الخطة تسمح لإسرائيل بضم ما بين 30 إلى 40% من أراضي المنطقة “ج” بالضفة الغربية.

وقسّمت اتفاقية أوسلو الضفة الغربية إلى 3 مناطق، هي “أ” و”ب” و”ج”، وتمثل المنطقة “أ” نحو 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيًا وإداريًا، فيما تمثل المنطقة “ب” 21%، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.

أما المنطقة “ج”، التي تشكّل 61% من مساحة الضفة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريعة أو إجراءات فلسطينية بها.

وخلال فترة التحضير لتنفيذ “صفقة القرن” سيتم تجميد البناء في كل المنطقة “ج” التي تسيطر عليها إسرائيل، ما يعني أن بإمكان إسرائيل مواصلة النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة دون توسيعها.

ووفق الصحيفة، فإن الخطة تنص على إقامة دولة فلسطينية على مساحة تصل إلى نحو 70% من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك 30% من أراضي المنطقة “ج”.

وتوضح الدراسة أن الدولة الفلسطينية وفق “صفقة القرن” ستكون، بحسب “يديعوت أحرونوت”، بدون جيش وبلا سيطرة على المجال الجوي والمعابر الحدودية، وبلا أي صلاحية لعقد اتفاقيات مع دول أجنبية. وتقترح الخطة الأمريكية إقامة “نفق” بين غزة والضفة الغربية يكون بمثابة “ممر آمن”.

وتطالب “صفقة القرن” السلطة الفلسطينية بإعادة السيطرة على قطاع غزة ونزع سلاح حركتي “حماس” والجهاد الإسلامي. وتبقي الخطة الأمريكية على 15 مستوطنة معزولة تحت السيادة الإسرائيلية رغم عدم وجود تواصل جغرافي لهذه المستوطنات مع إسرائيل.

القدس إسرائيلية وتمويل عربي

وتنص “صفقة القرن” على الإبقاء على مدينة القدس المحتلة تحت “سيادة إسرائيل”، بما في ذلك الحرم القدسي الشريف والأماكن المقدسة التي تدار بشكل مشترك بين إسرائيل والفلسطينيين.

ولا تنص الخطة على تقسيم القدس، لكن سيحصل الفلسطينيون على كل ما هو خارج حدود جدار الفصل المحيط بالمدينة المقدسة .وتقترح “صفقة القرن” 50 مليار دولار لتمويل المشروعات في المناطق المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية.

في السياق ذاته، نقل موقع “يديعوت أحرونوت” عن مصادر إسرائيلية قولها، إنّ “الأمريكيين سينتظرون عدة أسابيع لمعرفة الرد الفلسطيني، وهل سيقبلون الخطة أم سيرفضونها، قبل أن تبدأ إسرائيل بإجراءات ضم نصف مساحة المنطقة (ج)، مما يعني أنه لن يكون بمقدور نتنياهو أن يعرض على الكنيست مشروع ضم غور الأردن قبل الانتخابات المقررة في الثاني من مارس”. وبحسب الموقع، فإن ترامب يراهن على فوزه في الانتخابات، وعندها سيمارس ضغوطا على الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المحادثات.

ووفقا للموقع، فإنه فقط في نهاية الفترة التحضيرية سيكون بمقدور الفلسطينيين الإعلان عن دولة مستقلة، لكن ستُفرض عليها قيود غير قليلة، أبرزها دولة من دون جيش، ومن دون سيطرة على المجال الجوي، ومن دون سيطرة على المعابر الحدودية، ومن دون قدرة على إبرام تحالفات مع دول أجنبية.

توقيت الإعلان ورهانات انتخابية

ويأتي الإعلان الأمريكي عن خطة “صفقة القرن” بعد غياب فترة غير قليلة، عكست تخبّط الإدارة الأمريكية فيما يخص ما تقول إنه “خطة للسلام في الشرق الأوسط”. فبعد تسريباتٍ كثيرة عن الخطة، وعقد مؤتمر خاص لها في البحرين، لم يعد هناك حديث عنها، في ظل الرفض الفلسطيني الكبير لها، والذي ترافق مع تفهم أوروبي وروسي وصيني للموقف الفلسطيني، ما جعل إمكانية تطبيق الخطة باعتبارها “مسار الحل” مستحيلة، غير أن ذلك لم يمنع الإدارة الأميركية من المضي في تسريبها فعليا على أرض الواقع، بدءا من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل، مرورا بالمصادقة على ضم الجولان والتغاضي عن إجراءات ضم الضفة، وأخيرا محاولة إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر التضييق على وكالة “أونروا” وقطع التمويل عنها.

كل هذه الإجراءات، وفق الباحث الفلسطيني، حسام كنفاني، هي عمليا جزء مما تمكن تسميته “صفعة القرن” للقضية الفلسطينية، وهي فعليا مطبقة على أرض الواقع من دون الحاجة إلى إعلان رسمي أمريكي جديد.

خيارات الفلسطينيين

وفي ظل إنهاك الفلسطينيين في قضايا الحصار لقطاع غزة، وتفرق القوى الفلسطينية، وغياب الوحدة الفلسطينية، وتعثر الخطوات نحو الديمقراطية والانتخابات العامة، وتدخل الطرف المصري في القضية لصالح الأجندة الصهيونية، تبرز جمة مخاطر تهدد القضية الفلسطينية.

وتعتبر كثير من الشخصيات الفلسطينية أن ترامب يمضي قدمًا في خطته بدعم وموافقة إسرائيلية، غير ملتفتٍ لمعارضة الفلسطينيين لها، حتى إنه لم يدع أيا من الأطراف الفلسطينية لإطلاعه على التفاصيل، وفي ظل هذه الحالة، فإن العديد من الأطراف الفلسطينية تتحدث عن خيارات مختلفة، مع عدم القبول بما يطرحه ترامب في خطته، والذي يرونه يمثل تصفية للقضية الفلسطينية من وجهة نظرهم.

وكانت قناة “كان” الرسمية الإسرائيلية قد نقلت عن مسؤولين أمنيين فلسطينيين لم تسمهم، السبت 25 يناير، قولهم إن هناك الآن “أجواء ما قبل الانتفاضة الأولى (1987-1993)”، والقيادة الفلسطينية تدرس قطع العلاقات مع إسرائيل ووقف التنسيق الأمني.

وأشارت القناة إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ألغى ندوة عسكرية موسعة، كانت مقررة الاثنين 27 يناير، تحسبًا لتصعيد في الضفة الغربية وقطاع غزة مع إعلان ترامب عن تفاصيل “صفقة القرن”.

وفي ظل الرفض الفلسطيني للخطة الأمريكية، والتي يرون أنها ستدفن حل الدولتين للأبد، وتشرعن المستوطنات الاسرائيلية، وتنطوي على التنازل عن القدس، كعاصمة للدولة الفلسطينية وغير ذلك، يطرح مراقبون السؤال: ما هي الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين، الذين يبدون في حالة صدمة، تؤدي بهم إلى مجرد الرفض النظري، في وقت قد يمضي فيه تطبيق الخطة على الأرض بمعزل عنهم.

وبحسب مراقبين غربيين، فإنه بطرح ترامب لتلك الخطة يكون قد ردم بذلك كل أفق للسلام المزعوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن ترامب أراد فقط تثبيت الأوضاع القائمة في المنطقة، وسط تغول إسرائيلي كبير على الأراضي الفلسطينية، عبر توسيع المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين بالقدس ومدن الضفة الغربية، مع اعتراف أمريكي بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

موقف عربي متراجع

ولعل ما يضاعف القلق الفلسطيني، هو تراجع الدور العربي إزاء الاستفراد الأمريكي الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية وتصفيتها.

وهو ما دعا المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، في تعليق على صفحته على “فيسبوك”، إلى مواجهته قائلا: إن مواجهة “الحلقة الأخيرة من مسلسل صفقة القرن الركيكة” تتطلب موقفا عربيا وفلسطينيا رافضا لاستبدال “نظام الفصل العنصري بالاحتلال”، وخصوصا أن المرحلة المقبلة ستشمل ضغطا على الدول العربية لإعلان تأييدها للصفقة.

وكتب بشارة أنه “بعد تنفيذ “الصفقة” عمليا بضم القدس ووقف الاعتراف بقضية اللاجئين وعدم الاعتراض على الاستيطان، سوف يعلن ترامب رؤيته للتفاوض على ما تبقى: دولة فلسطينية محدودة السيادة عاصمتها خارج القدس (أبو ديس)، من دون الكتل الاستيطانية التي سوف تضم إلى إسرائيل مقابل تبادل أراضٍ على حدود غزة، ومن دون غور الأردن (منطقة عازلة متروكة للتفاوض بين الطرفين)”.

وأضاف “سيبدأ الضغط على دول عربية لإعلان تأييدها وللضغط على السلطة في رام الله. لقد تعاملت بعض الأنظمة مع قضية فلسطين كباب من أبواب تقديم الخدمات لأمريكا في مقابل رضاها. ولا يمكن أن تتخذ دول عربية موقفا جديا في معارضة خطة أمريكية ما دامت قضيتها الأولى هي صراعاتها البينية”.

وأشار بشارة إلى أن “المطلوب من الدول العربية هو موقف رافض لاستبدال نظام الفصل العنصري بالاحتلال. أما الذين هربوا من المسؤولية ليعلموا الأمريكان أيضا أنها ليست مسئوليتهم بل مسئولية الفلسطينيين، وأن الموقف متروك للشعب الفلسطيني، وأنهم سوف يقبلون بما يقبل به الفلسطينيون، فقد كانت هذه حجتهم حين وافقوا على اتفاقيات أوسلو وغيرها للتخلص من عبء القضية”.

ورأى عزمي بشارة أن “الأساس أن يعلن الشعب الفلسطيني موقفه بالوسائل المتاحة وأهمها الخروج إلى الشارع، وأن يدعو حلفاءه في كل مكان لاتخاذ موقف حاسم من التواطؤ المعلن بين البيت الأبيض والليكود واليمين المتطرف في إسرائيل. والذي تعتبره حكومة إسرائيل فرصتها التاريخية لتصفية الموضوع”. وختم أن “أسوأ ما قد تفعله قيادة فلسطينية أو عربية هو انتظار انتخابات إسرائيلية أو أميركية قادمة. هذا رهان بائس”.

مخاطر أكبر

وبحسب صفحة “الشارع السياسي” يبقى الخطر الأكبر، في تغييب قضايا اللاجئين والمياه والموارد الاقتصادية والحقوق الفلسطينية والقدس، وكما كتب، الأحد، أمير تيفون، مراسل صحيفة “هآرتس” في واشنطن، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل حرصتا على صياغة “صفقة القرن” بشكل يدفع الفلسطينيين لرفضها، وذلك لإضفاء “صدقية” على ضم غور الأردن.

ومما يفاقم الأمور تعقيدا أمام قيادة السلطة، أن النظام الرسمي العربي يبدو لا مباليا بإعلان الخطة، على الرغم مما تتضمنه من بنود تمثل تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية، فلا يوجد ما يدل على أن الجامعة العربية، التي عقدت في الأعوام الماضية عددا من الاجتماعات على مستوى القمة ومستوى وزراء الخارجية، شددت فيها على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مستعدة لاتخاذ خطوات لمواجهة الخطة الأمريكية، إلى جانب ذلك، فإن الإعلان عن “صفقة القرن” يتم في ظل تفكك الجبهة الفلسطينية الداخلية.

كما أن اللافت أن إصرار ترامب على إعلان الخطة رغم إدراكه الرفض الفلسطيني المسبق لها يعني أن الإعلان يهدف فقط إلى توفير المبررات لكي يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ضم غور الأردن والمستوطنات، في حين يصدر ترامب مرسوما “رئاسيا” للاعتراف بالضم، كما فعل عندما اعترف بضم هضبة الجولان.

ويزيد المخاطر المستقبلية، ضعف السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على صياغة برامج أو قرارات فاعلة، وفي حال تم ضم منطقة “غور الأردن” التي تمثل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية والمستوطنات اليهودية التي تنتشر على حوالي 12% من الضفة وشبكة المواصلات التي تربط بينهما وبين إسرائيل، والقواعد العسكرية التي تؤمنها، فإن هذا يعني أن السلطة الفلسطينية لن تكون قائمة عمليا من ناحية سياسية، على اعتبار أن حوالي 42% من مساحة الضفة ستكون تحت “السيادة” الإسرائيلية.